حكومة المالكي الثانية: هل هي طبخة لتجنب الصراع أم لمزيد منه؟
الحياة اللندنية
الاربعاء, 05 يناير 2011
من السمات البارزة لحكومة المالكي الجديدة هي أنها ارتكزت على أساس تطمين القوى السياسية المشاركة بأن ما حدث سابقاً من تهميش وملاحقة وإقصاء للخصوم لن يتكرر في المستقبل، لهذا اضطر المالكي لزيادة عدد الوزراء من 37 إلى 42 وزيراً، وهو ضِعف عدد الوزراء في الصين ذات المليار ومئتي مليون إنسان، وزيادة عدد نواب رئيس الوزراء والجمهورية. إن كانت الحكومة السابقة مترهلة، فماذا نسمي الوزارة الجديدة؟ متمددة؟ متهالكة؟ أم ضرورية لتجنب الصراع على السلطة؟ أم طبخة لمزيد من الصراع؟
كان على المالكي أن يسعى لتشكيل حكومة متوازنة لكن فعالة للنهوض بأعباء الحكم والتخلص من تبعات الماضي، وليس إرضاء طموحات بعض العاملين في السياسة. هناك الآلاف ممن يعتقدون أنهم أهل للوزارة والمسؤولية والزعامة، إما لأنهم عارضوا النظام السابق، وهم بذلك يمتلكون «الشرعية النضالية»، خصوصاً بين من دخلوا السجن، أو لأنهم يحملون شهادات عليا وهذه تضفي عليهم «الشرعية المعرفية»، أو لأنهم «شيوخ عشائر» أو «رجال دين» وبذلك يمتلكون «الشرعية التأريخية» أو «الدينية» أو أنهم نصبوا أنفسهم زعماء لقوميات أو طوائف أو طرائق أو مناطق ليطالبوا بحصة في الحكومة. المهم هو الدخول في الحكومة على أي أساس، حتى لو كان بالاسم فقط. لكن ما شجع على تنامي هذه الظاهرة هو وصول أشخاص لمواقع المسؤولية لم يكونوا أهلاً لها ولا يستحقونها أصلاً، ما حفز غيرهم على إطلاق العنان لطموحاتهم.

السبب الثاني هو المنفعة المادية والمعنوية الكبيرة التي يكسبها الشخص لمجرد أنه أصبح وزيراً أو مسؤولاً أو حتى مستشاراً أو مديراً. فالمرتب الكبير والمنزلة الاجتماعية والمخصصات العالية تغري كثيرين بالسعي الحثيث إلى المنصب وبشتى الطرق. أما المرتب التقاعدي فهو مغرٍ جداً، إذ يعادل 80 في المئة من المرتب الأخير، وهو يمنح لكل من عمل في الدولة بدرجة مستشار فما فوق حتى لأسبوع واحد. وما أكثر المتقاعدين الـشباب هذه الأيام ممن عملوا لفترة قصيرة كنواب أو أعضاء مجالـس مـحـافظات أو مـساعدين أو «مستشارين» لهذا المسؤول أو ذاك. يضاف إلى ذلك متقاعدو الاجتثاث وهم عشرات الآلاف. لقد حوَّل قانون التقاعد الحالي العراق إلى دولة متقاعدين شباب، وهو بالتأكيد سيلحِق إضراراً اقتصادية هائلة بالبلد لسببين.

الأول أنه يجمّد طاقات وخبرات أشخاص قادرين على العمل، وثانياً أنه يلزم الدولة بالإنفاق على أشخاص كان يمكن أن يكونوا منتجين ودافعي ضرائب. كما تدفع الدولة مرتبات أفراد حماية المسؤولين المتقاعدين الذين تصل أعدادهم إلى عشرات أو مئات الأشخاص، اعتماداً على درجة المتقاعد الوظيفية، بالإضافة إلى نفقات السكن والنقل وإدارة المكاتب. وقد أسرّني أحد المشاركين بالحكومة أن عدد أفراد حماية مسؤول سابق قد بلغ 800 شخص! وكلها تدفع من خزينة الدولة بينما يعيش هو في المنطقة الخضراء المحصنة!

السمة الأخرى للحكومة هي تقلص تمثيل المرأة، التي شغلت خُمس الوزارات سابقاً، رغم ازدياد عدد الوزارات. وقد رفضت النائب فيان دخيل سعيد تولي وزارة شؤون المرأة احتجاجاً على غياب المرأة عن الحكومة وهي تستحق التحية على هذا الموقف المبدئي النادر في عراق اليوم. المالكي أنحى باللائمة على الكتل السياسية التي لم تقدم مرشحات للوزارة، لكنه اعترف أن إحدى القوائم قدمت له مرشحة لكنه رفضها. وليس سراً أن تلك القائمة هي العراقية، والمرشحة هي ميسون الدملوجي، والوزارة هي الثقافة. فلماذا رفض المالكي تولي الدملوجي وزارة الثقافة يا ترى؟ هل لنقص في خبرتها؟ بالتأكيد لا، لأنها عملت وكيلاً أقدم لوزارة الثقافة بين 2003 و2006، وبحسب الذين عملوا معها فإنها كانت من أكفأ وكلاء الوزارات. هل لنقص في المهارات السياسية لديها؟ كلا، فالدملوجي ناشطة نسوية وسياسية معروفة متفرغة كلياً للعمل الثقافي والسياسي وتترأس تحرير مجلة «نون» التي تُعنى بشؤون المرأة، وهي الناطق الرسمي للقائمة العراقية ونائب في البرلمان لأربع سنوات. هل لنقص في المؤهلات العلمية؟ أبداً، لأنها تحمل شهادتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة المعمارية من جامعة لندن، إضافة إلى عضوية جمعيات مهنية مرموقة. هل لأنها جديدة على العمل السياسي؟ طبعاً لا، فهي من عائلة معروفة بعطائها العلمي والسياسي للعراق، فعمها، عبد الله الدملوجي، مؤسس الديبلوماسية العراقية وأول وزير للخارجية، وأبواها، الدكتوران سالم الدملوجي ولمعان أمين زكي، أستاذان في جامعة بغداد وقد تخرج على أيديهما مئات الأطباء العراقيين. والأهم من ذلك أنها تتمتع بشعبية واسعة في الوسط الثقافي والسياسي. رفض المالكي توزيرها لا علاقة له إذن بنقص الخبرة والكفاءة، اللتين يلهج بهما دائماً. قد يكون بسبب كونها امرأة علمانية وتمتلك مقومات النجاح الذي سيحسب لمصلحة خصومه السياسيين، أو أنه استجابة لمشورة أحد مستشاريه ممن لا يريدون تغييراً حقيقياً في وزارة الثقافة. موقف المالكي هذا أضر به سياسياً إذ وضعه في صراع مباشر مع الحركة النسوية والوسط الثقافي، لكنه لا يبدو مهتماً للرأي الآخر.

برنامج حكومة المالكي ذو الـ 43 نقطة لم يضم نقطة محددة واحدة، بل تحدث عن «انخفاض كبير» في معدل التضخم و»ارتفاع كبير» في قيمة الدينار! وعن دعم الاقتصاد والإعلام والمرأة وتحسين الخدمات والمستوى المعيشي والأمن دون ذكر أرقام أو أفكار محددة. إن كان رئيس الوزراء لا يعرف كم انخفض معدل التضخم في عهده وكم ازدادت قيمة عملته الوطنية بعد خمس سنوات في السلطة، فمن الذي يعرف يا ترى؟ لم يُشر برنامج المالكي إلى مسألة التضييق على الحريات التي يمارسها أعضاء حزبه في مجالس المحافظات، ولم يعِد بوقف نشاطات هؤلاء المخالفة للقانون والدستور والتي تنطلق من قناعاتهم الدينية المضرة بمصالح البلاد والعباد والتي لا تحترم خيارات الناس الحياتية. هل سيحاول شركاء المالكي معالجة هذا الموضوع؟ وهل هم قادرون على ذلك؟ بل هل أن مسألة الحريات العامة والشخصية مسألة تهم القوى السياسية الحالية؟ أسئلة لم يقدم أحد منهم إجابات عليها.

من نقاط القوة في حكومة المالكي الجديدة أنها ضمت شخصيات سياسية مهمة وهؤلاء سيساهمون في إنجاح الحكومة لما يمتلكونه من خبرة سياسية وكفاءة مهنية، ولكن إذا اقتنعوا فعلاً بصحة مسارها وآمنوا بصدق توجهاتها. كثيرون كانوا يتمنون أن يروا تغييراً في كثير من الوجوه والمواقع، لكن ذلك لم يحدث إلا قليلاً. الثقافة السياسية السائدة في العراق هي التشبث بالمواقع والعض عليها بالنواجذ، باعتبارها مكاسب شخصية، لكن التجديد سيبقى مطلباً شعبياً أساسياً في كل المواقع، سياسية كانت أم ثقافية أم اقتصادية.