مجلة الهدى-شباط ٢٠١٥
التعامل الفعال والكفوء مع وسائل الإعلام يحتاج إلى معرفة تفصيلية بكيفية عملها وإدراك محدودية الوقت المتوفر لعرض الآراء أو المعلومات لذلك من الضروري أن يؤخذ هذا العامل بنظر الاعتبار عند الاشتراك في المقابلات الإذاعية والتلفزيونية، خصوصا المقابلات التي تبث مباشرة لأن المقابلات المسجلة يمكن التحكم بها لاحقا وإزالة الزائد منها.

ومن خلال متابعتي لوسائل الإعلام العراقية والعربية، وجدت أن كثيرين من السياسيين والإداريين والمسؤولين العسكريين والأمنيين لا يجيدون استثمار الوقت المتاح لهم في وسائل الإعلام، بل يضيعون على أنفسهم فرصا كثيرة للتعبير عن آرائهم وآراء من يمثلون من أحزاب أو مؤسسات أو منظمات.

من الضروري لكل من يحتاج إلى التحدث إلى وسائل الإعلام أن يناقش أفكاره مع نفسه أولا ويضعها في تعابير وجمل مفيدة كي يتمكن من إعادتها على المتلقين أثناء المقابلة بشكل سلس ومفهوم ومختصر لأن تشكيل الجمل والتعابير المقنعة الموجزة بشكل فوري أثناء المقابلة ليس سهلا على الجميع بل يحتاج إلى لغة قوية ثرية بالمفردات وهذه المزية لا تتوفر للجميع وليس ضروريا أن يتمتع بها كل مسؤول أو مدير أو قائد. بعض الأشخاص يبدد الوقت في إلقاء التحية على المشاهدين وباقي الضيوف والبعض الآخر يبدأ بترديد كلام عام غير ذي صلة، بينما يتحدث صنف آخر من الناس دون انقطاع ظانا أنه يستغل الوقت لمصلحته بينما عليه أن يجيب خلال وقت محدد ودون إطناب أو حشو غير ذي صلة لأن الإطناب والحشو، إن سمح به مدير البرنامج، فسوف يحرم الضيف من إيصال معلومات ضرورية إلى المتلقين لأنه يستغرق وقتا كان يمكن أن يستثمر في توضيح أمور أخرى مهمة.

 الشيء المهم الآخر هو أن يفكر المرء في الأسئلة المحتملة التي سيواجهها ويضع أجوبة لها في ذهنه كي لا يُفاجأ بها ويعجز عن الإجابة الشافية عنها. قد يقول قائل وكيف أعرف طبيعة الاسئلة وما يدور في ذهن الصحفي الذي سيقابلني؟ الجواب هو أنك لا تحتاج لأن تعرف طبيعة الأسئلة لكن إتقانَك معلوماتِك سيمكِّنُك من الإجابة على أي سؤال محتمل، ومتابعتك لما يطرح في وسائل الإعلام من تساؤلات حول الموضوع الذي تعتزم الحديث عنه ستساعدك على معرفة طبيعة الأسئلة التي ستواجهك، لأن الصحفي الذي سيقابلك لن يسألك عما يجري في جزر القمر أو ساحل العاج إلا إذا كانت هي موضوع المقابلة. يجب عليك، إذن، أن تُتقن موضوعك وتلِم به من كافة الجوانب وتعرف كافة التفاصيل المتعلقة به أو معظمها وعندها لن تعجز عن الإجابة عن أي سؤال. وحتى وإن كنت غير ملم في بعض جوانب الموضوع فإن عليك أن تستعد للأسئلة التي يمكن أن تطلب منك معلومات غير متوفرة لديك ويجب عليك أن تجيب عنها ربما بالقول إن هذه المعلومة غير متوفرة لديك حاليا.

 ليس عيبا ألا تكون ملما بكل شيء يخص موضوعك أو اختصاصك لكن العيب في إضاعة الوقت في غير المفيد ومحاولة التملص من تقديم أجوبة مقنعة. المتلقون لم يعودوا جهلة والناس أصبحوا يميزون إن كان المسؤول يقول الحقيقة أم أنه يسوِّف ويتهرب من الإجابة. لذلك فإن التهرب يضر بصاحبه أكثر من التصريح بعدم المعرفة أو عدم توفر المعلومة، والأفضل أن يقول المُقابَل الحقيقة وهي أنه لا يعلم أو أنه في طور التعرف على هذا المسألة.

قبل أيام شاهدت مقابلة تلفزيونية سأل فيها الصحفي ضيفه عن اسم الشخص الذي كان يعنيه في كلامه فتهرب الضيف من الجواب رغم أن من يقصده كان معروفا من سياق حديثه. لكن الصحفي ظل يلح بطريقة أشارت بوضوح إلى قلة خبرته في فن الحوار وفهم الأجوبة. الضيف رفض إعطاء المعلومة ولم يكن على حق في ذلك لأن الشخص الذي يتحدث عنه معروف لمعظم المتابعين، لكن إلحاح الصحفي كان سذاجة فائضة عن الحاجة ودليل على نقص التجرية وعدم حصوله على التدريب اللازم الذي يمكنه من إجراء مقابلة مفيدة وناجحة، وكان بإمكانه أن يوفر الوقت كي يسأل عن أمور أخرى لا أن يضيع وقت المشاهدين في أسئلة مكررة هو يعرف مسبقا أن الضيف لن  يجيب عليها.

بعض الناس يتعامل مع وسائل الإعلام وكأنها تبث إلى سكان الكواكب الأخرى وليس إلى بشر عاديين مثله فيتصنع الكلام والحركات والتعابير وينسى أنه يتحدث إلى ناس من أمثاله، بل إن كثيرين منهم أعلم منه بكثير، وما عليه إلا أن يكون طبيعيا ويتحدث بالشكل المعتاد الذي ألفه الآخرون عنه. ليس هناك مشكلة إن كان المرء لا يتقن اللغة الفصحى وعليه عندئذ أن يتحدث بلغته هو ولا يتصنع المعرفة أو البلاغة، ولكن يجب أن يتحدث بطريقة توصل المعنى بسهولة إلى المتلقين. شاهدت مقابلة مؤخرا مع إحدى الشخصيات، المحترمة دون شك، لكن الرجل أساء إلى نفسه من خلال الاستعراضات غير الضرورية لعضلاته وفنونه الجسدية ومعارفه الواسعة (في كل مجال طبعا).

أهم شيء يجب أن يفعله من يتحدث إلى وسائل الإعلام هو أن يكون متواضعا وألا يستعرض بطولات حقيقية أو متخيلة، لأن الاستعراض غير الضروري سيزعج المتلقين ويجعلهم لا يكترثون لما يقوله بل يعتبرونه إدعاءات غير قابلة للتصديق مهما كانت تلك الإداعاءات متواضعة. كما إن عليه أن يعترف بالخطأ إن كانت هناك ضرورة لذلك لأن مثل هذا الاعتراف سيزيد من مصداقيته.

أتذكر أن مسؤولا في إحدى الدول العربية كان يتحدث إلى وسائل الإعلام بعد وقوع حادثة مروعة في بلده وهي احتراق قطار بركابه المئات، وبدلا من أن يعبِّر عن اسفه العميق لما حصل ويتعاطف مع شعبه المكلوم ويعترف بالخطأ الفظيع الذي ارتكبته مؤسسته، أو الإهمال على الأقل، ظل يبرر بعبارات ساذجة كالقول إن مثل هذه الحوادث تحصل في (كل دول العالم)!!!

لقد كانت مأساة إنسانية مروعة لكن ذلك المسؤول البليد لم يعترف بخطأ مؤسسته أو مسؤوليتها عن الحادث أو كيف يمكن تجنب مثل هذه الكوارث مستقبلا، بل ظل يردد أن هذا يحصل في الدول الأخرى ما زاد من حنق الناس ضده وضد المؤسسة التي يمثلها. للأسف بعض الأشخاص يعتقد بأن من يجلس خلف الشاشة مجردون من العقول والعواطف وأنهم سيصدقون أي شيء يقوله. وحتى لو كان معظم الناس غير قادر على التحقق من صحة كلامه فإن هناك عددا منهم قادر على ذلك وإن هؤلاء يجب أن يُحترموا ويُؤخذوا بنظر الاعتبار حتى لو كانوا يمثلون واحدا في المئة من المجتمع.

الغريب أن كثيرين من المسؤولين في بلداننا لا يتدربون على كيفية التعامل مع وسائل الإعلام بل يأنفون من ذلك ويتوهمون أن هذا فن يقع ضمن قدراتهم الذاتية ولا حاجة لهم لتعلمه. إن هذا التفكير سيزيد من معاناتهم وفشل وتلكؤ مؤسساتهم أو أحزابهم أو منظماتهم، بينما بإمكانهم أن يتعلموا هذا الفن بسهولة وهناك دورات تقام في كثير من البلدان لتدريب المسؤولين سواء في الحكومة أو القطاع الخاص على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا يجد المسؤولون هناك، مهما علت مواقعهم ومكاناتهم، أدنى حرج في الانخراط في هذه الدورات لأن هدفهم الأساس هو إتقان الواجبات المناطة بهم وتأدية مهام وظائفهم على أكمل وجه، والمهنيون لا يترددون في العادة في فعل أي شيء يقودهم إلى بلوغ أهدافهم.