الحياة-٢٧-١١-٢٠١٤

أهمّ ما يميز رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي هو معرفته واهتمامه بالاقتصاد، وهذا الأمر كان شبه غائب في السياسة العراقية إذ كانت مهارات الزعماء تقاس بمعرفتهم في الشؤون السياسية والعسكرية والأمنية. وقد يكون من حسن الصدف، للعراقيين وليس العبادي، أن يتزامن توليه المسؤولية أثناء أزمة اقتصادية خانقة.

ما زال الأمن يشكل الهاجس الأول لرئيس الوزراء، بل إن اهتمامه بالاقتصاد سيحتم عليه الاهتمام بالأمن، فاستتبابه يشكّل العامل الأهم في التنمية الاقتصادية. كما أن إجادة اللعبة السياسية أمر ضروري لاستقرار الاقتصاد وقد يكون وراء اهتمام العبادي بالتوافق السياسي وتقوية علاقات العراق الإقليمية والدولية وسعيه إلى تثبيت الأمن والتعاون مع الأطراف ذات العلاقة هو فهمه العميق للاقتصاد العالمي ومعرفته أن عالم اليوم يعتمد على التنافس الاقتصادي بين الدول والشركات، وإن الاعتماد على صادرات النفط وإن فرضتها الحاجة الآنية للبلاد، فإنها لن تكون بديلاً عن التنمية الاقتصادية المستدامة لأن بناء اقتصاد عصري يعتمد على المساهمة الفاعلة في الاقتصاد العالمي.

انخفاض أسعار النفط في هذا الظرف الحساس الذي يمر به العراق يمثل تحدياً خطيراً، فبعد أن كانت إيرادات العراق من النفط تتجاوز ١٢٠ مليار دولار في السنوات السابقة، أصبحت الآن لا تتجاوز ٧٠ ملياراً كحد أقصى. وزير النفط الجديد، عادل عبد المهدي، يقول إن صادرات العراق النفطية لن تتجاوز مليونين ونصف مليون برميل في اليوم بعدما كانت ثلاثة ملايين ونصف مليون، وذلك لتأثر الإنتاج بالنشاطات الإرهابية في بعض المناطق.

أما الأسعار فتدنّت كثيراً وقد تتدنى إلى أقل من سبعين دولاراً للبرميل. الأوضاع الأمنيّة تحتّم على الحكومة إنفاق المزيد على الجهد العسكري لمواجهة الجماعات الإرهابية، وهذا النزيف الاقتصادي والبشري سيؤثر من دون شك في قدرات العراق المالية. من جهة أخرى انتشرت أعمال الخطف في بعض مناطق بغداد وهي أعمال تقوم بها عصابات إجرامية تهدف إلى كسب المال بالدرجة الأولى وعادة ما تستهدف المقتدرين مالياً، لكن هذه الجرائم عادة ما تنتهي بقتل المخطوف بعد دفع الفدية.

وتستغل هذه الجماعات حالة الاستنفار السائدة في البلد لمواجهة الجماعات الإرهابية، وهي تدعي الانتماء إلى هذا الفصيل أو ذاك لكن الجميع يتبرأ منها. إن لم تضربها الحكومة بيد من حديد وبسرعة فإنها ستُحدِث خللاً كبيراً في الدولة والمجتمع. هذه الجماعات الإجرامية أخطر بكثير من «داعش» لأنها تضعف المجتمع من الداخل، ومن يدري فقد تكون مرتبطة بالجماعات المسلحة المعروفة.

بإمكان الحكومة أن تواجه الأزمة المالية بعدد من الإجراءات الضرورية خصوصاً مع عدم إمكانية الحد من الإنفاق في المجالين الأمني والعسكري، بل هناك حاجة لإنفاق المزيد. قد تكون هناك مجالات للتقشف، منها ربما خفض الرواتب العالية في بعض الوزارات والمؤسسات، ولكن أي بلد يمر في حالة حرب يحتاج لإنفاق المزيد من الأموال للتغلب على الأزمات الداخلية والخارجية. 

وأول هذه الإجراءات الاقتراض محلياً أو دولياً، لكن هذا لن يأتي من دون ثمن. فالاقتراض الخارجي يأتي بشروط خصوصاً إذا كان من صندوق النقد أو البنك الدوليين، وهذه الشروط تتعلق بالإنفاق الداخلي والدعم الذي تقدمه الدولة لبعض المواد الأساسية. أما الاقتراض الداخلي فهو الآخر يحتاج إلى إصدار سندات ذات ربح مرتفع وتقديم تسهيلات كبيرة إلى المستثمرين تجعل من مخاطراتهم بأموالهم مجزية.

الإجراء الآخر هو محاولة إنتاج المزيد من النفط لكن هذا سيكون على حساب أسعار النفط التي ستتدنى أكثر فأكثر عند زيادة العرض، لذلك فإن هذا الإجراء ربما لن يجدي نفعاً بل من الأفضل أن يلتزم العراق تعهداته تجاه شركائه في منظمة «أوبك» خصوصاً وأن اثنين منهم جاران مهمان له.

الإجراء الضروري الآخر هو إصلاح النظام الضريبي وتحسين إجراءات جباية الضرائب ومستحقات الدولة المالية. حالياً، لا تجبي الدولة إيراداتها بدقة بسبب سوء إجراءات الجباية وتدهور الخدمات التي تُقَدَّم للمواطنين كالكهرباء والهاتف والماء والخدمات الصحية والبلدية. لكن تحسين أداء النظام الضريبي يحتاج ابتداء إلى تحسين الخدمات ثم تقديم حوافز معينة إلى دافعي الضرائب كي يتعاونوا مع الإجراءات الجديدة وهذه الحوافز ستكون على شكل إعفاءات ضريبية، غير أن هذا لن يؤتي ثماره على الأمد القصير.

هناك إجراءات أخرى منها تحسين الخدمات التي تقدمها الدولة حصرياً كخدمات النقل الجوي الداخلي الذي يعاني من تعثر ورداءة في الخدمة. وبسبب الوضع الأمني المتدهور ورداءة الطرق البرية وخطورة التنقل البري لمسافات طويلة خصوصاً شمال وغرب وشرق بغداد، فإن هناك حاجة ملحة للنقل الجوي لكن عدد الطائرات الناقلة للركاب قليل حالياً ولا يلبي الحاجة المتزايدة للعراقيين، وطالما لجأ كثيرون إلى تغيير خططهم من السفر الداخلي ليستعيضوا عنها بالسفر إلى الخارج بسبب توافر الرحلات الجوية الخارجية وقلة الرحلات الداخلية. ويزداد الطلب على النقل الجوي أيام العطل إذ يسعى كثيرون لقضاء العطلة في مدن أخرى في الجنوب أو الشمال، وتحسن أداء قطاع النقل الجوي سيساهم كثيراً في تنشيط السياحة وزيادة إيرادات الدولة.

هناك ضرورة لتنشيط الاقتصاد العراقي عبر المشاريع الصغيرة وتشجيع القطاع الخاص من أجل تخفيف الأعباء عن القطاع العام، وكذلك تسهيل عودة العراقيين المقيمين في الخارج من أصحاب الكفاءات والأموال خصوصاً أن كثيرين منهم مستعدون للعودة.  

كما يجب العمل بجد على استقطاب المستثمرين الأجانب وتهيئة الظروف المواتية لدخولهم إلى السوق العراقية، لكن هذا سيحتاج إلى تعاون وثيق بين القوى السياسية العراقية للقضاء على الفساد وتحسين البيئة القانونية والأداء القضائي لإشعار المستثمرين بالأمان. هناك أيضاً حاجة للتواصل مع الوكالات والمنظمات الدولية من أجل رفع مستوى العراق في المؤشرات الاقتصادية التي تؤخذ بنظر الاعتبار عند اتخاذ الشركات قرارات الاستثمار. 

التحديات التي تواجه العراق لا شك كبيرة ولكن لا بديل متوافراً أمامه غير السير بقوة في طريق الإصلاحات الاقتصادية والسعي الجاد للانخراط في الاقتصاد العالمي وكسب ثقة دول العالم وشركاته ومستثمريه. لكن هذا لن يحصل دون استمرار التوافق الحالي بين الفرقاء السياسيين.

http://alhayat.com/Opinion/Writers/5899959/العراق–تحديات-أمنية-واقتصادية-خطيرة-تواجه-العبادي