آراء غير مقدسة وخلافات قابلة للحل

الهدى: تموز ٢٠١٥

الكثير من خلافاتنا التي تعرقل حياتنا وتحولها جحيما هي خلافات تتعلق بالمزاج ويمكن حلها بسهولة عبر الحوار والقبول بالاختلاف، لكن كثيرين منا مازلوا يلجأون إلى طرق قديمة في حلها. المشكلة الأكبر لدينا هي تقديس الأشخاص والأفكار والأمكنة والأحداث والتأريخ ما يجعل الحديث بها او انتقادها أمرا يثير الخصام  والعراك بل والاقتتال، بينما الحقيقة هي أن كل هذه الخلافات تدخل في باب الاختلاف في الرأي.

معظم الصراعات الجارية في العالم العربي والإسلامي حاليا تتخذ طابعا دينيا والسبب هو ليس لأن خلافاتنا متعلقة بالدين بل لأن المختلفين جعلوها كذلك واستعانوا بالنصوص الدينية ضد بعضهم البعض. فإن اختلف بعضنا حول تفسير قضية تأريخية، علما إن علينا ألا نختلف في التأريخ بل ندعه للمؤرخين فقط، فإنه يلجأ إلى حسم الخلاف بالاقتتال وتغييب الآخر كي لا يسمع رأيه، بينما لم يشهد التأريخ أن فكرة ما قُضي عليها بالقتل والتغييب الجسدي. والتأريخ الحديث خير شاهد على ما أقول. 

كم أراد صدام أن يغيب معارضيه الإسلاميين بالقتل والحبس والتهجير والقمع؟ ماذا كانت النتيجة؟ كثر أعداؤه وتمكنوا في النهاية من إزاحته والحلول محله. والشيء نفسه ينطبق على الآخرين الذين يعتقدون أنهم يمتلكون القوة الآن، لكن عليهم أن يعلموا أن كل شيء متغير في هذه الحياة وعليهم أن يتعلموا فن الحوار والقبول بالآخر فهو أفضل وسيلة للبقاء. الافكار لا تُحارب بالتغييب الجسدي وحياة الإنسان وحريته مقدستان ولذلك ركزت الأديان على الحياة وجاء في القرآن الكريم (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا). 

طبعا هناك من يريد أن يسيء تفسير (بغير نفس أو فساد في الأرض) ويوهم الآخرين بأنه يقتل “في سبيل الله” وأن هذه الآية لا تنطبق عليه لكن هذا الكلام لا يقنع أحدا فلا يحق لكائن من كان أن يقرر ما هو حق وما هو فساد وحده ودون محاكمة أصولية تجرى وفق القوانين المرعية في أي بلد.

في صدر الإسلام لم يستبد أحد برأيه ولم يقتل الناس دون محاكمة وخلافا للقانون، بل كان العفو هو الأساس إذ عفى النبي (ص) عن (وحشي)، قاتل سيد الشهداء حمزة، وهناك من اشتكى الإمام علي (ع) إلى القضاء فوقف في المحكمة مدافعا عن نفسه، بل طلب من القاضي ألا يخاطبه بـ (أمير المؤمنين) لأنه رأى في ذلك تفضيلا له على خصمه بينما يجب أن يتساويا أمام القضاء… هذه هي أخلاق الذين ندعي اتباعهم ولنسأل أنفسنا أين نحن منهم الآن؟

هؤلاء الذين يدعون الانتماء إلى الإسلام عليهم أن يقتدوا بعدالة السابقين، والقصص حول عدالتهم وسماحتهم لا تعد ولا تحصى، لكننا نكتفي بترديدها والتغني بها وعند التطبيق تجدنا متشنجين متعصبين قساة وهذا ليس من الإسلام بشيء وليس من الإنسانية بشيء، فهذا نبينا يختصر البعثة النبوية كلها بإتمام مكارم الأخلاق (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فمَهَمَّةُ النبي (ص) كانت في الحقيقة إتمام مكارم الأخلاق التي كانت ناقصة فأتمها بالتسامح والصفح والعفو عند المقدرة ونفع الناس وقضاء حوائجهم. لقد ورد في القرآن الكريم (ولقد كرمنا بني آدم) دون أي شرط لهذا التكريم، فالإنسان مكرم بغض النظر عن رأيه أو عقيدته أو طريقة حياته ومن هذه الآية يستدل السيد محمد حسين فضل الله (رح) على طهر الناس جميعا.

وكي نكون منصفين فإن الملايين من المسلمين اليوم يتخلقون بهذه الأخلاق، لذلك فإن النقد موجه لأولئك المتعصبين المتشنجين القساة الذي اختطفوا الإسلام واعتبروه ملكا لهم بينما هو ملك الناس جميعا وهم عنه غرباء.

حميد الكفائي