كيف يمكن أن تتبنى هييئة مستقلة الخطاب الرسمي للدولة؟

 لا شك أن مسودة المشروع التي نناقشها في هذه المقالات لا تصلح مطلقا لأن تكون قانونا لشبكة الإعلام، أو “هيئة الإعلام العراقية”، كما اقترح أن تسمى، لأن هذه المسودة تتعارض مع مبادئ الإعلام الحر وما متعارف عليه من حريات في الدول الديمقراطية، بل هي تتعارض  أيضا مع مبادئ الدستور العراقي. لجنة الثقافة والإعلام الحالية في البرلمان مصممة على تغييرها ونأمل أن تؤخذ هذه الملاحظات بنظر الاعتبار عند صياغة القانون المقبل الذي نأمل أيضا أن يضمن حرية التعبير واستقلالية الشبكة التي يجب أن تقدم خدماتها للعراقيين جميعا بكل توجهاتهم السياسية ومستوياتهم المعرفية وتلاوينهم الثقافية.

 المادة 7/رابعا/د تنص على “إطلاع الرأي العام بشكل منتظم عبر وسائل الإعلام على عمل ونشاطات شبكة الإعلام العراقي”. إن عبارة “بشكل منتظم” لا تحدد فترة زمنية معينة. عن أي فترة زمنية معينة نتحدث هنا؟ هل المقصود إطلاع الرأي العام على عمل ونشاطات الشبكة بشكل دوري كل شهر، أم كل فصل، أم كل سنة، أم ماذا؟ وهل المقصود بوسائل الإعلام المشار إليها هنا وسائل إعلام الشبكة فقط؟

 وما هي طبيعة النشاطات التي يجب على الشبكة إطلاع الرأي العام عليها؟ وماذا لو تطلّب إطلاع الرأي العام على عمل ونشاطات الشبكة عبر وسائل الإعلام أن تعلن الشبكة عن هذه النشاطات عبر شراء مساحات أو فترات إعلانية في وسائل إعلام أخرى؟ هل سترصد مبالغ مخصصة لذلك في ميزانية الشبكة؟ الأفضل هو إلزام الشبكة بالشفافية ونشر معايير وشروط العمل فيها وكيفية التعبير عن الرأي في نشاطاتها وكيف، كأن يكون هناك برنامج أو موقع الكتروني يتلقى أو ينشر آراء المتلقين بالمواد التي تبثها الشبكة.

 كذلك فإن بعض قرارات إدارة الشبكة قد تكون ذات طابع خصوصي أي يتعلق بخصوصية بعض الأشخاص الذين يعملون أو تقدموا للعمل في الشبكة أو ممن عوقبوا أو لم تقبل طلباتُهم في التوظف في الشبكة، فكيف تلتزم الشبكة أو الهيئة بأن تطلع الرأي العام عليها؟ هذه المسألة يجب أن تترك لحكمة الإدارة ومهنيتها كي تعالجها حسب الضرورة ودون المساس بالمبادئ الأساسية أو القاوانين المرعية.

 المادة 7/رابعا/هـ تتحدث عن تقديم الطلبات والشكاوى من قبل المواطنين. ليس واضحا ما هو المراد من عبارة “طلبات” هنا؟ هل هي طلبات للحصول على فرص عمل مثلا؟ أم طلبات للحصول على معلومات؟ أم غير ذلك؟ كما تغفل هذه الفقرة كليا الحديث عما سيحل بهذه الشكاوى بعد تقديمها. وماذا لو كانت هذه الطلبات كثيرة والنظر فيها مكْلف بحيث تتطلب إمكانيات كبيرة لا تمتلكها الشبكة؟ 

 فضلا عن ذلك، فإن المادة 16/عاشرا تمنح مجلس إدارة الشبكة صلاحية “تحديد أسلوب الاستماع إلى الطلبات والشكاوى الخاصة بعمل الشبكة لدراستها والبت فيها” وهذا يجعل من الشبكة خصما وحكما في آن. ثمة تضارب مصالح واضح هنا. فهذه المادة تضع مجلس الإدارة في موقعي الطرف المعني بالشكوى، أو المشكو منه، والطرف الذي سيحكم في هذه الشكوى ويبت فيها. ينبغي لحل هذه الإشكالية تشكيل هيئة مهنية مستقلة عن الشبكة تنظر في الشكاوى بحيث تأتي قراراتها محايدة ولا تحابي مجلس إدارة الشبكة أو العاملين فيها. وهذا بالضبط ما أدرجناه في وثيقة أثينا للإعلام الحر التي وُضعت تحت تصرف الحكومة العراقية في عام ٢٠٠٣والتي كان لي شرف المشاركة في كتابتها والاشراف على إعدادها .

 المادة 7/رابعا/ز تقوض حياد شبكة الإعلام العراقي تقويضا تاما وتهدم بنيان استقلاليتها وتحيل حياديتها إلى حبر على ورق بحيث إنها تفرض وتوجب أن “تتبنى الشبكة الخطاب والموقف الرسمي للدولة العراقية عبر مؤسساتها الدستورية”. غني عن القول إن هذه الفقرة تستثني الآراء والمواقف التي لا تتبناها أروقة السلطة والقرار في الدولة العراقية مما يجعل نزاهة وأخلاقية عمل الشبكة (التي يفترض أنها هيئة مستقلة) موضع تشكيك ويشكل ضربة لصدقيتها. ناهيك عن أن نص هذه الفقرة يؤكد ما ذهبنا إليه أعلاه من أن مسودة مشروع القانون هذا تعتمد وتتبنى الخلط الشائع في بلادنا بين الدولة والحكومة وبين المصالح العليا للدولة ومصالح السلطة الحاكمة التي يقودها في العادة حزب سياسي معين له سياساته وأيديلوجيته التي تتعارض مع باقي الأحزاب والتجمعات السياسية الأخرى.

 أما المادة 7/خامسا فهي مشوشة وملتبسة، فهي مثلا تتحدث عن “تغطية النشاطات الحكومية لمؤسسات الدولة الأخرى”؟ هل يمكن مؤسساتِ الدولة أن تكون لها نشاطات غير حكومية؟ ولماذا تُخصص فقرة خاصة لمؤسسات أخرى للدولة؟ وكيف يمكن أن نميز هذه المؤسسات (الأخرى) عن غيرها من مؤسسات الدولة؟ يجب على الشبكة أن تغطي كل النشاطات التي تهم المواطن العراقي بما في ذلك النشاطات الحكومية أو نشاطات الأحزاب والتيارات السياسية الموالية والمعارضة على حد سواء بالإضافة إلى مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات المهنية.

 المادة 8/أولا تنيط برئيس الشبكة كل شيء من إدارة الشبكة إلى رئاسة التحرير إلى إدارة الشؤون اليومية وهذا غير مقبول فلا يجوز أن يتولى رئيس المؤسسة كل شيء لأن ذلك يجردها من عملها كمؤسسة ويضعها في أيدي شخص معين. مهمة رئيس الشبكة هي الإشرافَ على عمل الشبكة وليس الإدارة اليومية ورئاسة التحرير التي يجب أن توكل لمهنيين وخبراء… ثم كيف يكون رئيس الشبكة رئيسا لمجلس الإدارة وفي الوقت نفسه يعمل تحت إشرافه؟ الأفضل أن يلتزم بقرارات مجلس الإدارة أو مجلس الأمناء كما هو معتاد فالشبكة مؤسسة عامة ومن المهم أن يكون لها مجلس أمناء وليس مجلس إدارة باعتبار أن ذلك من صفات الشركات.

 المادة 8/ثانيا وثالثا تشيران إلى أن رئيس الشبكة “يُعيَّن” من دون التطرق إلى كيفية تعيينه باستثناء أن مجلس الإدارة يختاره. هناك إشارة إلى أن التعيين يجري وفقا للقانون ولكن لا يمكن الجزم هنا في شأن ماهية القانون الذي سيجري تطبيقه في هذا المورد. يمكن الافتراض أو التكهن بأن الرئيس سيعين وفقا للمعايير القانونية التي يعين بموجبها رؤساء الهيئات المستقلة، وذلك على ضوء ما ورد في المادة 12 من أن رئيس الشبكة يتمتع بصلاحية رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة فيما يتعلق بشؤون الشبكة.

 ولكن لا يمكن الجزم أو القطع بذلك من دون وجود نص صريح في القانون يشير إلى طريقة التعيين، خصوصا وأن التمتع بصلاحية مساوية لرئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة لا ينطوي بالضرورة على تساوي المنصبين أو من يشغلهما في الترتيب الهرمي لجهاز الدولة. والملاحظات المدرجة هنا تنطبق نفسها على نائب رئيس الشبكة. ولم يحدد القانون الدرجة الخاصة لرئيس الشبكة إن كانت بدرجة وزير أم وكيل وزارة بينما حددت نائبه بدرجة مدير عام. 

  حميد الكِفائي