غرامة باهظة لكن الحياة لا تقدر بثمن

مجلة الهدى-حزيران-٢٠١٥

الغرامة التي تكبدتها شركات التبغ في كندا باهظة جدا لكنها لا تُقارن بالأضرار الفادحة التي ألحقها التدخين بملايين الناس منذ أن تسربت هذه العادة إلى بني البشر قبل قرن من الزمن. لقد حكمت محكمة كندية قبل أيام بفرض غرامة قدرها ١٥,٥ مليار دولار كندي بعد أن رفع مدخنون دعوى ضد شركات التبغ مدعين أنها لم تحذرهم بما فيه الكفاية من مخاطر التدخين بينما كانت تعلم بخطورة هذه العادة. 

وقد رُفِعت الدعوى ضد شركات التبغ الرئيسية عام ١٩٩٨ وقدم المدعون آلاف الوثائق التي تثبت صحة إدعائهم وظل القضاة يتدارسون الوثائق منذ عام ٢٠١٢ حتى توصلوا إلى حكمهم بعد دراسة مستفيضة. 

واعتبر اللوبي المناهض للتدخين صدور الحكم “يوما عظيما لضحايا التدخين” بينما وصفه محامي المدخنين بأنه “نصر عظيم للمجتمع ككل”، وقال إن تلك الشركات “كذبت على الناس وحرمتهم من حق الحياة”.

نعم هكذا هو التدخين يحرم ممارسيه ومن حولهم من حق الحياة. قد يقول قائل إن التدخين هو “خَيار” وإن بإمكان أي شخص أن يُقلِع عنه! لكن الحقيقة أنه ليس خيارا بل ورطة ونفقا مظلما يدخله المرء بسهولة ثم لا يستطيع الخروج منه دون خسائر قد تكون أثمن ما لديه ألا وهي حياته. التدخين شَرَكٌ يقع فيه الشباب دون وعي منهم ثم يعجزون عن الإفلات منه عندما يدمنونه بعد فترة قصيرة.

لقد اخذت عادة التدخين في الغرب بالانحسار منذ نصف قرن بعد أن شنت الحكومات حملة واسعة عليها. فمن ناحية رُفعت الضرائب على السجائر مما ضاعف أسعارها مرات عدة، إذ قارب سعر علبة السجائر في معظم الدول الغربية ١٥ دولارا وهو مبلغ عال لا يلائم معظم الدخول، بينما يقل سعر العلبة في العراق عن الدولار. كما إن التحذيرات الصحية المكثفة أقنعت المدخنين بالأخطار المحدقة بهم فأقلعوا عن العادة، بينما رفعت شركات التأمين على الحياة أسعارها على المدخنين بل رفض بعضها منح التأمين للمدخنين. والتأمين مهم في تلك البلدان لأنك لا تستطيع أن تشتري بيتا إن لم تؤمِّن على حياتك عند شركات التأمين على الحياة. كما أن المستشفيات التي تعمل بالتأمين ترفض طلب انتساب المدخنين إليها أو ترفع الأسعار لتجعل انتسابهم صعبا.

لكن الأمر الذي قصم ظهر هذه العادة القاتلة كان قانون منع التدخين في الأماكن المغلقة، فلا يستطيع المدخن أن يدخن في مقر عمله أو في السيارة أو القطار أو حتى في بيته لأن القانون سيحاسبه. وطالما ترى المدخنين يخرجون إلى الشوارع أو شرفات المنازل كي يدخنوا لأنهم يشعرون أن الواجب الأخلاقي يحتم عليهم تطبيق القانون حتى في المنزل حيث لا يوجد أي رقيب يحاسبهم غير ضمائرهم. قانون منع التدخين في الأماكن المغلقة ساري المفعول حتى في العراق لكن قلة يطبقونه. صحيح أن أصحاب المحال (مشكورين) يضعون لافتات “التدخين ممنوع” لكنك طالما ترى الدخان الكثيف يحلِّق فوق تلك اللافتات لأن الشرطة لا يتدخلون لفرض القانون ولا أصحاب المحال يطالبون زبائنهم بالامتناع عن التدخين.

يبدو أن العراقيين من أكثر الشعوب المدمنة على التدخين، ولا أدري كيف وصل بهم الحال إلى  هذاالمآل. فصاحب التكسي يدخن في سيارته دون أن يكترث لرغبات الركاب، والحلاق ينفث دخانه في أنف زبونه دون استئذان وصاحب المطعم تتدلى من فمه سجارة متوهجة وهو يقدم الطعام لزبائنه، وكذلك صاحب المقهى. أصبح غير المدخنين مضطهدين في العراق على عكس الدول الأخرى التي تضيِّق الخناق على المدخنين. الأمل الوحيد هو أن تحذو محاكم أخرى حذو المحكمة الكندية فتجعل من التدخين تجارة خاسرة لا تجلب على ممارسيها سوى الغرامات والأذى. 

 حميد الكفائي