فاضل البيضاني-البينة:
كان لجريدة البينة لقاء مع الناطق الرسمي لمجلس الحكم والحكومة في الدولة العراقية بعد سقوط النظام الدكتاتوري وقد اجرت هذا الحوار الصريح لتضعه بين يدي قرائها الاعزاء..

* السيد حميد الكفائي كنت الناطق الرسمي الاول لمجلس الحكم والحكومة في الدولة العراقية بعد التغيير ما الذي دعاك لأن تحمل حقائبك وترحل بعد انقضاء فترة مجلس الحكم؟

ـ في الحقيقة انا غادرت العراق في منتصف عام 2006 اي بعد سنتين تماما بعد انقضاء فترة مجلس الحكم وقد عملت في تلك الفترة مستشارا للثقافة والاعلام ومديرا عاما للعلاقات العامة في مجلس الوزراء وشاركت في الانتخابات الاولى والثانية كرئيس لقائمة انتخابية هي قامة حركة المجتمع الديمقراطي لكن القائمة لم تفز بسبب التخندق الطائفي الذي فرضه الخطاب الديني والطائفي لبعض الاحزاب الامر الذي قلص من مساحة التحرك بالنسبة للاحزاب العلمانية. وعندما شكلت الاحزاب الدينية الحكومة بعد الانتخابات الاولى والثانية شعرت انه لم يعد هناك ما استطيع عمله لتنمية الديمقراطية الا القليل فقدمت استقالتي من منصبي في الحكومة ورئاسة حركة المجتمع الديمقراطي وغادرت العراق لمتابعة شؤوني الشخصية.

* سمعنا انك غادرت بسبب تعرضك لمضايقات من الحكومة آنذاك؟

ـ هذا صحيح لكنه لم يكن السبب الوحيد رغم انه المحفز الاول الذي اقنعني بأننا في العراق نحتاج لعقود من الزمن وضمانات كثيرة لترسيخ قيم الديمقراطية وحقوق الانسان واحترام الرأي الاخر.
* ما طبيعة تلك الضغوط؟

ـ هذا الامر يثير في نفسي شجونا كثيرة وحزنا عميقا لانه مثّل صدمة كبرى لي اذ لم اتوقع ان يقدم بعض الاشخاص الذين كانوا اصدقاء مقربين لي في فترة المعارضة على القيام بتلك الاعمال الصغيرة جدا بهدف التضييق عليّ وحملي على المغادرة.

* سمعنا انهم سلبوك حتى الشقة التي كنت تسكن فيها والغوا باجاتك وباجات مرافقيك مما جعلك حبيس دارك في تلك الفترة (المضطربة امنيا) فهل هذا صحيح؟

ـ نعم صحيح بل مافعلوه هو ادنى واصغر من ذلك لكن بعضهم افتضح امام الجميع وعوقب مرتين في الانتخابات الماضية عندما خرجوا من السلطة وانكشفت كل اوراقهم امام الشعب ولم تبق لهم الانتخابات الاخيرة الا القليل. لذا ارجو ان نتجاوز هذه المسألة ونتحدث عن المستقبل نحن ابناء اليوم وانا بطبيعتي انسى الاساءة واتذكر الاحسان والفضل.

* طيب كنت في طليعة القوى السياسية المناهضة للدكتاتورية والمطالبة بالنظام الديمقراطي هل تبين لنا سبب عدم استمرارك في العمل السياسي بعد التغيير؟

ـ نعم انا انضممت للمعارضة العراقية حال وصولي الى لندن عام 1981 وكنا في البداية حركة احتجاج على الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان التي مارسها النظام السابق في العراق وكانت مهمتنا الاساسية فضح هذه الانتهاكات معتمدين على جهودنا الشخصية المتواضعة جدا حيث اقصرت على النشاط الاعلامي والتفاعل مع منظمات حقوق الانسان الدولية والمجموعات السياسية المتعاطفة معنا. كنا نريد لهذه الانتهاكات ان تتوقف اولا وكذلك كنا نريد للحرب مع ايران ان تتوقف لانها كانت تحصد حياة الشباب وتقتل الامل في التنمية والتطور لكن انتهاكات حقوق الانسان والحروب الداخلية والخارجية تواصلت وتفاقمت مما وضع علينا مسؤوليات واعباء ثقيلة اخرى كثيرة لكن ذلك قد وسع في الوقت نفسه من قاعدة المعارضة العراقية ودائرة المتعاطفين مع الشعب العراقي وفي نهاية المطاف وبعد ان دفع العراق وشعبه ثمنا باهظا جاء التغيير على ايدي القوات الامريكية اذ لم نتمكن من تحقيق التغيير بسبب قسوة النظام واعتماده اساليب قمعية ومخابراتية رهيبة ولجوئه الى استخدام كافة الاسلحة ضد معارضيه. كنا نأمل ان يتوحد العراقيون بعد كل تلك المصائب ليقيموا نظاما منصفا وعادلا يخدم الانسان ويسعى لتحقيق الحياة العصرية الكريمة. لكن ذلك لم يتحقق للاسف الشديد.

* وما سبب ذلك في رأيك؟

ـ اعتقد ان قادة العراق الجدد لم يتمكنوا من التسامي فوق الجراح العميقة التي خلفها نظام صدام وفشلوا في طي صفحة الماضي وبدء صفحة جديدة تقوم على احترام الانسان في العراق دون النظر الى مذهبه ودينه وعرقه ومنطقتهن بل ظلوا اسرى للانقسامات الطائفية والعرقية والمناطقية التي خلفتها الدكتاتورية وهنا مأساة حقيقية. فلكي يتمكن العراق من النهوض يجب ان يدرك الساسة تماما ان العراق لكل ابنائه وليس من العدل استهداف المعارضين ان كانوا مستعدين للعيش بسلام مع الاخرين.

* لم تجب على السؤال بخصوص اسباب عدم استمرارك شخصيا في العمل السياسي خصوصا وانك من اوائل الداعين الى النظام العلماني وفصل الدين عن السياسة وهذه الدعوة انتشرت الان فلماذا تتخلى عن العمل السياسي في وقت تبنى كثيرون ماكنت تدعو له انت سابقا؟

ـ انا سعيد ان معظم العراقيين ادرك ان الدين هو قيمة روحية عليا يجب ان تبقى خارج المنافسات السياسية كي تبقى قيمة مقدسة. لرجال الدين دور مهم في تنمية القيم الروحية والاخلاقية في المجتمع وعليهم ان يضطلعوا بهذا الدور الذي لا يستطيع احد ان يؤديه غيرهم اما السياسة فهي شأن اخر ويجب ان تترك للمتخصصين والمتصدين الذين لا يحملون اي قدسية فعندما يخطئون تحاسبهم الناس وتنتقدهم بشدة وتلقي بهم خارج السلطة بل وفي السجن ان ارتكبوا مخالفات مقصودة اما اذا تصدى رجال الدين للعمل السياسي فانهم سوف يساهمون في اضعاف دورهم الاساسي في المجتمع وزعزعة قدسيتهم وقد يساهم ذلك في ابتعاد الناس عن الدين. اما لماذا لم اواصل العمل السياسي فأن هناك اسباب تتعلق بحياتي الشخصية وظروفي العائلية التي حتمت عليّ البقاء مع العائلة واخرى موضوعية تتعلق بتمويل العمل السياسي. فأنا ارفض التمويل الاجنبي للعمل السياسي واصر على ان يكون التمويل ذاتيا لكن المشكلة ان فكرة التمويل الذاتي للعمل السياسي لم تترسخ بعد وان وجد فأنه لا يكفي لتمويل حملة انتخابية قادرة على الوصول الى الناخبين او القيام بأبحاث علمية رصينة لتقييم اوضاع المجتمع الاقتصادية والخدمية ووضع الحلول الناجعة لمشاكله. اما التمويل الاجنبي فهو تمويل غامض ويفوق التمويل الذاتي آلاف المرات لذلك اصبح مستحيلا ان تمارس العمل السياسي دون الاعتماد عليه وهذا ما ارفضه كليا.

* وهل ستعود للعمل السياسي ان توفرت الظروف الملائمة؟

ـ
سأعود للخدمة وليس بالضرورة الى العمل السياسي ان رأيت هناك حاجة للعودة وان هناك امكانية المساهمة في خدمة العراق.

* هل ترى احالتك على التقاعد هي احالة على التقاعد السياسي؟ ـ
انا لم احل على التقاعد بل قدمت استقالة رسمية من منصبي وهناك فرق شاسع بين الاثنين.

* ما هو راتبك التقاعدي؟
ـ انا لا اتقاضى راتبا تقاعديا بل ارفض التقاعد عن العمل مبكرا دون اسباب موجبة واعارض قانون التقاعد الحالي الذي حول الكفاءات العراقية الشابة الى مجموعة متقاعدين يشكلون عبئا على خزينة الدولة بدل ان يكونوا مساهمين بقوة في بناء العراق ورفد حركة التغيير فيه.

* كيف ذلك وكل المسؤولين السابقين يتقاضون رواتب تقاعدية مجزية تعادل 80% من رواتبهم؟
ـ ربما انا الوحيد الذي حرم من الراتب التقاعدي لاسباب سياسية فقد حذف منصبي من القانون رقم 9 لعام 2004 عن قصد كما حذف اسمي من قائمة المستفيدين من قطع الاراضي التي تمنحها الدولة لكبار المسؤولين والموظفين في مجلس الوزراء. في تجاوز صارخ على القانون وكان ذلك جزء من حملة التضييق عليّ وعلى باقي المستقلين كي يتركوا الساحة للاحزاب الحالية المتنفذة.

* لماذا تسكت على كل هذه التجاوزات على حقوقك؟
ـ حاولت ان ارتقي فوق المسائل الشخصية في وقت يتعرض فيه العراق الى حملة ارهابية شرسة تستهدف هدم كيان الدولة والمجتمع مع ذلك سوف يأتي اليوم الذي يحاسب فيه المذنبون والمقصرون والمتجاوزون على حقوق الناس جميعا وليس على حقوق حميد الكفائي فقط وسوف يفتضح امرهم وينالون جزاءهم كما حصل لمن سبقهم.. فالايام دول.

* برأيك ما الطريق للخروج من الازمة الحكومية الحالية؟

ـ الحل الوحيد هو الانصياع لارادة الناخب العراقي وتكليف القائمة الاكبر وهي القائمة (العراقية) دون ادنى شك حتى بعد اعادة العد والفرز الذي طالبت به قوائم اخرى بتشكيل الحكومة. بالطبع القائمة العراقية لا تستطيع ان تشكل الحكومة بمفردها لذلك فأن الافضل بالنسبة للعراقية هو ان تأتلف مع الائتلاف الوطني والقوى الكردية بينما تبقى قائمة دولة القانون في المعارضة فهنالك دور مهم تلعبه المعارضة لا يقل اهمية عن دور الحكومة. ولكن للاسف ان هذا الدور لا يقيم لدى القوى السياسية في الوقت الحاضر.

* هل انت جزء من القائمة العراقية فأن جوابك يشبه مقالتك الاخيرة التي تميل الى تأييد هذه القائمة؟

ـ ابدا لست جزءا من اي قائمة او مجموعة سياسية اخرى بل اتمتع بعلاقات جيدة مع جميع الكتل السياسية ولدي اصدقاء كثيرون في دولة القانون والائتلاف الوطني والتحالف الكردستاني اكثر من القائمة العراقية لكن هذا لا يمنعني من التصريح برأيي. انا اعتقد انه يجب ان تمنح القائمة العراقية الفرصة الان في تشكيل الحكومة لانها القائمة الفائزة وهذا اهم واوضح بديهية في النظام الديمقراطي.

* اين حميد الكفائي الان؟

ـ عدنا الى حميد الكفائي!! انا اعيش مع عائلتي في لندن حاليا رغم انني اسافر كثيرا بسبب عملي في الادارة والتدريب الاعلامي ولطالما اجبت بنصف جدية على هذا السؤال (انني اعيش في الطائرة)! لكثرة سفري فقد قضيت العام الماضي كله في السودان وكانت تجربة ممتعة ومفيدة بينما قضيت العام الذي سبقه متنقلا بين عدة دول والعام الذي سبقه كان في امريكا وكانت ايضا تجربة مفيدة رغم انها لم تكن ممتعة! كذلك اواصل الكتابة اسبوعيا في جريدة (الحياة اللندنية) في الشأن العراقي ولدي اعمال ثقافية وادبية ستجد طريقها الى النشر في الوقت المناسب.

* السؤال الاخير: ما الذي حصل عليه الكفائي من عمله الحكومي؟

ـ الحمد لله انه السؤال الاخير!! ان اردت الحقيقة فأنني تضررت كثيرا من عملي في المعارضة ومجلس الحكم والحكومة العراقية والعمل السياسي عموما. فقد غادرت حياة مستقرة وعملا مهنيا ثابتا في الـ بي بي سي في لندن وجئت الى بيئة غير مستقرة وغير آمنة وتعرضت الى محاولات اغتيال في الاعوام 2003 و2004 و2005 بسب موقعي في الدولة وظهوري المتكرر في وسائل الاعلام وقد علق احد الاصدقاء قائلا (بأن اهم انجاز حققته في العراق هو البقاء على قيد الحياة)!!!. انا لم احصل على اي مكسب مادي من عملي في الدولة العراقية بل كنت انفق من مدخراتي الشخصية واحيانا اقترض كي امول بقائي في العراق وبقاء عائلتي في لندن مع ذلك فانني لست آسفا على قيامي بما اعتبرته واجبا تجاه بلدي وآمل الا اقصر في المستقبل ان سنحت لي فرصة الخدمة مرة اخرى . انا لست باحثا عن مال كي اجده في منصب حكومي ولست باحثا عن شهرة مجانية فكل الذي ابحث عنه هو دور يرضي ضميري. وهذا يحل عندما اساهم بشكل بناء في خدمة العراق في المجالات التي اجيدها واكتسبت خبرة معمقة فيها كالاعلام والادارة والعلاقات العامة والابحاث الاقتصادية.

* هل هناك كلمة اخيرة يود الكفائي ان يقولها؟

ـ نعم بصراحة انا فوجئت بحيادية وشجاعة صحيفتكم فقد كنت اظنها من الصحف المؤدلجة التي لا تتحمل الرأي الاخر! الحمد لله ان نهجكم هذا يبشر بخير ويؤسس لصحافة حية يمكن لها ان تسهم بشكل فاعل في اعادة صياغة انتاج الدولة والمجتمع.
http://www.al-bayyna.com/modules.php?name=News&file=article&sid=34963