احتمالات اليورو جيدة وقوتها لن تضر الاقتصاد الأمريكي
الحياة، آب 1999

رغم النكسات الأولية التي مُنيت بها اليورو، حيث تساوى سعرها مع الدولار في بعض الأسواق في تموز الماضي، وقد يتدنى إلى ما دون ذلك في المستقبل، فإنها تمتلك مقومات القوة والهيمنة العالمية التي لم يمتلكها كل من الين أو المارك في السابق.

صحيح أن قيمة اليورو انخفضت كثيرا منذ إصدارها في الأول من كانون الثاني 1999، لكن انخفاض اليورو يعود إلى عوامل قصيرة الأمد أكثر مما يعود إلى ضعف أساسي متأصل في الاقتصاد الأوروبي. يضاف إلى ذلك فإن الانخفاض الأخير يعكس التفاوت النسبي في قوة الاقتصادين الأمريكي والأوروبي.

ففي الوقت الذي يتواصل فيه النمو المتميز في الاقتصاد الأمريكي للعام الثامن على التوالي، فإن منطقة اليورو إجمالا تعاني من التباطؤ الإقتصادي، خصوصا في أكبر اقتصاد فيها وهو الاقتصاد الألماني الذي يعتبر المحرك الأساسي لليورو. ففي الوقت الذي انكمش فيه إجمالي الناتج المحلي الألماني بمعدل سنوي قدره 1.8% في الربع الرابع من عام 1998، وأخذ النمو يتباطأ في فرنسا وإيطاليا، توسع الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بمعدل قدره 5.6% في الفترة نفسها.

وتشكل الإقتصادات الأوربية الثلاثة اكثر من ثلاثة أرباع الإنتاج في منطقة اليورو. لقد دفع النمو الاقتصادي السريع في أمريكا مجلس الاحتياط الفدرالي إلى رفع أسعار الفائدة في مطلع تموز بهدف السيطرة على التضخم مما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار، بينما دفع النمو البطيء في أوروبا البنك المركزي الأوروبي إلى خفض أسعار الفائدة إلى 2.5% بهدف تحفيز النشاط الاقتصادي وخفض البطالة، مما ساهم في انخفاض سعر اليورو.

لكن انخفاض اليورو قد جاء في الوقت المناسب بالنسبة للاقتصادات الأوروبية الكبيرة، خصوصا ألمانيا وإيطاليا، اللتين عانت صادراتهما إلى الأسواق الناشئة كثيرا في العام الماضي، ويتوقع أن يساهم انخفاض سعر صرف اليورو في تعزيز تنافسية هذه الصادرات في الخارج. وتشير بعض التوقعات، كتلك التي كشف عنها بنك الاستثمار “ليمان بروذرز”، بأن النمو الاقتصادي لمنطقة اليورو سوف ينتعش في النصف الثاني من  هذا العام ليبغ معدلا قدره 2% مرتفعا إلى 3% في العام القادم. وسيساهم ذلك دون شك في رفع سعر العملة الأوروبية تدريجيا.

لقد عززت الاختلافات السياسية بين الحكومات الأوروبية الاعتقاد السائد بين التجار والمستثمرين العالميين بأن السياسة الاقتصادية في منطقة اليورو غير متماسكة وتتأثر دائما بالمتغيرات السياسية، وهذا هو أحد الأسباب التي تزعزع الثقة بالعملة مما يؤدي إلى انخفاض سعرها. إن كثرة الجدل السياسي بين دول الاتحاد النقدي الأوروبي واختلاف وجهات النظر في العديد من الأمور السياسية بين الحكومات المشترِكة في اليورو قد قاد المستثمرين إلى التريث في قراراتهم الاستثمارية في منطقة اليورو، وقد قلص هذا دون شك من الإقبال على العملة الجديدة.

ولا يقتصر الاختلاف بين الحكومات الأوروبية المختلفة بل إن هناك اختلافا في وجهات النظر الاقتصادية داخل الحكومة الواحدة في بلدان الاتحاد الأوروبي المختلفة، فهناك ائتلاف هش بين الخضر والديمقراطيين الاجتماعيين في ألمانيا، وهناك تعايش بين الاشتراكيين والديغوليين في فرنسا وهناك دائما حكومة غير مستقرة في إيطاليا بسبب نظامها الانتخابي الذي لا يسمح في أكثر الأحيان لأي حزب بأغلبية مريحة في البرلمان.

لقد ساهمت تصريحات المفوض الأوروبي الجديد رومانو برودي، وهو رئيس وزراء إيطالي سابق، بأن إيطاليا قد تنسحب من اليورو لأنها لا تستطيع التنافس بسبب ارتفاع معدل التضخم فيها عن المعدل المتوسط في أوروبا، في خفض سعر اليورو إلى 1.3 مقابل الدولار في نهاية حزيران الماضي، ليتدنى بعد ذلك إلى 1 دولار في الشهر التالي. إن مثل هذه التصريحات، التي تعكس عدم انسجام الحكومات الأوروبية حول سياسة موحدة، من شأنها أن تزعزع ثقة المستثمرين وكل الناشطين في السوق بالعملة الأوروبية.

ويعتقد العديد من المراقبين بأنه من غير المرجح أن ينتعش سعر اليورو في المستقبل القريب، بعد  أن فقدت حوالي 15% من سعرها عند الإصدار قبل سبعة أشهر. وهذا يعني أن الدولار سوف يواصل هيمنته كعملة احتياط أولى في العالم على الأمدين القريب والمتوسط. لكن الأمر سيختلف على الأمد البعيد، وكما أسلفنا فإن هناك الكثيرين ممن يرون أن تدني سعر اليورو سوف يتوقف بنهاية هذا العام لتبدأ انتعاشا مستداما في مطلع العام المقبل. هناك عدد من العوامل التي ستقرر قدرة اليورو على تحدي هيمنة الدولار العالمية. وبالإمكان إيجازها بما يلي:

1- الموقع التجاري لمنطقة اليورو

من أهم العوامل التي تقرر موقع اليورو ومدى استخدامها عالميا هو حجم منطقة اليورو. وكما ذكر آنفا فإن منطقة اليورو ستكون أكبر مستورد ومصدِّر للبضائع والسلع في العالم، حتى عند استثناء التجارة البينية الواسعة والمهمة بين دول الاتحاد الأوربي. ومن المرجح أن يقود ذلك إلى توسع استعمال اليورو في الصفقات والتعاملات التجارية. ومن المتوقع أن تمتد التأثيرات التجارية الأولية لليورو إلى البلدان الأربعة التي ستنضم إلى المرحلة القادمة للاتحاد النقدي – وهي بريطانيا والسويد والدانمارك واليونان. فقد أخذ الكثير من الشركات ضمن منطقة اليورو تطلب من مجهزيها في هذه البلدان تقديم فواتيرها باليورو.

ومن المرجح أيضا أن تستخدم اليورو على نطاق واسع في أوربا الشرقية، وإلى مدى أقل، في شمال أفريقيا، حيث ترتبط العديد من العملات المحلية بالعملات الأوروبية التي حلت اليورو محلها. وربما يبدأ استعمال اليورو أيضا في التعاملات بين منطقة اليورو والبلدان الأخرى خارج أوروبا كالبلدان الآسيوية. فالصفقات النقدية بين اليابان وأوروبا، على سبيل المثال، تتم أكثر الأحيان بالدولار، بينما تباع أكثر الصادرات القادمة من آسيا إلى أوروبا حسب فواتير معدة أيضا بالدولار. ومع تنامي قوة اليورو، فإن التعامل بالدولار لابد وأن يتقلص لصالح اليورو.

إن توحيد العملات الأوروبية سيقود أيضا إلى وفورات الحجم، مما يرجح قيام الشركات الأجنبية المصدِّرة إلى أوروبا باستعمال العملة الجديدة في تعاملاتها التجارية. إن حلول عملة واحدة هي اليورو محل إحدى عشرة عملة سوف يقلص بالتأكيد من تكاليف الصفقات التي كانت تتم بالدولار قبل قيام الاتحاد النقدي، وسوف يدفع ذلك الشركات إلى التعامل باليورو بدلا من الدولار. ومن الجدير بالذكر أن تدني سعر اليورو مقابل الدولار لن يؤثر مطلقا على التجارة البينية، لأن أسعار العملات الأوروبية قد ثُبِّتت بشكل نهائي مقابل بعضها البعض.

2- الاستقرار الإقتصادي في منطقة اليورو

سوف تلعب القوة الاقتصادية لمنطقة اليورو دورا مهما في رفع أو خفض مستوى ثقة المستثمرين والمتعاملين في العملة. فلا يمكن اليورو أن تُستخدم على نطاق عالمي إلا إذا تمتعت منطقة اليورو باقتصاد مستقر واتبعت حكوماتُها سياساتٍ نقديةً وماليةً واضحة المعالم حتى يتمكن كل المشاركين في السوق من الاطمئنان إلى صواب هذه السياسات وصدقية منفذيها.

ويرى بعض الاقتصاديين أن مستقبل منطقة اليورو لا يبدو مشجعا لأنها مقبلة على اضطرابات اقتصادية واسعة خلال السنوات المقبلة باعتبار أن الوحدة النقدية سوف تضطر الشركات الأوروبية إلى إجراء عمليات اندماج مع بعضها البعض بعد أن تقوم الحكومات بتطبيق الإصلاحات الهيكلية لمواجهة البطالة العالية والمتزايدة. غير إن مثل هذه المشاكل سوف يحدث في أغلب الأحوال وأن الذي يمكن أن يخفف من تأثيراتها على اليورو هو الأداء الإجمالي للاقتصاد في المنطقة ككل وبقاء التضخم منخفضا ومدى التزام دول اليورو بشروط معاهدة الاتحاد النقدي حول التضخم والديون. هناك أيضا مشكلة التماسك بين الاقتصادات الأوروبية المختلفة وصعوبة تناغمها جميعا كاقتصاد واحد على الأمد القريب بالنظر لاختلاف اللغات والثقافات والعادات في الدول المكونة لمنطقة اليورو، لكن تصميم الجميع على إنجاح المشروع الوحدوي الأوروبي سوف يعزز الثقة فيه وبالتالي يساهم في دعم الاستقرار الاقتصادي في المنطقة.

3- استقلال البنك المركزي الأوروبي

إن تدخل السياسيين في شؤون السياسة النقدية غالبا ما يضعف الثقة في العملة لأن أهداف السياسيين عادة ما تكون قصيرة الأمد لأنها تسعى إلى تحقيق مكاسب انتخابية وقتية على حساب المصالح البعيدة الأمد. لذلك فإن استقلال البنك المركزي، الذي يعني أن سياسته توضع وتنفذ من قبل خبراء ماليين واقتصاديين لا يتأثرون بالاعتبارات السياسية، يعتبر في غاية الأهمية بالنسبة لقوة العملة. ومن هنا تأتي أهمية استقلالية البنك المركزي الأوروبي، التي تفوق، من الناحية النظرية على الأقل، استقلالية مجلس الاحتياط الفدرالي في الولايات المتحدة، في تعزيز قوة اليورو. فالبنك يتحكم بالسياسة النقدية لمنطقة اليورو، وكل القرارات الرئيسية يتخذها المجلس التنفيذي للبنك الذي يضم ستة أعضاء مستقلين إضافة إلى محافظي البنوك المركزية الوطنية للأعضاء الأحد عشر.

هناك أيضا الاتفاقية المسماة بـ “حزمة الاستقرار والنمو” المتفق عليها بين الدول الأعضاء التي تشترط الانضباط المالي في كل الظروف، ولابد أن تعزز هذه الاتفاقية من مصداقية السياسة النقدية. وتحظر شروط الاتفاقية ارتفاع عجز القطاع العام فوق 3% من الناتج المحلي الإجمالي، باستثناء فترات الكساد، وتفرض عقوبات على مخالفي هذه الشروط. لكن المشكلة تنشأ في حالة اضطرار الدول غير القادرة على الإيفاء بالمعايير إلى الخروج من اليورو، وسيشكل هذا انتكاسة خطيرة لليورو إذا ما حصل فعلا. وقد أشار الرئيس الجديد للمفوضية، رئيس الوزراء الإيطالي السابق رومانو برودي، والتي يبدو أنها زلة لسان، إلى احتمال انسحاب إيطاليا من اليورو إذا لم تتمكن من رفع تنافسيتها الاقتصادية.

وقد تسبب تصريح برودي هذا في خفض سعر اليورو على الفور رغم أن انسحاب إيطاليا يبدو مستبعدا لأن نتائجه ستكون وخيمة على مستقبل العملة الواحدة والاتحاد الأوروبي كله، بالإضافة إلى كونه غير ممكن حسب نصوص اتفاقية الاتحاد النقدي التي لم تُشَرِّع للانسحاب من اليورو. وبسبب الوضع الاقتصادي الخاص الذي تمر به إيطاليا فقد سمح لها وزراء المالية في منطقة اليورو في اجتماعهم الأخير بتجاوز الشروط التي فرضتها اتفاقية الاتحاد النقدي، مما يعني أن هناك متسعا للتساهل في هذه الشروط إذا تطلب الوضع ذلك.

إن قيام البنك المركزي الأوروبي باتخاذ موقف نقدي مستقل وصارم، بالإضافة إلى وجود نظام مالي مدروس سوف يقود حتما إلى انخفاض معدل التضخم، وتعزيز مصداقية السوق وتقوية العملة، ولابد أن يساعد ذلك على تعزيز القبول العالمي لليورو فيما يخص التجارة والتعاملات المالية. لم يسع البنك حتى الآن إلى التدخل في الأسواق لدعم اليورو، إلا مرة واحدة في حزيران الماضي بطلب من البنك المركزي الياباني، بل ترك تحديد سعرها إلى قوى السوق.

ولم يكن ذلك التدخل لدعم اليورو بقدر ما كان لخفض سعر الين الياباني. لكن حداثة عهد الأوروبيين باستقلال البنوك المركزية تجعلهم يتوقعون من البنك المركزي أن يخطط سياساته كي تتلاءم مع سياسات الحكومات الوطنية، وقد يحاولون الضغط عليه بهذا الاتجاه. ورغم أن البنك المركزي الأوروبي قد قام بتخفيض أسعار الفائدة، فإن حكومات الاتحاد الأوربي تواصل ضغوطها عليه كي يجري تخفيضات أخرى. مثل هذه الضغوط من السلطات السياسية قد تؤدي إلى خلق توترات في المستقبل يمكن أن تضعِف الثقة في اليورو في حالة اتساعها.

4- تكاليف التعاملات المالية  باليورو

كلما تقلصت تكاليف التعامل بالعملة في أسواق العملات الأجنبية وأسواق السندات، اتسع استخدامها عالميا. إلا أن تكاليف التعاملات هذه يقررها حجم وسيولة أسواق رأس المال. لذلك فإن اكتساب أية عملة دورا عالميا سيكون مرجحا إذا كانت المنطقة الاقتصادية المعنية تمتلك أسواقا رأسمالية كبيرة وتتمتع بالسيولة النقدية اللازمة.

لا تزال أسواق رأس المال الأوروبية أصغر بكثير من الأسواق الأمريكية وهي أيضا أكثر تباينا وأقل تماسكا حيث لم تتقارب إلا مؤخرا. لكنها مع ذلك حرة نسبيا ولا تخضع لأية قيود على حركة رؤوس الأموال وأسعار الصرف. إن حجم سوق السندات الأمريكية يبلغ تقريبا ضعف أسواق الاتحاد الأوربي مجتمعة. وبالنظر لتباين أسواق رأس المال والسندات في بلدان الاتحاد النقدي الأوروبي وتفرقها فإنها من المرجح أن تبقى متخلفة عن نظيراتها الأمريكية لعدة سنوات قادمة. لكنها تتجه نحو المزيد من التكامل وأن ذلك سوف يؤدي دون شك إلى انخفاض تكاليف التعامل باليورو ومن ثم اتساع حجم التعامل بها، وإذا ما انضمت بريطانيا، التي تتمتع بأسواق رأسمالية متطورة، إلى اليورو، فإن تكاليف التعاملات المالية ستنخفض بمرور الزمن لتقترب في النهاية من تكاليف التعامل بالدولار.

5- استخدام اليورو من قبل البنوك المركزية العالمية

كلما ازدادت سيولة اليورو وانخفضت تكاليف التعامل بها قياسا بالعملات الوطنية الأوروبية، ازدادت جاذبيتها بين للبنوك المركزية العالمية عند اختيارها لعملة الاحتياط التي يتم بها تقييم وإيداع احتياطات البنوك من العملات الأجنبية. وأهم اعتبار يدخل في اختيار عملة الاحتياط هو مدى فعاليتها وتأثيرها في التدخل في أسواق العملات الأجنبية، لذلك فإن انخفاض تكاليف اليورو ربما يساعد على اجتذاب البنوك المركزية للتعامل بها. في الوقت الحاضر هناك 57% من هذه الإحتياطيات مودعة بالدولار، و 15.9% بالمارك الألماني ، و 21.2 بالمئة في كل عملات الاتحاد الأوربي مجتمعة (بما فيها المارك الألماني)، و 7.5% بالين.

ومن المرجح أن يقوم العديد من البنوك المركزية في العالم بخفض احتياطاتها من العملات الأجنبية بالدولار والتحول إلى اليورو. فالبنوك المركزية تفضل تنويعا أكبر في مكونات مخزونها من العملات الأجنبية، لأن الاعتماد على عملة واحدة يؤدي إلى خسائر كبيرة عندما ينخفض سعر صرف تلك العملة، التي هي الدولار في معظم الأحوال، كما حصل في عام 1980. وقد أشارت بعض التقارير إلى أن بنك الصين المركزي يخطط لإجراء تعديل في مكونات احتياطاته من العملات الأجنبية، التي تفوق 140 بليون دولار حاليا، من خلال الاحتفاظ بالمزيد من اليورو على حساب حصة الدولار لترتفع حصتها في آخر المطاف إلى 30 %. ويشكل الدولار حاليا حوالي ثلثي هذه الإحتياطيات، بينما يشكل المارك الألماني 11%. وسوف تستفيد اليورو أيضا من تناقص دور الذهب في الاحتياطات المالية العالمية حيث ستعوض البنوك المركزية عن الذهب المُباع بعملات عالمية تأتي اليورو في مقدمتها.

إن البنوك المركزية العالمية ستحتاج إلى زيادة حصة اليورو في احتياطاتها إذا ازداد حجم التبادل التجاري لبلدانها مع منطقة اليورو لأن تلك البلدان تسعى لمعادلة نشاطات الاستيراد والتصدير لشركاتها المحلية مع القوة التجارية الكبيرة لشركات منطقة اليورو. أي أن التحول نحو استعمال اليورو في التجارة سوف يزيد من الحاجة إلى الاحتفاظ باحتياطات نقدية باليورو لدى البنوك المركزية. أما البلدان التي تتمتع بحصة تجارية متنامية مع بلدان اليورو فسوف تسعى حتما لرفع حصة اليورو في احتياطاتها من العملات الأجنبية لأنها ستحتاج إليها لدفع قيمة وارداتها من الاتحاد الأوروبي.

وفي الختام، فإن اليورو تمتلك مقومات القوة والهيمنة التي مر ذكرها، لكن قوتها وجاذبيتها، كما قال لورانس سمرز وزير الخزانة الأمريكي قبيل انطلاقها “سوف تعتمد في النهاية على العوامل نفسها التي رفعت قوة وجاذبية الدولار، ألا وهي كفاءة الأسواق المالية والصدقية البعيدة الأمد للسياسات الاقتصادية التي تعزز قوة العملة”.  وهذا يعني أن هيمنة الدولار كعملة احتياط عالمية وعملة للتجارة سوف تستمر على الأمدين القريب والمتوسط. لكن اليورو سوف تفرض نفسها كعملة عالمية قوية بمرور الزمن وسوف يكون ذلك دون شك على حساب الدولار.

ولا يستدعي أن يلحق انتشار اليورو ضررا بالاقتصاد الأمريكي الذي طالما تضرر من قوة الدولار التي تشجع الإقبال على الواردات لكونها رخيصة الثمن كنتيجة مباشرة لارتفاع سعره، على حساب المنتجات المحلية التي تصبح غير تنافسية محليا ودوليا. وقد اعترف بذلك ضمنيا السيد سمرز نفسه عندما قال “إن قوة الدولار كبيرة دون مبرر”. وإذا ما أصبحت هناك عملة موازية للدولار فإن سعر الدولار سيعكس فعلا حقيقة الوضع الاقتصادي الأمريكي، وهذه هي وظيفة كل العملات الأخرى في العالم باستثناء الدولار، الذي قد يرتفع أو ينخفض لأسباب لا تتعلق دائما بالاقتصاد الأمريكي مباشرة لأنه أصبح عملة عالمية تؤدي وظيفة الملاذ الآمن للأموال والثروات. لم يبدِ الأمريكيون أية مخاوف من مجيء اليورو والسبب في ذلك هو أنهم يعلمون بأنها إن لم تنفعهم فلن تضرهم. أما باقي دول العالم الأخرى فستجد في اليورو عملة بديلة تلجأ إليها عندالحاجة.

حميد الكفائي