صدام اختزل العراق بعائلته وأقاربه وأصهاره وكان ذلك سبب سقوطه أخلاقيا وسياسيا

مجلة الهدى-أيلول ٢٠١٤

 ما زال كثيرون في مجتمعاتنا يعتقدون أن شغل الموقع الرسمي هو إنجاز شخصي وأن الهدف الأول منه هو تحقيق المكاسب الشخصية أو العائلية وأحيانا المناطقية أو الحزبية، والدليل على ذلك هو أن هؤلاء يستهلون نشاطاتهم بإصلاح أمورهم الشخصية وتعيين أقاربهم في الدوائر التي يديرونها، بينما يعتبر هذا فسادا في الدول الأخرى.

وعندما يقول أحدنا لهم إن هذا خطأ ويجب عدم تعيين الاقارب وأفراد العائلة وتفضيلهم على الناس الذين يفترض أنكم جئتم لخدمتهم، فإنهم يردون عليك بالقول إن أفراد عوائلهم وأصدقاءهم “هم أيضا من الشعب ويحق لهم العمل والاستفادة”! وهذه طبعا كلمة حق يراد بها باطل كما قال الإمام علي (ع).

صحيح أن الأقارب والأصدقاء من الشعب ولهم الحق في العمل والتوظف، ولكن لا يحق لهم أن يحرقوا المراحل ويُنصَّبوا في مواقع رسمية من قبل أقاربهم دون أهلية. وحتى وإن كانوا مؤهلين فإن من يقرر ذلك ليس أقاربهم من المسؤولين بل لجنة مهنية تُجري اختباراتٍ أصولية للمتقدمين لشغل المواقع العامة.

من نافلة القول إن الموقع الرسمي هو للخدمة العامة فقط وليس الشخصية، مع حفظ الحقوق الشخصية للأفراد كالراتب ومتطلبات المنصب الأخرى. وإن كان قد أصبح مقبولا في العراق أن يأتي المسؤولون بأقاربهم للتعيين في مجالات مثل الحماية الشخصية أو السكرتارية، بسبب الوضع الأمني المتدهور، ولو أنني اعتقد أن بالإمكان الإتيان بأشخاص ثقاة من خارج دائرة الأقارب والأصدقاء، فإن من غير المقبول أن يبقى المسؤول متقوقعا في دائرته الضيقة، العائلية والقبلية والحزبية والمناطقية، لأن هذا ليس في صالح البلد والمجتمع، وكل من يتقوقع في هذه الدائرة هو لا يصلح في الحقيقة للموقع العام الذي يهدف إلى خدمة الناس أولا وأخيرا.

يجب أن يتحرر من يتصدى للموقع العام من الانحيازات والتفضيلات الشخصية ويتعامل مع منصبه كمؤسسة عامة تابعة للناس جميعا وإن وجوده هو لخدمة هؤلاء الناس وليس لخدمة نفسه أو عائلته أو منطقته أو حزبه. وإن كان من صلاحياته ملء الشواغر الوظيفية فإن عليه الإتيان بموظفين أكفاء قادرين على خدمة الناس الذين تعتبر خدمتهم الهدف الأساس من إنشاء المنصب ابتداءً، وليس الاتيان بمن تتطابق أمزجتهم مع مزاجه أو بمن يريدهم أن يستفيدوا من الوظيفة لأسباب غير مهنية كأن تكون شخصية أو عائلية وحزبية.

لدى بعضنا ازدواجية فيما يتعلق بهذه الأمور. فمن ناحية هو يريد أن ينجح في عمله، وهذا هدف أي إنسان في الحياة، لكنه من ناحية أخرى يأتي بالأشخاص الذين يقودونه إلى الفشل. إن كان الموظفون أو العاملون من الأقارب أو الأصدقاء فمن الصعب اتخاذ قرارات عقابية ضد المقصرين منهم بسب الروابط العائلية والشخصية. فمن يريد النجاح في عمله عليه أن يأتي بالأكْفاء وذوي الخبرة لأنهم سيقودونه إلى النجاح حتما.

في بريطانيا مثلا تسمح الضوابط الرسمية للنواب فقط، وليس المسؤولين في الدولة، بأن يوظفوا بعض أفراد عائلاتهم في دوائرهم الخاصة، فالنائب عادة يفتح دائرة، تسمى (عيادة- surgery) في المنطقة التي انتخبته كي يتواصل مع ناخبيه ويتعرف على مشاكلهم ومطالبهم، وفي هذه الدائرة يحق له أن يوظف ثلاثة أشخاص كحد أقصى، ومن حقه أن يأتي بزوجته مثلا، أو أحد أبنائه أو بناته، للمساعدة في أعمال السكرتارية ويدفع لهم راتبا من المخصصات المرصودة له في هذا المجال، لكن الأمر يتوقف عند الدائرة الخاصة للنائب فقط. أما المسؤولون في الدولة أو المؤسسات العامة الأخرى، وحتى الشركات الكبرى، فلا يحق للمديرين حتى تعيين الموظفين العاديين، حتى إن كانوا أكْفاء، بل إن التعيينات تتم عبر لجنة مهنية تختار الأفضل للموقع من بين متقدمين كثيرين للوظيفة عبر إجراء مقابلات واختبارات عديدة لهم لمعرفة من هو الأصلح منهم للوظيفة.

علينا نحن في العراق أن نفعل الشيء نفسه إن أردنا أن نخدم شعبنا وأن نطور بلدنا. يجب أن نتجنب تعيين الموظفين على أسس غير مهنية لأن النتيجة ستكون إلحاق ضرر بالدولة والمجتمع وهذا ليس هدفَ أيٍ منا. كثيرون يعتقدون أن تعيين الأقارب والأصدقاء سينفعهم ولكن الحقيقة هي العكس. النفع يتحقق فقط عند تعيين الأكْفاء وذوي الخبرة في المواقع المناسبة.