بلغني اليوم نبأ صادم هو وفاة الصديق العزيز المفكر اللبناني هاني فحص… لا أدري ماذا أقول، لكن لبنان بعد هاني فحص سيكون مختلفا بالنسبة لي على الأقل… لقد كان الراحل من أكثر المفكرين الإسلاميين جرأة، على الأقل من الذين عرفتهم… كانت آخر مرة التقيته فيها قبل أقل من عامين وقد أجريت معه مقابلة مسجلة لكتاب اعتزم نشره في العام المقبل… لقد عبر فيها عن أفكار جريئة حقا كما هي عادته، فلم يجامل ولم يخشَ في قول رأيه لومة لائم.

أتمنى أن أنشر تلك المقابلة المسجلة معه ولكني لن أنشرها إلا حينما أجد إذاعة تستحقها. هاني فحص مفكر شيعي ليبرالي، عمل مع الحركة الوطنية الفلسطينية وكان صديقا شخصيا للعديد من المفكرين والزعماء العرب… رافق الراحل ياسر عرفات في رحلته إلى إيران لمقابلة الإمام الخميني بعد أسبوع واحد من انتصار الثورة الإسلامية هناك. كسب عيشه من خلال العمل والكتابة وعاش صديقا للمعتدلين من كل الديانات والثقافات…

كان مؤمنا إيمانا عميقا بالحوار والتعايش مع الآخر المختلف وإصلاح العقائد الدينية كي تكون مناسبة للواقع والعصر. أشاد بأفكار المفكر السوداني حسن الترابي ورجل الدين الشيعي محمد مهدي شمس الدين لأنهما امتلكا الجرأة لتغيير أفكارهما لتلائم الواقع. عاش هاني فحص وسط الشيعة ناقدا للكثير من أفكارهم وسياساتهم ولم يتعرض له أحد بالإساءة، على خلاف رجال دين آخرين معروفين…

عاش بتواضع منسجما مع نقاده وأصدقائه فلم يجامل أو يساير أو يعادِ أحدا في أفكاره التي ظل وفيا لها طيلة حياته… زرته آخر مرة وكان برفقتي أخي المرحوم حسن (الصورة أعلاه) الذي كان وقتها يتلقى العلاج في بيروت… خاطبه قائلا لا تخشَ المرض فكثيرون شفوا منه وأتمنى أن تكون من الناجين. لم ينجُ أخي حسن وتبعه السيد هاني بعد عام ونصف تقريبا… لقد عاش هاني فحص حياة ملؤها العطاء والوفاء والتواضع.. وداعا يا أستاذي وصديقي…