مجلة الهدى آب 2014 

الأمريكيون أقاموا المنطقة الخضراء التي نعرفها الآن والتي تقع داخل منحنى نهر دجلة بين الصالحية وكرادة مريم شمالا والحارثية غربا ثم النهر المحاذي للكرادة جنوبا وشرقا والجادرية جنوبا. وسبب إقامتهم لها أنهم غرباء لا يعرفون من أين يأتيهم الخطر فلجأوا إلى هذه الطريقة البدائية في حماية أنفسهم في العراق.

في واشنطن ليس هناك من حاجز على البيت الأبيض وبإمكان أي شخص أمريكي أو أجنبي أن يصل إلى الباب دون تفتيش. والولايات المتحدة تعاني من الإرهاب أيضا ولا ننسى أن حادثة ١١ أيلول ٢٠٠١ قد حصلت في نيويورك وواشنطن وهناك حوادث إرهابية أخرى سبقتها ولحقتها.

وفي بريطانيا أيضا لا مانع لأحد من الوصول إلى مقر الحكومة في المبنى رقم عشرة في شارع داونينيغ، وكلنا نتذكر حادثة ٧ تموز عام ٢٠٠٥ الإرهابية في لندن التي استهدفت ركاب القطارات والحافلات الأبرياء والتي قام بها متطرفون متشدقون بالدين الإسلامي وهو منهم براء. وفي فرنسا لا أحد يمنعك من الوصول إلى بوابة قصر الأليزيه الذي يقطنه الرئيس الفرنسي وهذا هو الحال في معظم دول العالم.

نعم العراق يمر بظروف أمنية استثنائية وهناك حاجة ملحة للحذر وحماية المؤسسات والشخصيات المهمة ولكن هل ساعد وجود المنطقة الخضراء على التخفيف من هذه الظروف أم ساهم في تفاقمها؟ معظم الوزارات والمؤسسات العراقية المهمة تقع خارج المنطقة الخضراء، بما فيها وزارات الداخلية والمالية والنفط والصحة والإعمار والإسكان والتعليم العالي والبحث العلمي والتربية والعلوم والتكنولوجيا ‪والثقافة  والنقل والعدل والبيئة والموارد المائية والزراعة والاتصالات وحقوق الإنسان والبلديات والأشغال العامة والعمل والشؤون الاجتماعية والتخطيط، والكثير من المؤسسات المهمة الأخرى، كما يسكن مسؤولون كبار كثيرون خارج المنطقة الخضراء وقد تمكنت الدولة من حمايتهم دون عناء.  

وجود المنطقة الخضراء يعرقل السير ويقطع الطرق ويسبب زحامات شديدة لا داعي لها وهذه الزحامات تسببت في تفاقم الوضع الأمني فالإرهابي الذي يفجر نفسه وسط الزحام يقتل عددا أكبر من الناس ويدمر عددا أكبر من السيارات والممتلكات لذلك تجد أن معظم التفجيرات الإرهابية تحدث أوقات الزحام في الصباح أو المساء بقصد زيادة عدد الضحايا والخسائر. لذلك من الضروري أن نقضي على الزحامات وأسبابها كي نسهل إنسيابية السير والأعمال ونريح الناس من العناء ونوفر عليهم وقتهم وجهدهم.

لقد ساهمت المنطقة الخضراء في زيادة معاناة الناس وإضاعة وقتهم في الزحامات والاضطرار لتغيير مسارات رحلاتهم اليومية لتجنب المرور فيها، دون أن تقدم حلا لأي مشكلة.

وبالإضافة إلى المشاكل المذكورة أعلاه هناك الانطباع السيء الذي يعطيه وجود المنطقة الخضراء للعراقيين والمجتمع الدولي عن الحكومة والنظام السياسي وهو أن الحكومة والطبقة السياسية العراقية معزولة تماما عن جماهيرها بل خائفة منها لأنها تسكن المنطقة الخضراء المحصنة التي لا يستطيع المواطن العادي الدخول إليها دون تصريح خاص… فهل هذا ما تسعى إليه الطبقة السياسية العراقية في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العراق؟

الغريب أنه حتى الكتل السياسية المعارضة التي تنتقد الحكومة ليل نهار لا تعارض وجود المنطقة الخضراء إذ لم يثِره أحد منها حتى الآن، فهل يا ترى ستبقى المنطقة الخضراء أبد الدهر بيننا، قاصمة بغداد في الظهر، أم سيأتي حاكم جريء يوما لإلغائها وإعادة لم الشمل لبغداد وأهاليها؟ نتمنى أن تلغى الحواجز في أقرب فرصة كي يتولى الناس والشرطة حماية المسؤولين ومؤسسات الدولة عبر الخطط الأمنية الحديثة بدلا من إقامة الحواجز الاسمنتية وإغلاق الطرق.

الحكومة المقبلة مطالبة بإلغاء هذه المنطقة التي تسيء إلى الحكومة والشعب في آن. إنها منطقة عزل وفصل بين المواطنين على أسس غير عادلة لا نريد الدخول في تفاصيلها في هذا المقال، لذلك يجب إزالة العوائق أمام المواطنين جميعا وإعادة اللحمة إلى بغداد. الشعب يريد التضييق على الإرهابيين وملاحقتهم عبر طرق حديثة ومبتكرة وليس عبر التضييق على الناس جميعا. لا أحد يعارض تشديد الحراسة على الأماكن المهمة والحساسة كالسفارات ومباني الوزارات والمؤسسات ومساكن المسؤولين الكبار فهذا أمر ضروري ومطلوب بل يدخل ضمن واجبات الحكومة والشعب معا.

إلغاء المنطقة الخضراء  ودمجها مرة أخرى ببغداد مطلب شعبي، وهو في الوقت نفسه يساعد على تحسين صورة النظام السياسي بأجمعه، خصوصا صورة الحكومة في نظر الشعب، ويساهم في إزالة الفوارق بين الحاكم والمحكوم… ومن شأنه أيضا أن يسهل أعمال الناس وانسيابية السير في بغداد ويقلص من الوقت الضائع والجهد الذي يبذله رجال الشرطة في قطع الطرق ومنع غير المرخص لهم من دخولها، لكنه بالتأكيد إجراء يتطلب جرأة كبيرة تأمل أن تكون حاضرة مستقبلا.