المُرَشَّقون ليسوا فاسدين يا سادة

 مجلة الهدى-أيلول ٢٠١٥

لا شك أن ترشيق عدد الموظفين والعمال مطلوب أحيانا خصوصا في السنوات العجاف عندما تشُح الموارد ويصبح بعض الموظفين فائضا عن الحاجة. كل الشركات في العالم المتقدم والمتأخر تضطر إلى ذلك أحيانا، لكنها تفعلها بطريقة تليق بمكانتها وسجل موظفيها الذي قدموا ما لديهم طوال فترة عملهم في المؤسسة أو الشركة.

ومن السبل المتبعة للترشيق الطوعي في المؤسسات والشركات الغربية هي دفع المكافآت عن سِني الخدمة السابقة بمعدل راتب شهر لكل عام من سنوات الخدمة بالإضافة إلى الاستحقاقات الأخرى التي يستحقها الموظف كالراتب التقاعدي والمكافآت العادية. وهذا ما فعلته مؤسسات عملتُ معها سابقا منها مؤسسة بي بي سي التي دفعت لي تعويضا لم اطلبه ولم اتوقعه بعد مغادرتي إياها عام ٢٠٠٣. كما دفعت لي المؤسسة الأبحاث الاقتصادية التي عملت فيها في التسعينيات تعويضا عن أربع سنوات (عجاف) قضيتها فيها عندما غادرت بمحض إرادتي للالتحاق بالبي بي سي. وكانت المكافأة بنفس المستوى: راتب شهر عن كل عام قضيته في الخدمة. لقد أصبحت معاملة الموظفين السابقين بكرامة وأريحية ضرورة أخلاقية تتحلى بها كل المؤسسات والشركات المحترمة كي تحافظ على سمعتها أولا وتكسب ثقة العاملين فيها ثانيا. 

نحن في العراق بحاجة لأن نرشق عدد العاملين في دوائرنا ومؤسساتنا وشركاتنا كي نضمن أداءها الكفوء يحث يكون العدد المتبقي قادرا على أداء الواجب المطلوب دون تقصير. وجود عدد فائض من الموظفين والعاملين يقود في العادة إلى مردود عكسي في أداء المؤسسة وهذا ما أثبتته قوانين الإقتصاد خصوصا قانون المُخْرجات المتناقصة أو ما يسمى بالإنجليزية (The Law of Dimininshing Return) الذي يؤكد على أن تزايد العاملين سيقود إلى تناقص الانتاج بسبب تزاحمهم مع بعضهم أثناء العمل فتتعارض نشاطات هذا العامل مع واجبات غيره.  

لكن مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها أكبر بكثير من مسؤولية الشركات تجاه موظفيها. الدولة مسؤولة عن كل مواطن ويجب عليها أن تساعده على العيش بكرامة وتضمن له الحد الأدنى من العيش الكريم والحقوق الأساسية. يجب ألا يعامل الموظفون أو المسؤولون المرشقون وكأنهم ضرر كلي وفائضون عن حاجة البلد وأن غيابهم أفضل من وجودهم. إنهم موظفون محترمون، حصلوا على وظائفهم بطرق مشروعة وقد جيء بهم كي يؤدوا وظيفة معينة، وليس ذنبهم أن الدولة لم تستفِد من وجودهم وخبراتهم وجهودهم. الخلل في الإدارة التي لم تُحسن استخدام الطاقات المتوفرة لديها وليس في الموظفين والعمال المستعدين للعمل لكنهم لا يجدونه.

نعم كثيرون حصلوا على وظائفهم عبر التوزانات السياسية أو الوساطات، وهذه طرق متبعة في العراق وبلدان أخرى، ويجب ألا يُلام عليها الموظفون أنفسُهم بل النظام الذي سمح بها، لكن هؤلاء الموظفين بحاجة إلى العمل كي ينفقوا على أنفسهم وعائلاتهم، والدولة أيضا بحاجة إلى جهودهم وطاقاتهم وخبراتهم التي يجب أن تُستثمَر في الاتجاه والموقع الصحيحين. المُرَشَّقون ليسوا فاسدين أو عديمي خبرة ويجب ألا يعاملوا وكأن وجودهم سبب للضائقة الاقتصادية التي يمر بها العراق. 

سبب الضائقة التي نمر بها ليس كثرة الموظفين بل سوء الإدارة وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وفساد بعض المسؤولين الكبار، لذلك يجب أن توضع الأمور في نصابها. الدكتور حيدر العبادي يعرف جيدا كيف تُعامِل المؤسسات والشركات موظفيها الفائضين عن حاجتها، وعلى حكومته ألا تقل في إنسانيتها ومهنيتها عن تعامل الشركات التجارية، التي تبحث عن الربح المادي المجرد من القيم الأخرى، مع موظفيها الفائضين عن حاجتها. المُرَشَقون مواطنون محترمون لديهم خبرة وسجل وظيفي محترم ويجب أن توجد المواقع الملائمة لهم في أقرب فرصة كي يساهموا مع الآخرين في بناء البلد وإعماره. يجب ألا يتوهم البعض بأن من أخرجوا من وظائفهم سيئون أو فاسدون، ففي هذا ظلم كبير لهم لا يستحقونه.

حميد الكفائي