معادلة الشهادات الأجنبية هل هي عقوبة أم مكافأة؟

مجلة الهدى-أيار-2015

 الذي يجري في دائرة معادلة الشهادات الأجنبية في وزارة التعليم العالي والبحث العملي غير معقول ولا مقبول. إجراءات معقدة ومطولة وغير مفهومة وتتطلب أختاما وتواقيع وموافقات ومصادقات وترجمات من وزارات أجنبية وسفارات عراقية وما إلى ذلك من إجراءات غير ضرورية.

 أليس بإمكان دائرة معادلة الشهادات التي تعمل في هذا الحقل منذ عشرات السنين أن تكون لديها قائمة بأسماء جامعات محددة معتمدة بحيث أن هذه الجامعات معروفة لديها ومعتبرة ولا يحتاج حاملو شهاداتها أن يمروا بهذه الإجراءات المعقدة وينتظروا أشهرا وسنين كي يحصلوا على المعادلة؟ ألا يكفي أن تحمل الشهادات الأجنبية اختام السفارة العراقية ووزارة الخارجية في البلد الآخر؟ لماذا يعامل خريجو الجامعات الأجنبية وكأنهم مزورون بينما هم يحملون شهادات من ارقى جامعات العالم؟

 نحن نعلم أن معظم الجامعات البريطانية والأمريكية والأوروبية بل وحتى الإيرانية والتركية والمصرية هي أفضل من معظم الجامعات العراقية خصوصا بعد فترة الحصار التي تدنى فيها المستوى التعليمي، فكيف يكون خريجو الجامعات الأجنبية المرموقة مشكوكا في شهاداتهم ويحتاجون إلى إثبات صحتها و”معادلتها” مع الشهادات التي تمنحها الجامعات العراقية الأقل مستوى؟

 إن كان الشك يرقى إلى الجامعات الغربية فلماذا ترسل وزارة التعليم العالي وباقي الوزارات والمؤسسات العراقية مئات الطلاب إليها سنويا كي يدرسوا ويحصلوا على تخصصات نادرة؟ أليس من أجل أن يكون في العراق طلاب لديهم شهادات ذات مستوى أعلى مما يمكن الحصول عليه في الجامعات العراقية؟

 إن كانت مثل هذه الإجراءات مبررة في ظل النظام السابق، فإنها غير مبررة حينما يكون وزير التعليم العالي شخصية علمية مرموقة كالدكتور حسين الشهرستاني الذي درس في الخارج ويعرف قيمة الشهادة الأجنبية وصعوبة الحصول عليها. إنها إجراءات لا تليق بأصحاب الكفاءات وحملة الشهادات الأجنبية وبالتأكيد لا تليق بالعراق أو أي بلد آخر. ذكر لي صديق قصته عن معادلته شهاداته وارويها كما هي:

 (إن دائرة معادلة الشهادات مثلت لي فوضى من الطراز الاول واحباطاً كبيراً، بعد ان استبشرت خيراً بأنها تستقبل المعاملات الكترونياً. لكن هذه البداية المشجعة كانت خادعة، فبعد الانتهاء من  ملء استمارات كثيرة وتقديم وثائق كثيرة من الجنسية وشهادة الجنسية والبطاقة والتموينية وبطاقة السكن وجواز السفر وغيرها (وبعضها غير متوفر لدي لأني كنت خارج العراق ولم امتلك البطاقة التموينية) قمت بتقديم الملف الكبير عبر البريد الالكتروني آخذا بنظر الاعتبار وعد الدائرة ان الامر لن يستغرق سوى بضعة اسابيع. لكنه في الحقيقة استغرق عاماً ونصف ومراجعات واستفسارات كثيرة. وبعد كل استفسار يأتي الجواب ان المعاملة ناقصة كذا وكذا، نرجو ان ترسله لنا، وعند مراجعتي ملف المعاملة الذي ارسلته لهم اصلاً، اجد ان المستند الذي طلبوه مُرسل لهم أصلا. وعندما استلمت المصادقة على الشهادتين كانت هناك اغلاط كثيرة غير مبررة.).    

  هناك حاجة لإعادة النظر في مسألة الاعتماد على الشهادة في العراق والتي تولى أهمية أكبر مما تستحق في دوائر الدولة بينما تُهمَل الخبرة والتدريب والمعرفة التي تُكتسب لاحقا من الدورات العملية والدراسات القصيرة في الداخل والخارج. ليس من العدل أننا ما زلنا ننظر إلى أصحاب الشهادات الجامعية بأنهم خبراء أكفاء وفي الوقت نفسه نهمل الخبرة الحقيقية التي تتأتى من التدريب والعمل‫. مثل هذا النظام لا يخدم العراق مطلقا‫.

 قد يقول قائل إننا لو ألغينا العمل بمبدأ الشهادة فإننا سنفتح الأبواب على مصراعيها لقبول غير الأكفاء والمؤهلين‫. وأقول إن هذا غير صحيح لأننا لا نطالب بإلغاء الشهادة كليا ولكن نقول إنه يجب ألا تعتبر، كما يحصل الآن، المقياس الأول والأخير للكفاءة والراتب. هذا غير صحيح في القرن الحادي والعشرين‫. هناك خبراء في كل المجالات ممن لم يحملوا شهادات عليا أو دنيا لكنهم أكفأ وأقدر من أصحاب الشهادات خصوصا ممن حصلوا عليها بطرق غير علمية كما يحصل في بلدان كثيرة بينها العراق‫. يجب ألا ننسى أن رئيسي وزراء بريطانيا الأسبقين، جون ميجور وجيمس كالاهان والأديب المصري عباس محمود العقاد ومؤسس شركة مايكروسوفت الأمريكية العملاقة، بيل غيتس، لم يحصلوا على أي شهادة‫. فهل هناك من يشكك بكفاءاتهم وخبراتهم في مجالات تخصصهم؟

حميد الكفائي