مجلة الهدى: تشرين الأول 2014

العالم كله أصبح يحارب جماعة داعش الإرهابية وحليفاتها والدول العظمى بدأت ترسل طائراتها لمحاربة الجماعة من الجو بينما تخشى إرسال جنودها خوفا من تكبد الخسائر البشرية. العراق وسوريا، تقاتلان داعش منذ عامين بجيشين جرارين وطائرات ودبابات وأسلحة ومئات الآلاف من الجنود، وقد قدما آلاف الضحايا، ورغم ذلك فإن داعش مازالت بيننا تشن الهجمات وتحتل القرى والمدن. هناك إذن خلل قاتل يجب علينا أن نكتشفه قبل فوات الأوان. ليس تقليلا من خطر هذه الجماعة الإرهابية، ولكن ليس من المعقول إننا جميعا بكل قدراتنا الهائلة ومعنا العالم كله لا نستطيع أن نُلحِق الهزيمة بجماعة إرهابية مكونة من بضعة آلاف من المجرمين ممن لا هدف لهم سوى القتل والتخريب وفرض همجية لا تمت إلى أي دين أو منطق بصلة.

المطلوب منا أن نستعد ونتدرب ونقاتل ونضحي فهذا هو قدرنا، وكل المنصفين من جميع أنحاء العالم يقفون معنا… لن يستطيع أحد أن يهزم داعش نيابة عنا فهذه مشكلتنا بالدرجة الأساس ونحن المتضررون منها أكثر من غيرنا، رغم أنها أصبحت مشكلة عالمية خصوصا وأن الكثيرين من أعضاء هذه الجماعة الإرهابية وغيرها قد جاءوا من بلدان أخرى وأن هناك دولا تساندها وتسلحها وتمولها.

نعم، على المجتمع الدولي أن يضطلع بمسؤوليته في محاربة داعش ولكن علينا نحن تقع المسؤولية الكبرى لأننا المتأثرون بجرائمها أكثر من غيرنا. بإمكاننا أن ننسق مع  الدول الأخرى ونستعين بقدراتها وخبراتها، ولكن علينا أن نعلم أن العبء الأكبر يقع علينا نحن فهذه الجماعة قد جاءت للقضاء علينا وتمزيق بلدنا وقتل أبنائه وتخريب مدنه وإفقار أهله وإرهابهم وترويعهم. يجب أن تكون لدينا فرق مقاتلة قديرة مدربة بشكل جيد ومؤمنة بقضيتها كي تدافع عن وجود العراق وشعبه. للأسف بعض جنودنا هرب من ساحة المعركة بسبب الجهل وعدم الاستعداد وغياب الرؤية الوطنية، لكن الهرب لن ولم ينقذ أحدا، فقد قُتل الهاربون في اللحظة التي تخلوا فيها عن أسلحتهم وتوهموا أنهم سينجون بأنفسهم. ولكن في الوقت نفسه سطر كثيرون من جنودنا أروع الأمثلة في الشجاعة والإيثار وحاربوا ببسالة واستشهدوا دفاعا عن الوطن والشرف.

علينا أن نعلم أن داعش ليست وحيدة في الساحة فهناك من يساعدها ويمولها ويدرب مقاتليها ويمدها بالسلاح والمال وهناك من يبرر أفعالها الشنيعة ويفتي لصالحها وهناك من يتهرب من إدانتها أو يدينها بفتور أو شروط. ومازالت داعش موجودة وتقاتل فإن هناك من يقف وراءها ويساندها. إنها معركة مصير بالنسبة لنا جميعا ويجب أن تستنفر كل القوى والخبرات والأموال والجهود من أجل الحفاظ على العراق وأهله ومن أجل أن يعيش العراقيون حياتهم مثل باقي الشعوب. الانتصار على داعش ممكن بل وحتمي وقد تصدت دول أصغر وأضعف من العراق لأخطار مماثلة أو ربما أكثر تهديدا وانتصرت عليها.

للأسف نحن لم نستعد للدفاع عن أنفسنا بما فيه الكفاية… قواتنا الأمنية مازالت تتبع الأساليب البدائية السابقة نفسها ومازال كثيرون من الشرطة غير منتبهين لما يجري من حولهم وتفوتهم الكثير من الفرص ويمر من بينهم الإرهابيون بأسلحتهم ومتفجراتهم دون أن يكتشفوا أيا منها. هذه مأساة ويجب أن يأخذ القادة الأمنيون والعسكريون والسياسيون هذه الامور بنظر الاعتبار ويحاسبوا المسؤولين عن كل الاختراقات الأمنية التي تحصل كل يوم. 

ما زال رجال الشرطة يعملون 12 ساعة في اليوم ويقومون بتفتيش آلاف الناس والسيارات يوميا وهذا ليس صحيحا وليس ممكنا فليس هناك من لديه القدرة على العمل المتواصل 12 ساعة أو حتى ست ساعات في الحر الشديد أو البرد القارس. كما إن من غير الممكن بل ومن غير المجدي تفتيش السيارات كلها والأشخاص كلهم والمنازل والمتاجر كلها يوميا، هذا مستحيل. ولكن ليس مستحيلا تفتيش 10% منها تفتيشا دقيقا وليس صعبا مداهمة الأمكنة والسيارات المشكوك بها وتفتيش الأشخاص المشكوك بهم. وليس مستحيلا أن تنصب كاميرات على وجه السرعة في مفارق الطرق والأماكن المزدحمة كي تسجل ما يجري ثم تُحلل صورها ومعلوماتها بدقة. عندما يكون عملنا دقيقا وهادفا وموجها، عندها سنتمكن من إلحاق الهزيمة بالعدو. 

نحن بحاجة إلى ابتكار أساليب أمنية جديدة من وحي التجربة ورحم المعاناة كي نحمي أنفسنا وبلدنا وأجيالنا. الأساليب الحالية غير مجدية ويجب أن تتوقف فورا وتستبدل بأخرى أكثر جدوى. يجب أن تنسق قوى الأمن مساعيها مع المواطنين كي تطلعهم على كيفية التعاون معها لتبادل المعلومات ومتابعة المشبوهين. هناك متعاونون مع الإرهاب من الحاقدين والمرضى الذين يسيرون على مبدأ (إن متُّ ظمآنا فلا نزل القطرُ) والظمأ بالنسبة لهم هو أن يرتوي الآخر ويعيش حرا فلا يرضيهم غير إذلال الآخرين. وهناك أيضا من تطبعوا على الخيانة والغدر وهناك ضعفاء أمام الإغراءات والرشاوى التي يقدمها الإرهابيون. يجب الحذر من هؤلاء ومراقبتهم لأن الإرهابيين لا يعملون منفردين فهناك من يسهِّل أمرهم من أجل المال أو بسبب الحقد أو الخوف أو اللامبالاة وهؤلاء هم الخطر الحقيقي.

مراجعة خططنا الدفاعية وأساليبنا الأمنية واجب مقدس عند الفشل وقد فشلنا في التخلص من الإرهاب أو الحد من أخطاره وعلينا الآن أن نعيد النظر فورا في وسائل دفاعنا. إنها معركة مصير ووجود ويجب أن نوظف كل شيء من أجلها ولن نربحها دون تضحيات وخسائر قد تكون كبيرة. لا مكان بيننا للمرجفين والخائفين والانهزاميين والنصر دائما حليف المؤمنين الصامدين.