إجراءات التقشف تفاقم الأزمة الاقتصادية

الهدى-كانون الثاني ٢٠١٦ 

الإجراءات التشقفية التي تجريها الحكومة حاليا ليست كلها ضرورية والكثير منها لا يساعد على تنشيط الاقتصاد بل إن تأثيراتها البعيدة الأمد قد تقود إلى مزيد من الكساد وربما إلى الانكماش الذي هو أسوأ أنواع التراجع الاقتصادي.

عندما يتباطأ النمو أو يتراجع فإن الحكومات في العادة تسعى لإبقاء الاقتصاد نشيطا ومتفاعلا عبر إجراءات مدروسة تساعد على إنعاشه، وهذه الإجراءات قد تتضمن زيادة الرواتب المتدنية كي ترفع من القدرة الشرائية للفقراء وهم الغالبية في المجتمع. وعندما ترتفع قدرات الفقراء الشرائية فإنهم سيرفعون من إنفاقهم الاستهلاكي مما يساعد على انتعاش التجارة والصناعة والزراعة والخدمات مرة واحدة.

ولكن عندما تنخفض القدرة الشرائية لغالبية الناس فإن ذلك يقود إلى انخفاض إنفاقهم على البضائع والسلع والخدمات وهذا يتسبب في مزيد من الانكماش الاقتصادي الذي يقود بدوره إلى تراجع اقتصادي خطير يؤدي إلى إغلاق الشركات والمصانع والمحال التجارية وإفلاسها وانسحابها من العمل كليا مما يخلف أضرارا يصعب تصحيحها بعد زوال الظروف الاقتصادية المسببة لها، لأن الإنكماش الحاد يُحدِث تدميرا للبنية الأساسية للاقتصاد والتي تتلخص ببقاء الشركات المهمة عاملة ولو بسعة إنتاجية أدنى.

هناك إجرات تتخذها الدول عندما تواجه صعوبات اقتصادية كالتي نواجهها حاليا من أجل تجاوز الأزمة. فبالإضافة إلى خفض الإنفاق الحكومي في بعض المجالات غير الملحة، هناك طرق أخرى لتوفير المال وزيادة موارد الحكومة منها مثلا زيادة الضرائب في بعض المجالات خصوصا  على الواردات غير الضرورية او تلك التي لها بدائل محلية مما يشجع الإنتاج الوطني. ومنها أيضا زيادة ضريبة الدخل على الأثرياء وكبار الموظفين دون المساس بمتوسطي الدخل أو الرواتب التي تقل عن مليون دينار مثلا.  

تمتلك الدولة عشرات المصانع وآلاف العقارات المهمة والمرتفعة الثمن حاليا وبإمكانها أن تبيعها إلى القطاع الخاص وفق شروط محددة تبقيها فاعلة ومنتجة كي تولد الموارد التي تحتاجها لتغطية نفقاتها وفي الوقت نفسه فإن نقل ملكية المصانع ووسائل الإنتاج إلى القطاع الخاص سوف يولد مزيدا من الوظائف التي تقلِّص البطالة وتدر المزيد من الضرائب على خزينة الدولة من ناحية أخرى. 

هناك مسائل أخرى قد لا ينتبه إليها البعض وهي كثرة العطل الرسمية وغير الرسمية في العراق التي تمنح  للموظفين والعمال تحت مسميات عديدة، كثير منها غير مبرر، وهذه العطل تلحق بالاقتصاد ضررا كبيرا ويجب إعادة النظر فيها وعدم تحميل الدولة تبعاتها، فمن أراد أن يعطل عمله لأي سبب كان، عليه أن يتحمل وحده الأضرار المترتبة على ذلك. الاقتصادات العالمية الحيوية المنتجة هي التي تتمتع بعطل قصيرة. في اليابان تتراوح عطلة الفرد السنوية  بين ١٠-١٥ يوما، وفترة مقاربة لها في أمريكا. أما في أوروبا فإن أقصى عطلة مدفوعة يحصل عليها الموظف سنويا هي أربعة أسابيع. 

مشاكلنا بحاجة إلى حلول جريئة وهناك تردد لدى الحكومة في اتخاذ القرارات الصحيحة وهذا التردد والتلكؤ سيكلفنا غاليا لأننا قد نفقد القدرة على العمل كدولة خصوصا مع كثرة الشائعات المغرضة بأن الحكومة غير قادرة على دفع الرواتب، لكن هذه الشائعات لم تأتِ من فراغ بل بسبب التصريحات الاأبالية التي يطلقها بعض المسؤولين حول الصعوبات المالية التي تواجه البلد. إن كانت لدينا القدرة المالية في السابق للتعويض عن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن العُطَل الكثيرة التي نتمتع بها، الرسمية منها وغير الرسمية، فإن المال لم يعد متوفرا لممارسة هذه الهوايات المُكْلِفة ويجب أن تتحلى الحكومة بالجرأة في اتخاذ القرار والشجاعة في مصارحة الشعب وقادة الرأي بالحاجة الماسة إلى اتخاذ قرارات صعبة لإنقاذ العراق من الانهيار المحتمل إن بقيت الأمور على حالها. لا مجال للتساهل في هذه الأمور المُلِحّة فالعراق في خطر وعلينا جميعا أن نتحسسه ونرتقي إلى مستوى المسؤولية. 

  حميد الكفائي