صرح الشاعر سعدي يوسف لجريد ة أخبار الأدب المصرية متباهياً “أنا الشيوعي الأخير” لماذا؟ لأن رفاقه حسب رأيه، لم يعودوا شيوعيين ماداموا قد شاركوا في حكومة الاحتلال الأمريكي في بغداد!

رائع، علينا الآن أن نتأمل هذا الكائن الغريب الذي يطل بترفع من عصر البراءة والنقاء والمشاعيات على زمن رديء ملوث بالاحتلال والعولمة واللبرالية، فهو درة الفكر، وأعجوبة الدهر، وعلينا أن نحفظ ملامحه جيداً، أو نركض به إلى أقرب مختبر للاستنساخ قبل أن ينقرض ويلحق بالديناصورات! ترى ما هي مواصفات هذا الشيوعي الأخير، النادر الوجود؟ إنه بمنتهى الطموح، لكنه حين طرح نفسه كأسطورة، استحال بين براثن واقع أكبر من مداركه إلى مجرد خرافة، كان قد أنزل إلى معدته الكبيرة نظريات ومفاهيم الشيوعيين وتراثهم، وقلبها بعصارته الهاضمة وما يكرع عليها من نبيذ وكحوليات إلى مقالات وقصائد بذيئة، ومعلقات جاموسية لا يعرف رأسها من ذيلها! واليوم تسقط حقيقته بين يديك كآخر ثمرة تبقت على شجرة جافة فاتتها المواسم والعواصف منذ زمن بعيد! وبذلك يمكن أن نعرف ودون تحامل أو مبالغة إن خرافته تقوم على أنه شيوعي دون شيوعية، ومناضل أو مجاهد دون نضال أو عمامة، وإلا فهل يعقل أن يكون الشيوعي الأخير ولا يعرف نظرية الشيوعيين رغم طنينه الكثير حولها؟ وإنه غير معني بالجدل الهيجلي المقلوب ولا الماركسي المصحح، ويستقي إلهامه من فقهاء الكباب والإرهاب في الفلوجة وسامراء؟ بينما رائحة الطائفية النتنة تعط من كلماته! ولا يرى أن التاريخ في العراق يصنع من تراكم جهود الكادحين العراقيين، سياسيين أو مثقفين القادمين من الحروب والمنافي للبناء والتطوير، لا السيارات المفخخة، وقطع الرؤوس؟ وإن الاحتلال ليس نهاية المطاف، وإن نقيضه كامن في داخله كما في خارجه وفي رؤى المناضلين وصراعهم السلمي، وإن التغير النوعي للعراق المتخلف طويلاً يقتضي زمناً تاريخياً هو ليس الوقت الذي يقضيه في كتابة هذيانه على الإنترنيت، ولا الوقت الذي يتبضع فيه من سوقه اللندني!
إنه يعرف أن لينين قبل بصلح بريست مع الألمان، رغم ما فيه من إذلال لروسيا الكبيرة المعتزة بكرامتها مع جراح الحرب والفقر، وما كشفته الوثائق الأخيرة أن لينين جاء بقطار ألماني، وبمصاريف ألمانية من منفاه الأوربي إلى بطرسبرج! لا لينفذ مطامحهم طبعاً بل ليفجر ثورة البلاشفة لأنها كما قال لم تعد تحتمل التأخير ساعة كما لم تكن تحتمل التقديم ساعة! ويعرف أن ا ستالين قد تحالف مع هتلر سراً في البداية، كما تحالف ”ثورجية” القومية والإسلام مع صدام سراً وعلناً، ثم حين انتهى هتلر من ابتلاع الدول المجاورة والتفت لاحتلال بلاد السوفيت هرع ستالين للتحالف مع روزفلت وتشرشل، ولولا جبروت بلديهما وعمقهما الجغرافي والاقتصادي لما استطاع ستالين ذو الشاربين العظيمين دحر النازية وإبعادها عن القلعة الثورية الاشتراكية للطبقة العاملة آنذاك، ولما انبثقت ما سميت بمنظومة الدول الاشتراكية، التي تخرج الكثير من المثقفين العراقيين من جامعاتها ولم يعرف هو منها سوى حاناتها ومنتجعاتها! ويعرف أن فهد مؤسس وقائد الحزب الشيوعي العراقي قد اقترب في تلك الأيام الصعبة المعقدة من النظام الملكي بل وتحالف ضمنياً معه، وساند حكومة نوري السعيد بوصفها إحدى المواقع الخلفية لجيوش الحلفاء، وحصل الشيوعيون على حرية نسبية في العمل وكان ذلك بالطبع بوحي أو تنسيق بين السوفيت والبريطانيين! ولم يكن فهد يشعر إنه يخون قضيته أو وطنيته على العكس كان ينظر بمرونة وبعد نظر!
وإن هذا الكائن الخرافي قد أوجع دماغه كثيراً في تأمل تاريخ العالم، وعرف أن هيجل حين رأى نابليون يدخل بجيشه بلاده، ألمانيا، ويطيح بحكامه المستبدين، قال إنه رأى بنابليون روح التاريخ تسير على صهوة حصان أبيض!وإن هذا الفيلسوف الكبير تقبل مصير بلاده لا كعقاب التاريخ، ولا كمأساة من القدر، بل استحقاقاً موضوعياً محتماً سيفضي لمستقبل أفضل!
كما إن هذا المخلوق الخرافي الذي عاش في باريس ردحاً من الزمن وابتلى الشعراء الشباب العراقيون بنزواته هناك يعرف أن ديغول دخل باريس على دبابة أمريكية، وإنه كان يدير نضال بلاده ضد النازيين من لندن وبين الإنجليز أعداء بلاده التقليديين وإن ذلك لم ينتقص من وطنيته بل هو حتى اليوم يعد أبو الوطنية الفرنسية، وإن الحزب الشيوعي الفرنسي في أدبياته قد تحدث آنذاك عن أممية معسكر الحرية كما هي أممية الطبقة العاملة!ويعرف جيداً أن إيطاليا واليابان وألمانيا نفسها معقل الحروب والغطرسة العالمية آنذاك لم تحرر إلا بالدبابات الأمريكية، والسوفيتية!وإن اليابان رغم نكبتها الكبرى بهيروشيما ونكازاكي تعاملت مع الأمريكيين بموضوعية وعقلانية، فهي قد أخذت منها ما تجاوزت به آلامها وبنت به اقتصادها وحضارتها، ورفضت ما يخل بهويتها ونقاءها الروحي!ومن تاريخ العرب هو يعرف حد الإلهام أن امرؤ القيس شاعر العرب الأول قصد ملك الروم يطلب منه العون لينصره على أهله وأقاربه، وقصيدته:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه  وأيقن أنا لاحقان بقيصرا

تعبر الآن عن حال قادة الأمة العربية جميعاً! وهو إذ يلوّح
بيديه الناصعتين من معتزله الإنجليزي لإرهابي الفلوجة، واللحى المحناة بدماء الأبرياء فإنه يعرف تاريخ الإسلام والمسلمين!
ويعرف صلح الحديبية، وإن النبي محمد اشترى السلاح من اليهود ليقاتل به أولاد عمومته أبناء قريش لأنهم وقفوا بوجه دعوته الإسلامية، وإنه استنجد بالنجاشي المسيحي وأرسل له رجاله ليحميهم في الحبشة من بطش القبائل العربية، وكان تصرف المسيحيين الأحباش قبل مئات السنين أكثر تحضراً وكرماً من تصرف الأبطال المسلمين في الفلوجة واللطيفة مع ضيوفهم المسيحيين! وإنه قلب صفحات التاريخ العربي والإسلامي ووجد عهوداً طويلة وحقباً من الحكم في بغداد و دمشق و القاهرة و المغرب والأندلس، بينها المزدهر وبينها المنحط لم تتم بمعزل عن احتلالات وتواطئات ومساومات، ونظم الحكم الحالية في بلداننا العربية هي في أسسها وركائزها مصنوعة من قبل الأجنبي الأمريكي غالباً!
ورغم إنه خرافة قادمة من جزر الواق واق إلا إنه يعرف تفاصيل وجزئيات تاريخ العراق الحديث، وأن ثورة العشرين ضد الإنجليز أطلقها رجال كبار، علماء، ناضجون ظلوا يتداولون حولها لما يزيد عن ثلاث سنوات دائرين ما بين النجف والبصرة وكربلاء وبغداد والموصل، إي أنها كانت بقرار وطني واسع ناضج، ولم تعلنها في سبع ساعات حفنة من المراهقين والإرهابيين في الفلوجة وبعقوبة وتكريت تحركها شراذم قدمت للعراق ممولة من النظامين المهترئين في إيران وسوريا في محاولة يائسة لتأجيل يوم خلاص شعبيهما منهما! وهو يعرف أن هذه الثورة قد فشلت، وندم عليها كثيرون من قادتها إذ المشروعية لا تعني التكافؤ، لكنه يقول إن المثقفين العراقيين آنذاك كانوا أكثر نضجاً لأنهم انخرطوا في ثورة العشرين، ولا يقول أن المثقفين العراقيين آنذاك كانوا أكثر نضجاً لأنهم انبروا لبناء الدولة العراقية، ومؤسسات المجتمع المدني والهياكل الديمقراطية التي تعرف العراق عليها لأول مرة من الإنجليز بعد خروجه من دياجير العثمانيين، حتى أجهز عليها العسكر عام 1958!

وهو يأخذ على الشاعر الزهاوي إنه لم يقارع الاحتلال، ويلحق الرصافي بالمقاومة (لذلك فهو الشاعر، مثله تماماً) جاهلاً أن الرصافي يتقزز من أفكار هذ ه الطغم الدينية المعتوهة وإنه كان الأقرب للفكر الحر، وكان علمانياً، وبالطبع هو لم يقرأ كتابه الجريء (السيرة المحمدية) فهو منشغل بالسيرة الزرقاوية! ولكن ماذا عن تاريخه الشيوعي مادام قد توج نفسه الشيوعي الأخير؟
لقد وقع براءته من الشيوعية وحزبها قبل أكثر من أربعين عاماً وغادر العراق متنقلاً بين الجزائر ولبنان واليمن وبعض الدول الأوربية، (يقول إن علي صالح السعدي أطلق سراحه وهو حتى اليوم يفخر بوصفه له بالشاعر التقدمي ) عاد للعراق فترة قصيرة في عهد الجبهة وعمل (إضافة لوظيفته في وزارة الإعلام) صحفياً في جريدة طريق الشعب، براتب لم يكن يناله الصحفيون الشيوعيون والذين كان معظمهم يعملون مجاناً، كان مدللاً لدى قياديين في الجريدة عرفوا بفسادهم، خرج من العراق مرة أخرى بعد حملة ملاحقة الشيوعيين، ولقي الرعاية والدلال نفسه وكان يجيد ابتزاز أولياء أمره الحزبيين، لم يقدم في حياته فلساً واحداً تبرعاً للحزب، ولم يتحمل قسطاً نضالياً ولو ضئيلاً على العكس كان يريد دوماً أكبر رعاية واهتمام من الحزب بينما كان الشيوعيون وأصدقائهم يتضورون جوعاً في سوريا أو كردستان، بل كان مستعلياً على الشيوعيين يعاملهم بعجرفة ويسخر من نضالهم، لا ليقدم البديل الأفضل، بل ليكرس أنانيته ويفرض شطحات مزاجه العكر عليهم، في إحدى أزماته الشخصية مع أحد الشيوعيين لعن الحزب كله وكتب قصيدة في هجائه بعنوان (بخرابه أرضى)! في المنافي كان يحمل في جيبه رسائل حميد سعيد له كتعويذات يستنجد بها في مماحكاته المعهودة، وقد وصل الغزل المتبادل بينه وبين النظام ذروته العاطفية عندما أزمع شد الرحال إلى بغداد ملبياً نداءاته له ووعده إنهم سيحتفون به كما احتفوا بالجواهري بحفل خاص في صدر القناة مع راتب ضخم، وبيت فخم وامتيازات أخرى، وقد سارع شيوعيون لاستعادة شيوعيهم الأخير من عمان، لكن غزو صدام للكويت هو الذي أفسد عليه مشروعه في وضع نفسه كلياً في خدمة صدام، وهاهو يواصله اليوم عبر (القدس) جريدة صدام الأخيرة أيضاً، ومع ذلك استمر قادة في الحزب الشيوعي بمداراته على ديدنهم في تبجيل من يجرحهم، وتجريح من يحترمهم!
الشيوعي الخرافي الأخير غير مبتهج أن ينابيع الحرية أخذت تتدفق في أرض العراق تحت شمسه الساطعة وسمائه الزرقاء، لا يلوثها إلا دخان وغبار الانتحاريين المجانين وسادتهم القتلة وراء الحدود، ولا ببنى مؤسسات المجتمع المدني تشمخ مطاولة المآذن التي أحالها المتطرفون العدميون إلى أبواق للموت والخوف والظلام، لا إلى فنارات ضوء كما كانت، وبمفاهيم حقوق الإنسان تعبق في شوارع وبيوت ومؤسسات العراق لأول مرة طاردة الهواء الفاسد القديم، والنساء ينطلقن للعمل والدراسة ملقيات الحجاب والنقاب الذي ارتدينه تخلصاً من شهوات وسعار صدام وابنيه وأزلامهم، وحملتهم الإيمانية الزائفة من جهة أخرى!الأديان والقوميات والطوائف، العرب والكرد والتركمان والكلدوآشوريين في اصطفافات الوعي والمسئولية، مهما تفجر من عقد الماضي وأن الحرب الطائفية والأهلية لم تقع، ولن تقع!والفدرالية والوحدة الوطنية تتعانقان كالجبل والسهل!الشيوعي الأخير يشيح بصره عن هذه المنجزات وكأنها أفراح أعدائه وليست أفراح وطنه، ولا يرى سوى الدبابة الأمريكية في شوارع بغداد!
الشيوعي الأخير غير فرح بكون الحزب الشيوعي العراقي الآن مشارك في صنع المصير العراقي ولديه مقر في كل محافظة وبلدة وأعضاؤه، وأنصاره يتمتعون بحرية لم يتمتعوا بها في العراق في أي وقت مضى، بل إن حريتهم في العراق المحتل هي أكثر من حرية الشيوعيين الروس، في روسيا التي قادوها لثلاثة أرباع القرن!
الشيوعي الأخير لم يقف مع شيوعيي بلده ولا مع غيرهم من العلمانيين والديمقراطيين والأحرار الآخرين، لقد اختار أن يقف مع هيئة علماء الخاطفين ومع عصابات القتل والنهب والسلب وإعاقة الحياة ومع المرضاوي وخبيلات والحمارنة والخصاونة والمصفر، إنه بالطبع خيار بائس، سيندم عليه يوماً، فالناس لا تغفر لمن يطعنها في محنها ويمضى يزايد على آمالها وعذاباتها!
العراقيون لا يريدون من يعلمهم الوطنية فهم يعرفونها منذ أقدم الأزمنة، وقد تعلمها كثيرون منهم، فكيف يأتي إرهابيون وقتلة محاولين تعليمهم الوطنية ؟ من يدرك الوطنية الحقة هو من يعمل على إنهاء الاحتلال بأسلم الطرق وأقل الخسائر! ولا يفرط بهذه الأساليب الهوجاء والشريرة بدماء العراقيين وثرواتهم!
الشيوعي الأخير سيجفل إذا قلنا أن أمريكا لو لم تقدم للعراقيين سوى الفضائيات والإنترنيت لكان هذا مبرراً عظيماً لقدومها إلى العراق مع جيوشها الجرارة، رغم ولعه بالكومبيوتر ومعرفته أي بحر من الظلمات كان يغرق بها شعبنا! وأي فصام وعزلة متوحشة ضربهما صدام عليه فنخرت روحه وبدنه وكادت تفنيه تماماً!
لو كانت الدبابة الأمريكية قد جاءت لتسلب من العراقيين الحريات العظيمة والمنجزات الإنسانية التي حققها لهم صدام وثرواتهم الهائلة التي لم يسرقها هو وأولاده، لانبرى الجميع يتصدون لها، ولكن من يقارع الأمريكيين اليوم هم من فقدوا وظائفهم وقصورهم وجواريهم وغلمانهم وأموالهم ومزارعهم التي حصلوا عليها سابقاً دون وجه حق وارتضوا أن يكونوا حاضنة ومرتزقة لحروب الآخرين في طهران وبغداد!
كان صدام مستعداً لتقبيل حذاء بوش لو أبقاه في السلطة، ومن حسن حظ العراق إن الإدارة الأمريكية الحالية قد نسفت كلياً تحالف الإدارات الأمريكية السابقة مع صدام ونظامه!
ترى ماذا كان حال العراق لو كانت أمريكا قد جددت تحالفها مع صدام ضد شعبنا ووطننا؟
بالطبع كان سيبقى صدام أحد قادة الأمة الميامين أو مجرد دكتاتور، وستخترع له فضائل كثيرة أخرى فوق أكاذيب مثقفيه المزيفين، أما قادة العراق اليوم، وهم الذين يتصدون لتركة ماض معقد ثقيل، فقد تفنن الشيوعي الأخير ومن معه في الجوقة في رجمهم!
تحتاج الشعوب في أوقات محنها، ومواجهاتها للمنعطفات الحادة والمعقدة، لمثقفيها ومبدعيها، يلتقطون لها نبض الأشياء بدقة ويدركون روح العصر ويؤشرون للطرق الكبرى والاتجاهات الصحيحة، ومن حسن حظ شعبنا أن لديه اليوم في الداخل والخارج صفوة عريضة رائعة من المثقفين ينهضون بهذه المهمة العظيمة والصعبة، يؤازرهم نخبة ذكية رائعة من المثقفين العرب يشكلون بحق ضمير العرب الشرفاء، غير مكترثين بما يعشش في تجاويف الأرض من عناكب وعقارب وسكاكين طويلة، ولحى أطول، ولكن الشيوعي الخرافي لم يكتف بالتنصل من هذه المهمة بل فضل الاسترخاء بين جوقة من المطبلين مرسلاً إشاراته وألعابه البهلوانية محاولاً عبثاً، قلب الحقائق وتضليل البعض ودفعهم لمزالق الموت والضياع!
الشيوعي الأخير الخرافي يعرف كل هذا وأكثر بكثير بل هو عالم ملم بكل شيء، ما ظهر وما خفا، ولكن لماذا يصر على أن يصل إلى استنتاجات منطقية معكوسة لكل هذه الوقائع والأحداث والمفاهيم، وبالتالي مواقف وتصرفات خاطئة؟ من الواضح إن قناعتين تنازعانه، قناعة داخلية أفلتت منه مرة بقصيدة نشرها يطالب فيها بلير المبادرة لإسقاط صدام واعداً إياه بسؤدد ومجد عظيم. وأخرى ركبها هذه الأيام مغازلاً بها القومية العربية (المرحة اللعوب رغم العار الكثير)، ولأسباب شخصية تتعلق بجوائز الشعر، والإيروتيك العربي وأغاني (والله زمان يا سلاحي) التي لا تقوم إلا على أساس دغدغة ما تحت الإبط  والجيوب، وتحت الغدد المتورمة بالشعارات العنجهية، غير مكترث لمنجزاتها المتجلية اليوم في أشلاء الفلسطينيين  وبيوتهم المهدمة وعويل نسائهم العاجزات النائحات بين شارون وعرفات!
من خلائق هذا الشيوعي الأخير إنه يرتضي لنفسه أن يكرع الفودكا كل يوم وكل ساعة على حساب المستر بلير والإمبرياليين الإنجليز، ولا يجيز للمثقفين العراقيين في الخارج أو الداخل أن يشربوا ماء دجلة والفرات لأنهما الآن حسب فتواه في ظلال بوش وبلير!
الأمر بالطبع يتعلق بضمير المثقف ومتانته الخلقية والروحية! لا حسنة لخرافة هذا الشيوعي الأخير سوى أنها قادرة أحياناً على إثارة الضحك!
الشيوعي الأول أطلق حلمه الجميل ومضى بصمت متوارياً في أعماق أزمان سحيقة، لا يدري بأية أشواك أو قبور أو براكين تعثر حلمه وانكسر، أما الشيوعي الأخير فهو لم يظهر بعد، إذ هو حتى لو تمسك بأيدلوجيته تحجراً أو لخيال مشتعل عنيد فإنه سيكون صادقاً على أي حال، مستعداً لقول الحقيقة، ولن يكون مجرد خرافة على هيئة شاعر محتال، أو مناضل دجال.