مجلة الهدى: تموز ٢٠١٥

أستغرب كثيرا عدم اهتمام الساسة العراقيين بتعلم الاقتصاد والعمل بموجب قوانينه ومعاييره وإملاءاته. وأستغرب عظيم الاستغراب أن يحصل هذا في بلد ديمقراطي يعتمد الوصول إلى السلطة السياسية فيه والبقاء فيها على تحسين حياة الناس المعاشية وتقديم خدمات أفضل لهم بمرور الزمن. وأستغرب أيضا أن يحصل في بلد تعتبر نسبة التعليم والوعي فيه مرتفعة نسبيا، فالناس لا يصدقون بأي كلام بل يمحصون ويبحثون عن مصادر أخرى للمعلومات. 

في البلدان المتقدمة، أول ما يُقْدِم عليه السياسيون هو تعلم أصول علم الاقتصاد  وتطبيقاته في بلدهم ومقوماته الاقتصادية كي يتمكنوا من وضع برامج سياسية قابلة للتطبيق: تنفع شعوبهم وتحسن من أوضاعها المعاشية. السياسة هي فن إدارة الدولة والمجتمع وهذا يتطلب قدرة على إدارة الموارد المالية وتكليف الأشخاص المناسبين للقيام بالمهام الصعبة، فإن لم يتمكن أولي الأمر من اختيار الأشخاص المناسبين للاضطلاع بإدارة المناصب المهمة فإن ذلك سيقود إلى تدنٍ في مستوى الخدمات وإدارة المؤسسات الانتاجية والخدمية. 

منذ بدء العملية الديمقراطية والسياسيون لا يُنتخبون على أساس المعرفة والكفاءة الادارية والاقتصادية والصلاحية للمنصب الذي يتقدمون لشغله، بل لأسباب أخرى لم تعد خافية على أحد، وإن استمر الوضع على هذا المنوال فوضعنا لن يكون بخير. نحتاج إلى ساسة وقادة يعرفون معرفة عميقة بأوضاع العراق الاقتصادية ويتابعون ما يجري في العالم وكيف يمكن العراق أن يتقدم في ظل التنافس العالمي وأي مجال يمكن العراق أن يتقدم فيه كي يتركز الاهتمام العام عليه. نحتاج إلى قادة ينصتون إلى الخبراء وعلماء الاقتصاد والإدارة ويكون همهم الأول تحسين أوضاع البلد الاقتصادية وزيادة موارده وقدرته على الانتاج وتحسين مستوى التعليم في المجالات كافة. إن لم يتعلم القادة الاقتصاد ويتابعوا التطورات الاقتصادية في العالم فإنهم لن يتمكنوا من إدارة العراق.

يتحجج معظم سياسيينا بأنهم غير متخصصين في الاقتصاد وأنهم لا يريدون (التطفل) على اختصاصات الآخرين! عدم التطفل هو أمر جميل ومطلوب، لكن من يختار العمل في السياسة والادارة عليه ان يتعلم الاقتصاد وفنون الإدارة. 

معظم الساسة الغربيين الناجحين ليسوا متخصصين في الاقتصاد لكنهم يفهمونه بعمق. جون ميجور، المصرفي والاقتصادي البارع ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق، لم يدرس الاقتصاد في الجامعة، بل هو لم يدرس أي علم آخر أكاديميا، إذ ترك الدراسة بعمر السادسة عشرة، لكنه تعلم من التجربة العملية فأصبح بارعا في مجاله وأدار اقتصاد بلده على أفضل ما يرام. وخليفتاه في رئاسة الوزراء، توني بلير وغوردون براون لم يتخصصا في الاقتصاد، فالأول كان قانونيا والثاني أستاذا في التأريخ لكنهما فهما الاقتصاد وتعلماه بعمق لأن عملهما السياسي تطلب ذلك. رئيس وزراء استراليا الناجح، بوب هوك، كان رئيسا لنقابات العمال، وكذلك كان أنجح رئيس للبرازيل، لولا دي سيلفا، بينما كان قائد نهضة كوريا الجنوبية، بارك، عسكريا. لكنهم جميعا فهموا الاقتصاد جيدا وأنصتوا لعلمائه وخبرائه وعرفوا ما يجب أن تركز عليه بلدانهم. 

الغريب أن بين سياسيينا من يتجرأ ويتحدث في الاقتصاد وهو لا يعرف أولياته وهؤلاء حقا يستحقون الإعجاب على الجرأة التي (يتمتعون) بها. أحدهم قال إن اقتصاد العراق سيتحسن عندما تلغى الأصفار الثلاثة من الدينار!!! آخر قال إن علينا أن نركز على صناعة السيارات والصناعات العسكرية كي ننافس البلدان الأخرى… ولا أدري كيف نفعل ذلك ونحن نفتقر إلى القاعدة الأساسية لصناعة أبسط المنتجات. المطلوب من قادتنا في هذه الظروف الصعبة وفي غياب الفهم العميق للشؤون الاقتصادية، الإنصات لذوي الاختصاص والعمل بنصائحهم.


 حميد الكفائي