إلى الغائبِ الحاضر
منصور محمد

 

منصور

أخاطِبُك بِاسمِكَ لأولِ مرة
كنتُ أعانقُكَ كلما التقينا
قبل أن تأتيَ كورونا

كنتُ أحدثُك بلغةٍ خاصة
لا يفهمُها سوانا
كنا نستغرقُ في تأملٍ
لا يسبِرُ غورَه إلا كلانا
كلمةٌ واحدةٌ تخلقُ نوبةً من السعادة
وإشارةٌ واحدةٌ تملأ الفضاءَ صخبا
وتُذهِب الهدوءَ إلى حين

 

تجاوزنا لغةَ البيان

إلى لغةِ الإشارة 

لماذا الإسهابُ إن كانت الإيماءةُ تكفي؟

ألم يقل أجدادُنا: الحليمُ تكفيه الإشارة؟

وكنتَ أنت ذا الحليم

ما أبلغَ لغةَ الإشارة 

فهي الوحيدةُ التي توقظُ فينا 

أجملَ ما فينا

 

كان بيننا حكاياتٌ وقصص 

سعيدةٌ كلُّها، حتى الحزينة

نحكيها بإشارةٍ

أو التفاتةٍ 

أو سؤالٍ بكلماتٍ موجزة

أو شفرةٍ مُلغَّزة

كنا نسرُدها للذكرى

وللمزاحِ والسلوى

كم كانت تسلينا وتُسعِدنا

قبل أن تأتيَ كورونا

 

انتظرتُ شفاءك يا منصور

كي أعانقك وأحدثك بلغة الإشارة

والإيماءة والتلميح كما كنا نفعل في اللُقيا

قبل أن تأتيَ كورونا

 
أيعقلُ أن عملاقاً
تمرّسَ في خوض المعاركِ

وأبدعَ في نيلِ المعارفِ

يستسلمُ قبلَ بدءِ المعركة؟

ويغادرُ تاركا أحبابَه وأصحابَه؟

أمنصورُ أقنعني 

أنك غادرت

لم أقتنعْ 

ولن أصدقَ

فأنتَ حاضرٌ بيننا

أراكَ أينما نظرت

وأسمعُك في كلِّ وقت 

ستبقى يا منصور

وسوف تذهب كورونا

 

 بالأمسِ مر بي طيفُك

رأيتُكَ تسيرُ شمالا
في الشارعِ المُشَجَّر
وقد ارتديتَ ثوباً أبيضَ مشعاً
وقد أنارتْ هالتُك الأنحاءَ
وانعكس الشعاعُ على أوراقِ الشجر

سألتُك متلهفاً
أمنصورُ ها أنت هنا؟
عدتَ إلينا؟
عدتُ؟ ومتى غادرتُكم حتى أعود؟

ظننتُكَ…

ماذا ظننتَ؟

إن بعضَ الظنِ إثمٌ

أنا معكم اليوم وغدا وبعدَ غد

  

كنتَ تحدثُني وتسيرُ شمالا

في الشارع المُشَجَّر

إلى أين ذاهبٌ يا منصور؟

حسبتُك تعرفُني يا حميد
هل هناك أرقى من العلمِ عندي؟
وهل هناك أغلى من طلابِه؟
وهل هناك أجملُ من صروحِه؟

أنا ذاهبٌ إلى كُليةِ أكسبرِج؟

كليةُ أكسبرِج؟
نعم كليةُ أكسبرِج!
كيف أتركُ طلابي دون وداع؟
هؤلاءِ أحبابي
وأصحابي

وهل جِئتَ لتودعَهم؟
نعم
ماذا عنا؟ يا منصور؟
ماذا عنا؟
فضيلة ولميس وبيرم ولباب ويسر ورياض ويوسف وأحمد وإسحق وأنا؟
ماذا عن صديقِك الأولِ حميد؟ الذي عرّفنا بك؟
وصديقِك صلاح؟

أبلغهم سلامي
وقل لهم إنهم أنا
قبل كورونا
وبعد كورونا

 

حميد الكفائي

19/12/2020