دحر الإرهاب يتطلب مراجعة سياسية شاملة 

مجلة الهدى-أيار 2015
قد يستغرب البعض من (انتصارات) داعش في الرمادي وسيطرتها على هذه المدينة التي بقيت عصية على قوى الإرهاب لسنوات عديدة. وللمستغرِب كل الحق في استغرابه، فنحن بلد لدينا أكثر من مليون جندي وشرطي أُنفقت المليارات على تدريبهم وتسليحهم على أيدي أفضل المدربين الدوليين. يضاف إليهم مئاتُ الآلاف من المتطوعين المستعدين للقتال والتضحية في سبيل الوطن، وإننا جميعا هذه المرة متفقون على أن “تنظيم الدولة” الإرهابي خطر على العراق كله، وأن العراقيين كلهم، ولا حاجة لترديد العبارة التي أصبحت ثقيلة على مسامعنا (بكل أطيافهم وطوائفهم وقومياتهم ومذاهبهم)، مؤمنون بأن الأمل يكمن في تنامي هذه الروح الوطنية ومعها وحدة الموقف في القضايا المصيرية.

 يضاف إلى ذلك أن العالم كله يقف معنا (على الأقل رسميا)، بل وحتى داعمو داعش الدوليون (يستحون) من دعمه علنا بل يفعلون ذلك  سرا باعتبار أن (عمل الخير) يجب أن يكون مجردا من (الرياء) وأن أعظم الثواب يتحقق في اجتراح الحسنات في السر! وشر البلية ما يضحك.

تمكن مقاتلو “تنظيم الدولة” من السيطرة على الرمادي بعد الموصل وها قد اصبحت تحت سيطرة (دولتهم) محافظتان عراقيتان عملاقتان بالإضافة إلى الرقة ومدن سورية أخرى وعلينا ألا نستغرب بعد اليوم إن سيطروا على مناطق أخرى إن بقيت الأسباب التي أدت إلى مجيئهم. يحدث كل هذا ويراد لنا أن نصدق أن منهجنا السابق في السياسة والأمن والتسلح والدفاع هو صحيح وأن علينا الاستمرار به بل هناك من يريد المزيد منه. المنطق السليم يدعو إلى المراجعة الجذرية الشاملة من اجل معرفة مكامن الخلل ولماذا يتمكن قلة من المجرمين المسلحين بالتعصب الأعمى والكراهية للحياة من إلحاق خسائر فادحة بشعب لم يعُد يخشى أي شيء، فكل عزيز عليه اصبح في مهب الريح؟

هناك الآن فرصة أمامنا لإصلاح أجهزة الجيش والشرطة وإخراج غير المهنيين منها. فمن يجد التبريرات للهرب من ساحة المعركة لا يصلح للقتال ولا تجوز إعادته أو العفو عنه لأنه ما زال محكوما بمبدأ الانتهازية. الدولة تعاني الآن من نقص الأموال فلماذا تنفق أموالها الشحيحة في غير مواضعها الصحيحة؟ هناك الآن حاجة لسن قانون لتجريم خطاب الكراهية والتحريض على العنف. لقد بنى سياسيون (أمجادهم) على التخندق الطائفي والمناطقي والتعصب والتلاعب بالمشاعر البريئة للبسطاء. هؤلاء (السياسيون) دمروا الوحدة الوطنية وأوصلونا إلى الحضيض الذي نحن فيه الآن ويجب أن يُمنعوا من ممارسة العمل السياسي بغض النظر عن عدد الأصوات التي حصلوا عليها عبر التضليل. نعم، قد يكون في هذ الكلام مخاطرة في تقييد الحريات والإجراءات الديمقراطية لكن الأهم من ذلك هو ضرورة أن يكون الخطاب السياسي وطنيا لأن ما ينتج عن خطاب غير وطني سيكون وبالا علينا. الدستور يمنع خطاب الكراهية والتحريض وعلينا أن نلزم السياسيين بالدستور عبر قانون يوضح النص الدستوري ويجعله ملزما.   

هناك تجارب لدول أخرى في هذا المضمار يمكننا الاستفادة منها. فقد مُنع سياسيون في بلدان ديمقراطية من العمل بسبب خطابهم العنصري والتحريضي. في النمسا مُُنع جورغ هايدر من تولي منصب وطني رغم فوز حزبه بـ 28% من أصوات الناخبين، وظل مقيدا ضمن المناصب المحلية في منطقته حتى قتل غير مأسوف عليه في حادث سير (غير مدبر بالتأكيد). أما الإنجليزي دريك بيكون الذي طالب بـ(حقوق البيض) وفاز بمقعد محلي في شرق لندن، فقد تنادى ضده كل السياسيين البريطانيين من اليمين إلى اليسار حتى خسر ذلك المقعد واختفى حزبه من السياسة البريطانية كليا. العنصريون والطائفيون لا يهدفون إلا لخدمة أنفسهم على حساب الآخرين، وهم خطر على المجتمع ويجب أن إيقافهم عند حدهم، كي لا يتسببوا في إغراق سفينة العراق التي تبحر في عباب بحر هائج. موقفنا حرج ولا يتحمل المغامرات واللعب بالنار. 


حميد الكفائي