التعصب القومي أضاع فرصة توديع الرئيس طالباني وطنيا
8/10/2017

كان يفترض أن يُشيع جثمان الرئيس جلال طالباني في بغداد وأن يكون التشييع مناسبة عالمية يحضرها زعماء دول كثيرة، كما حصل في تشييع كثير من زعماء العالم، وعندها كان سيفخر الكرد بأن رجلا كرديا بلغ هذه الأهمية العالمية واصبح رئيسا لدولة معظم سكانها ليسوا من الأكراد بل من العرب…

إلا أن التعصب القومي لبعض القادة الكرد جعلهم يفوّتون هذه الفرصة النادرة التي لن تتكرر، ويشيعونه محليا في السليمانية ويوشحون جثمانه ليس بعلم الدولة التي كان رئيسا لها، بل بعلم محلي يمثل جزءا صغيرا من تلك الدولة.لقد أضر الأكراد بأنفسهم وقضيتهم كثيرا عندما شيّعوا طالباني كزعيم كردي محلي…

                                                 (الصورة): الرئيس جلال طالباني أثناء زيارته لمقر بي بي سي في بوش هاوس، صيف عام 2002.
 من يمين الصورة: حميد الكفائي، الصحفي في بي بي سي، باقر معين، رئيس القسم الفارسي في بي بي سي، الرئيس جلال طالباني، غيمون ماكليلان، رئيس القسم العربي في بي بي سي، حسن أبو العلا، مدير العلاقات الدولية في القسم العربي في بي بي سي، والرئيس فؤاد معصوم، الذي خلف طالباني في رئاسة العراق.

كما أضاعوا فرصة الاحتفاء بحياة زعيم كردي كزعيم لدولة غير كردية (دولة ذات غالبية عربية) وهذه فرصة نادرة في التأريخ… حجّموا طالباني وصغروه، بدلا من أن يفخروا بإنجازاته كزعيم عراقي وعالمي! من الطبيعي جدا ان يُُحتفى به كزعيم كردي كباقي الزعماء الأكراد المحليين، ولكن من الاستثنائي والنادر أن يُحتفى بكردي كزعيم دولة كبيرة غير كردية مثل العراق… كان بالإمكان أن يُصبح تشييع جثمان الرئيس طالباني مناسبة عالمية تشارك فيها شخصيات دولية، لكنهم أضاعوا الفرصة، وأي فرصة أضاعوا!

 التعصب لم ينفع أحدا عبر التأريخ فلماذا يتمسك به البعض؟ والكراهية تألب العالم ضد من يشعربها، وهذا ما حصل للقضية الكردية خلال السنوات الماضية بسبب اعتماد من تصدى للقيادة على الكراهية طريقا لتقرير المصير بدلا من الوئام والانسجام والتعاون. 

البعض يقول إن القادة الأكراد لم يقدروا حجم الاستياء الذي سيتركه مثل هذا الإجراء الذي اتخذوه في تشييع جنازة الرئيس طالباني! هذا ليس صحيحا في رأيي، وهو ربما ينطلق من حسن الظن أكثر من الواقع… إن كانوا فعلا لم يقدروا حجم الفرصة الضائعة فهم بسطاء جدا، وأنا لا ارجح هذا…

اعداء الكرد فرحوا أن طالباني شُيّع كزعيم كردي وليس كرئيس عراقي لتسع سنوات… الخاسرون هم الأكراد بالدرجة الأولى، أما باقي العراقيين فكانوا سيستفيدون أيضا من هذه المناسبة لو تحولت إلى مناسبة عالمية لأنها كانت ستعبر عن التآلف القومي والطائفي والتماسك الوطني في العراق…

لقد كانت فرصة ضائعة أخرى وما اكثر الفرص الضائعة في العراق هذه الأيام بسبب سوء الإدارة والتصرف الذي (يتحلى) به القادة… اعتقد بأن هذا التشييع بالطريقة التي حصل فيها كان مخططا له…  

 الحقيقة أن طالباني شخصية سياسية كبيرة رغم الكثير من المؤاخذات على سجله في الحكومة والمعارضة، فليس هناك (معصوم) عن الخطأ. لكنه كان رجلا متمكنا جدا وقد صنع مجده بنفسه ولم يرث الزعامة عن ابيه. مثل هذا التفكير لا يصنع دولا قوية والزعامات الناجحة هي التي تعتمد على قدرات الأفراد الخلاقة ومبادئهم السامية وأفكارهم البناءة، وليس بالضرورة على الفرصة التي تتاح لهم بحكم صدفة الولادة…

العلم والزعامة والصفات والمهارات القيادية لا تُورَّث بل تُكتَسب. الكرد شعب عريق ولديه طاقات كبيرة ويمكنه أن يقيم دولة مسالمة ومنتجة ونافعة ولكن يحتاج إلى القيادة الفذة التي ستوصله إلى هذا الهدف، علما أن إنشاء الدولة لم يعد الطريقة المثلى لخدمة الشعوب، بل صار الانضمام إلى تجمعات دولية قوية اقتصاديا وعسكريا هو العامل الذي يحفظ للشعوب مصالحها وحرياتها وثقافاتها وهذا هو التوجه السائد في العالم منذ نهاية القرن الماضي…

الدولة الكردية، إن قامت في الوقت الحاضر، فإنها لن تخدم الكرد بل تخدم أشخاصا وعائلات معينة لأنها ستحولهم إلى زعماء فوق القانون والمحاسبة، لكنها، مع ذلك، تبقى حقا للكرد شريطة توفر المقوِّمات المطلوبة، وعدم وجود معوِّقات تجعل منها وبالا على أهلها. أنا شخصيا أؤيد منذ زمن بعيد قيام دولة كردية مستقلة، تخدم الشعب الكردي وتحقق أهدافه وطموحاته القومية، وأعتبر ذلك في مصلحة الدولة العراقية، التي تضررت كثيرا وتزعزع استقرارها وأمنها وقتل أبناؤها، من الكرد والعرب، منذ التأسيس، بسبب عدم حصول الكرد على حقوقهم القومية…