شبكة الإعلام ليست جزءا من المحاصصة السياسية أو الطائفية 

 من الضروري ألا تكون الشبكة جزءا من التقسيمات السياسية للمناصب فاستقلالها ضرورة من ضرورات الدولة الديمقراطية الحديثة. يجب ألا يكون رئيس الشبكة أو الهيئة أو أي من أعضاء مجلس الأمناء أو طاقمها الإداري أو التحرير سياسيا، والمطلوب أن يكونوا جميعا معنيين يحظون بثقة معظم المكونات الاجتماعية والتيارات السياسية. إن دخلت هذه المؤسسة ضمن المحاصصة السياسية أو المكوناتية فإن جميع العراقيين سوف يتضررون. يجب أن يكون إعلام الدولة مستقلا كي يخدم المواطنين جميعا ومصالح الدولة بكل مكوناتها وهذا ليس موقفا سياسيا بل هو من أساسيات وضرورات قيام الدولة الحديثة، حتى وإن لم تكن ديمقراطية. انحياز الإعلام لجهة ما يعني فيما يعنيه تضليل الجماهير أو جزء منهم وإخفاء الحقيقة عنهم وهذا له انعكاسات سلبية ونتائج وخيمة على أمن المجتمع وتطوره الاقتصادي وتماسكه الاجتماعي لذلك يجب أن يؤخذ هذا الأمر بالجدية التي يستحقها.

 المادة 14/أولا قد تترك انعاكاسات خطيرة على تركيبة مجلس إدارة الشبكة بحيث إنها تفتح المجال أمام وضعه ضمن أطار المحاصصة السياسية والطائفية والقومية وغيرها. تنص الفقرة على أن “يتألف مجلس الإدارة من رئيس الشبكة ونائبه والمديرين العامين للدوائر المنصوص عليها في المادة (13) ويعبرون عن مصالح وثقافات مكونات الشعب العراقي”. والحرص على التعبير عن مصالح وثقافات مكونات الشعب العراقي قد يُترجم عمليا بمحاصصة من نوع ما وتعيينات سياسية لرئيس الشبكة ومجلس إدارتها. لذلك فإن من الضروري التأكيد على المهنية والخبرة فهما كفيلتان بالتعبير عن ثقافات ومصالح مكونات المجتمع العراقي.

 إلى جانب ذلك، يجب ألا يكون المفتش العام عضوا في مجلس الإدارة فهذا يتناقض مع دوره الرقابي ويجب أن ينص على ذلك في القانون.

 المادة 14/ثانيا تؤكد على أن “يؤدي مجلس إدارة الشبكة أعماله مستقلا عن السلطة التنفيذية للدولة أو أية هيئة أو منظمة أو شخص آخر له علاقة بإنتاج البرامج المرئية والمسموعة والمقروءة أو الأنشطة المتعلقة بها”. ثمة تناقض بين هذه الفقرة وفقرات أخرى في القانون. فكيف يمكن مجلس إدارة شبكة الإعلام أن يؤدي عمله بشكل مستقل عن السلطة التنفيذية للدولة في وقت  “تتبنى الشبكة الخطاب والموقف الرسمي للدولة العراقية عبر مؤسساتها الدستورية”، حسب المادة 7/رابعا/ز، والسلطة التنفيذية هي من المؤسسات الدستورية لهذه الدولة، بينما تفرض مسودة مشروع القانون هذه أن “تلتزم الشبكة بالمبادئ والاتجاهات العامة للدولة وفقا للدستور” (المادة 4)؟ ويتجلى لنا التناقض الصارخ على أشده في هذه المسودة حين تربط الشبكة بالسلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) وتوجهاتها ورؤاها ونهجها السياسي بينما تطلب من مجلس إدارة الشبكة أن يؤدي عمله بشكل مستقل عن السلطة التنفيذية عينها.

 تنص المادة 16/ثانيا على تولي مجلس الإدارة أمر “رسم السياسة العامة للشبكة وتحديد الاتجاهات الرئيسة لخطابها الإعلامي في ضوء مفاهيم البث العام المعمول بها عالميا، وبما يتفق وأحكام القانون”. إن أمر تحديد الاتجاهات المهنية والسياسة التحريرية للشبكة أمر تحريري وليست أمرا إداريا صرفا، وبالتالي فإن هذا الأمر ينبغي أن يناط ليس بالمجلس وحده وإنما بالمجلس وبهيئة تحريرية مهنية تضطلع بدور رئيس في رسم وتطبيق السياسة التحريرية للشبكة. في كل الأحوال ليس هناك خطاب محدد للشبكة لأنها ليست جهة سياسية بل هي مؤسسة مهنية لديها سياسة ترتكز على أسس مهنية تهدف إلى خدمة المجتمع عبر إيصال الحقائق التي تهمه له ولا يفترض أن يكون لها خطاب معين.

 يجب الإشارة إلى أنه ليس واضحا ما هو المقصود بعبارة “وبما يتفق وأحكام القانون”. هذه عبارة ضبابية وعائمة. فضلا عن ذلك، فإن هناك في الفقرة تاسعا من المادة 16 ما يوحي بأن طرفا آخر غير مجلس إدارة الشبكة هو الذي يصوغ التعليمات والقواعد الخاصة بالبرامج والمعايير المهنية وأن المجلس يقرها فقط. ولكن ينبغي إيضاح من هي هذه الجهة الأخرى ولهذا فإن النص على دور الهيئة التحريرية يحسم الأمر ويقطع الطريق أمام أية اجتهادات في هوية أو ماهية الجهة التي تصوغ التعليمات والقواعد والمعايير التي سيقرها مجلس الإدارة.

 تنص المادة 17 على أن “لمجلس الإدارة تخويل بعض مهامه إلى رئيس المجلس” لكنها لا توضح أو تشرح الظروف أو الشروط التي قد توجب مثل هذا التخويل. ثم لماذا لا يخول المجلس صلاحياته إلا لرئيسه؟ ألا يمكن للمجلس أن يخول بعضا من صلاحياته ولفترات زمنية وأغراض محددة إلى أشخاص أو فروع وشعب وتشكيلات مؤسساتية في الشبكة غير الرئيس؟

 تنص المادة 19 على أن “يمارس المفتش العام مهامه وفقا للقانون”، ولكن دون الإشارة إلى القانون الذي ينظم عمل المفتش العام ومهامه في الشبكة. يجب الإشارة إلى هذا القانون.

 المادة 22 تحدد تمويل الشبكة وتنص على أنه من ميزانية الدولة وهنا تكمن إشكالية كبيرة لأن الذي يضع الموازنة هو الحكومة ما يعني أن الحكومة ستتحكم بالشبكة عبر التمويل. يجب أن تمول الشبكة عبر قانون الضرائب وأن تكون هناك ضريبة خاصة بها تجبى عبر جهاز الضرائب أو مع فاتورة الكهرباء مثلا كي لا تشعر إدارة الشبكة أن للحكومة عليها فضلا ما يجعلها تتأثر بسياساتها أو تلبي طلباتها ذات الطابع السياسي. يمكن أيضا إضافة أنشطة أخرى قد تدر على الشبكة مردودات وعوائد مالية مثل تدريب الإعلاميين، وخدمات العلاقات العامة، وتنظيم المؤتمرات والبرامج الثقافية، وغير ذلك. ولكن يجب ألا تقبل الشبكة بعرض الإعلانات المدفوعة الثمن لأن ذلك يجعلها عرضة لتأثيرات المُعلنين من شركات وأفراد.

 المادة 27 تربط موظفي الشبكة بجهاز الخدمة المدنية وهذا يخل باستقلالية الشبكة ويجعلها تقع تحت تأثير الحكومة التي تقرر الرواتب وتعدل القوانين وما إلى ذلك. ومن أجل أن يكون موظفو الشبكة مستقلين ومحايدين في عملهم يجب ألا يرتبطوا بقانون الخدمة المدنية لموظفي الدولة بل يكون لهم قانون آخر غير خاضع للسلطة التنفيذية التي قد تتخذ قرارا بزيادة الرواتب أو المخصصات الذي من شأنه أن يؤثر على استقلالية عمل موظفي الشبكة كما أسلفنا. يجب أن يكون هناك قانون خاص بموظفي الشبكة لا يخضع للمؤثرات السياسية من أجل ضمان استقلاليتهم وحياديتهم.

 

أما المادة 29 التي تعتبر القانون نافذا من تأريخ نشره في الجريدة الرسمية فهذا تقليد قديم يجب أن ننتهي منه خصوصا وأن الجريدة الرسمية، والمقصود بها هنا هو الوقائع العراقية، تتوقف عن الصدور في بعض الأحيان مما يتسبب في تعطيل القوانين. ‪الأفضل أن يكون أي قانون نافذا من تأريخ إقرار القانون في مجلس النواب لكن هذا شأن مجلس النواب وليس الشبكة. ختاما يجب التأكيد على أن الشبكة تخدم العراقيين جميعا بكل تنوعاتهم الاجتماعية والدينية والسياسية وأن من مصلحة الجميع، أكرر، الجميع، أن تكون مستقلة تماما عن الحكومة والأحزاب السياسية كي لا تستخدم من قبل جهة ضد أخرى.

      حميد الكِفائي

 http://www.almadapaper.net/ar/news/487464/%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%B8%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9#