مشكلات العراق ستتفاقم إن لم يتغير النظام السياسي

الحياة 30 سبتمبر 2018 

يبرهــن النظـــام الســياسي العراقي المعمول به حالياً، عدم جدواه مرة بعد أخرى، حتى أنه أصبح مدعاة للسخرية والتندر، فلا أحد يثق فيه أو يحترمه، حتى بين المشاركين فيه، وقد أصبح بقاؤه معيباً على دولة مثل العراق، تحتاج إلى حكومة قوية وحازمة.

فبعد مرور 140 يوماً تقريباً على إجراء الانتخابات، لم يتمكن العراقيون من انتخاب رئيس للجمهورية ولا رئيس للوزراء، بينما اختاروا شاباً رئيساً للبرلمان بطريقة يكتنفها شك وغموض. مثل هذا النظام الخاضع لاستغلال ذوي النفوذ وتدخل القوى الخارجية يحتاج إلى إصلاح عاجل، وعلى البرلمان المنتخب أن يعطي هذه المسألة أولوية في جدول أعماله، فاستمراره لن يكون في مصلحة أحد باعتباره قابلاً للاستغلال والتلاعب.
 
المادة 55 تنص على أن ينتخب مجلس النواب رئيساً له ونائبين في جلسته الأولى التي يجب أن يدعو إليها الرئيس المنتهية ولايته خلال 15 يوماً من مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج. لكن هذا الانتخاب لا يحصل في شكل تلقائي، بل تتداوله الكتل السياسية في ما بينها لفترة طويلة كي تتوصل إلى «توافق» حول رئيس البرلمان ونائبيه، وهذا التداول قد يستمر 9 أشهر كما حصل عام 2010. وبسبب التوقيتات الدستورية الصارمة، فإن الكتل السياسية تبقى تتفاوض في ما بينها على توزيع المناصب والحصص الحكومية قبل مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج لأن الوقت سيكون شحيحاً بعد هذا الإجراء. وقد أصبح من أعراف النظام السياسي العراقي أن يكون رئيس البرلمان من العرب السنّة، وعلى رغم الاستنكار اللفظي للتخصيص الطائفي للمنصب، إلا أن الجميع إنساقوا وراء هذا التقليد، فلا يرشح أحد نفسه لرئاسة البرلمان إن لم يكن سنياً.
 
 
أما المادة 70 من الدستور فتنص على أن ينتخب مجلس النواب خلال 30 يوماً من أول انعقاد له رئيساً للجمهورية بغالبية ثلثي الأعضاء، ثم بالغالبية البسيطة إن لم يتحقق نصاب الثلثين. لكن انتخاب رئيس الجمهورية يخضع هو الآخر للتوافقات السياسية والطائفية والقومية وتجري مداولات مطولة بين الكتل من أجل اختيار الرئيس. وقد جرت العادة على أن يكون كردياً، وعلى رغم أن الدستور لم ينص على ذلك، وليس هناك دستور محترم في العالم يشترط مثل هذا الشرط، ولكن لا يرشح أي شخص جدي نفسه للرئاسة إن لم يكن كردياً ينتمي إلى أحد الحزبين الرئيسيين، علماً أن هناك الآن أحزاباً أخرى مهمة مثل حركة التغيير والاتحاد الإسلامي وحراك الجيل الجديد. وبسبب الخلاف بين الحزبين الكرديين التاريخيين، يكتي وبارتي، فإنهما قدما مرشحين مختلفين لمنصب رئيس الجمهورية وليس مرشحاً موحداً كما فعلا سابقاً. وكان الاتفاق بينهما أن يكون منصب رئيس الجمهورية من حصة «يكتي»، ورئيس الإقليم من حصة «بارتي»، لكن إلغاء منصب رئيس الإقليم قد أخل بهذا الاتفاق. الموعد الدستوري الأخير لانتخاب الرئيس هو الثالث من الشهر المقبل، وفي حال عدم اتفاق الحزبين على مرشح واحد، فإن البرلمان سيحسم المنصب عبر التصويت السري. لكن هذه الطريقة قد تنتج مفاجآت، فهناك الآن مرشحة للمنصب، هي النائب السابق سروة عبدالواحد التي تتمتع بشعبية واسعة في العراق بسبب موقفها المناهض لانفصال كردستان الذي تبناه المرشحان الآخران، فؤاد حسين وبرهم صالح.
 
وبعد اختيار الرئيس، يأتي تطبيق المادة 76 أولاً، التي تنص على أن يكلِّف رئيس الجمهورية الجديد مرشح الكتلة الأكثر عدداً، تشكيل الحكومة، وقد جرت العادة على أن يكون رئيس الوزراء شيعياً. والكتلة الأكثر عدداً هي الكتلة التي تبرز بعد المصادقة على نتائج الانتخابات وتعلن عن نفسها في جلسة البرلمان الأولى. لكن ما عقّد هذا النظام المعقد أصلاً هو تفسير المحكمة الاتحادية لعام 2010، الذي يُعتقد بأنه حصل بضغط من رئيس الوزراء آنذاك، نوري المالكي، الذي أراد أن يبقى في السلطة على رغم أن قائمته لم تكن الأكثر عدداً، ما أجاز تشكيل الكتلة الأكثر عدداً بعد إعلان النتائج، ما يعني أن مفاوضاتٍ لها أول وليس لها آخر سوف تتواصل لفترة غير محددة للتوصل إلى اتفاق حول تشكيل الحكومة. وحتى الآن، لم يتمكن العراقيون من تشكيل حكومة من دون «إقناع» من دول أخرى.
 
غير أن هذه «الفتوى» القضائية ليست عملية، ولم تكن مقصودة أصلاً في النص الدستوري، بل أصبحت عائقاً أمام تطبيق النظام الديموقراطي الذي يلهج بذكره السياسيون، بينما لم يعد معظم أفراد الشعب العراقي يثق فيه لأنه لم يجلب عليهم غير الفساد والبطالة وشح الخدمات وتدهور الأمن وتدخل الدول الأخرى وهيمنة الميليشيات المسلحة وقادتها الذين «فازوا» في الانتخابات ويتوقعون أن يقودوا العراق نحو «بر الأمان».
 
لا شك في أن النظام البرلماني هو الأفضل للعراق لأنه يعكس تلاوين المجتمع العراقي ويضمن تمثيلاً لكل المكونات، وهو النظام السائد في العالم، إلا أن التشرذم السياسي غير السائد في معظم البلدان الديموقراطية في العالم، قد جعل منه نظاماً مستحيلاً وغير عملي، ما يستدعي تعديل الدستور وإدخال ضوابط تمنع حصول مثل هذه الفوضى. لكن التعديل يتطلب توافقاً بين العرب والكرد وباقي المكونات لأن المادة 142 – رابعاً تشترط عدم معارضة الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر لأي تعديل دستوري، ما يعني أن هناك فيتو كردياً سيعيق أي تعديل محتمل يعارضه الأكراد.
 
وتتعارض المادة 142 – رابعاً تعارضاً صارخاً مع مبادئ الديموقراطية المنصوص عليها في المادة الثانية – أولاً – ب من الدستور نفسه، وليس هناك أي مخرج من هذا المأزق إلا عبر تفسير جديد تصدره المحكمة الاتحادية، وهي الهيئة الوحيدة التي يحق لها تفسير مواد الدستور. ويمكن المحكمة الاتحادية أن تعتبر المادة 142 – رابعاً باطلة لأنها تتعارض مع نص دستوري سابق لها هو المادة الثانية – أولاً – ب. وفي ظل غياب توفر الإرادة السياسية لإجراء إصلاح حقيقي، فإن الدستور سيبقى عائقاً أمام أي تقدم يمكن أن يحققه النظام الحالي، سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي أو الإداري، وقد تكون المحكمة الاتحادية الملاذ الأخير لتعديل الدستور ووضع البلد على سكة جديدة تقوده إلى الاستقرار.

حميد الكفائي 

 https://goo.gl/nAs9ao