اللثام الصحي والنقاب!

الرؤية: 7 تموز 2020

 

 حميد الكفائي

 

 

يبدو أن اللثام الصحي أصبح إجراءً لابد منه للحد من انتشار فيروس كوفيد19. فقد ألزمت حكومة مقاطة اسكتلندة، مواطنيها بارتداء اللثام الصحي في الأماكن العامة، والمحافظة على التباعد الاجتماعي بمسافة مترين، بينما تجنبت الحكومة البريطانية الإجراءات الملزِمة، ونصحت بارتداء اللثام ومراعاة التباعد بعد رفع القيود.

الحكومة الفرنسية ألزمت مواطنيها بضرورة ارتداء اللثام الصحي في وسائط النقل والأماكن العامة، وكذلك فعلت حكومة البرازيل التي أصيب مليون ونصف من مواطنيها بالفيروس القاتل.

ولو عدنا إلى الوراء قليلا، فإن الكثير من الغربيين طالبوا بحظر النقاب الذي ترتديه النساء المسلمات، باعتباره (خطرا) على الأمن، لأن المجرمين يمكن أن يستخدموه للإختباء عن أعين الشرطة! فسنّت فرنسا قانونا عام 2011 حظرت بموجبه ارتداء النقاب، وفرضت غرامة على المخالِفات قدرها 150 يورو. اللثام الصحي يشبه النقاب من ناحية أنه يخفي وجه الشخص وهويته، ويرتديه النساء والرجال، لكن المفارقة أن الأول مفروض والثاني محظور.

وترى منظمات حقوق الإنسان تناقضا في القوانين التي تفرض اللثام الصحي وتمنع النقاب، خصوصا وأن كليهما يخفيان ملامح الوجه. المدير التنفيذي لمنظمة هيومان رايتس ووتش، كنيث روث، اعتبر ذلك انعكاسا لمشاعر الـ(إسلاموفوبيا) أو الهلع من الإسلام.

المواقف الأوروبية من الأديان لها أسبابها الموضوعية، فالحروب الدينية عصفت بأوروبا في القرن السادس عشر، وحصدت ثلث سكان ألمانيا و3 ملايين نسمة في فرنسا، وأعدادا كبيرة في بريطانيا وبلدان أاسكندنافيا، واستمرت نصف قرن تقريبا. أشهر حادثة كانت (مجزرة سان بارثولوميو) التي ارتكبت بحق البروتستانتيين الفرنسيين (الكالفانيين).

وبعد نجاح الثورة الفرنسية عام 1789، فرض قادتها قيودا على الكنيسة بسبب موقفها المساند للنظام القديم، ومراكمتها ثروات واسعة، وتبنوا مبدأ الفصل بين الدين والدولة ليبتعدوا ببلدهم عن الاقتتال.

وبسبب هذه الخلفية الدامية، أصبح الأوروبيون عامة، والفرنسيون خاصة، يحرصون على إخفاء الرموز الدينية، كالصليب ونجمة داوود والحجاب، خصوصا في المدارس، لأنها في رأيهم تثير الفرقة بين المواطنين، لكن حرية الاعتقاد وممارسة العبادات بقيت مكفولة دستوريا لجميع السكان، مع الحرص على إبقاء الدين ضمن المساحة الشخصية للأفراد.

لكن جائحة كورونا فرضت شروطا جديدة، فاصبح اللثام الصحي والتباعد الاجتماعي ضروريين لدوام الصحة، وقد يبقيان معنا لزمن طويل، لكن مقارنة المنظمات الحقوقية اللثام الصحي بالنقاب أمر مستغرب، فاللثام لا يثير الفرقة ودافعه الحرص على الصحة الخاصة والعامة، بينما يدخل النقاب ضمن الحرية الشخصية للأفراد. لكن المقارنة لا تخلو من فائدة، لأنها تشير إلى الرقابة المجتمعية على إجراءات الدولة كي تبقى منصفة.  

https://www.alroeya.com/119-85/2149848-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%A8