الحياة- الأربعاء- ٢٢ تموز ٢٠١٤

بعد أن حُلّت معضلة رئاسة البرلمان العراقي الأسبوع الماضي، بانتخاب الدكتور سليم الجبوري رئيساً، تأتي المعضلة الثانية في النظام السياسي العراقي المعقد، ألا وهي انتخاب رئيس الجمهورية الذي يجب أن يحصل على غالبية الثلثين في مجلس النواب وفق الدستور. لكن فشل المرشح في الحصول على الغالبية في الجولة الأولى سيجعل الانتخاب سهلاً في الجولة الثانية لأنه سيكون حينئذ بالغالبية البسيطة كما حصل عند انتخاب الرئيس جلال الطالباني في تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠. 

الكرد منقسمون على مرشحهم للرئاسة، والعرب أيضاً منقسمون على الموضوع نفسه، على رغم أن الطرفين متفقان على أن المرشح يجب أن يأتي من الاتحاد الوطني الكردستاني الذي فشل هذه المرة في تقديم مرشح واحد للمنصب، ربما بسبب غياب الرئيس الطالباني الذي كان يعالج في ألمانيا منذ مطلع العام الماضي.

هناك مرشحون عدة لهذا المنصب، كلهم أكراد ينتمون إلى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الطالباني. ومن أبرز هؤلاء الدكتور نجم الدين كريم، وهو طبيب عاش في الولايات المتحدة لسنين طويلة ويشغل منذ ثلاث سنوات منصب محافظ كركوك الذي أبدى فيه مهارة ونجاحاً كبيرين، إذ بقي يتمتع باحترام كل مكونات المحافظة القومية والدينية.

والواضح من أداء كريم كمحافظ لمحافظة مهمة فيها تنوع قومي وديني شديد، أن شعوره الوطني العراقي هو المهيمن على تصرفاته. نجاحه في إدارة كركوك يؤهله لتولي منصب رئيس الجمهورية لأن كركوك نموذج مصغر للعراق في تنوعها القومي والديني وفي التعايش السلمي لمكوناتها في ظل قيادته لها.

النجاح في إدارة كركوك خلال مرحلة اتسمت بالاضطراب والاستقطاب السياسي والقومي والديني سيكون أساساً مهماً للنجاح في رئاسة العراق لكنه ليس كافياً له. فالساحة السياسية الوطنية أكثر تعقيداً من محافظة صغيرة مثل كركوك.

المرشح البارز الآخر هو الدكتور برهم صالح، رئيس حكومة كردستان السابق والذي شغل أيضاً مناصب عدة في الحكومة الاتحادية بينها نائب رئيس الوزراء في حكومة الدكتور أياد علاوي عام ٢٠٠٤ ثم في حكومة السيد نوري المالكي الأولى خلال ٢٠٠٦-٢٠٠٩ ووزيراً للتخطيط في حكومة السيد إبراهيم الجعفري عام ٢٠٠٥. تعرفت إلى الدكتور برهم صالح في لندن عام ١٩٨٨ في إحدى التظاهرات الاحتجاجية على الهجوم الكيماوي على مدينة حلبجة الكردية الذي شنّه نظام صدام حسين في ١٧ آذار (مارس) ١٩٨٨، ثم التقينا مرات عدة في نشاطات معارضة للديكتاتورية وأتذكر أننا أمضينا ليالي عدة في اعتصام أمام السفارة الأميركية في لندن في ربيع ١٩٩١ بعد فشل انتفاضة آذار ١٩٩١ ولجوء مئات الآلاف من المنتفضين العراقيين إلى الجبال في الشمال وإلى الصحراء في الجنوب، إذ كان صالح من أنشط المعارضين الكرد وأكثرهم اتصالاً بوسائل الإعلام الأجنبية لجرأته وقدراته اللغوية المتميزة.

تولى صالح المسؤولية للمرة الأولى عندما كان في أواسط الثلاثينات من عمره إذ أصبح رئيساً للحكومة في الجزء الشرقي لإقليم كردستان (محافظة السليمانية). وقد استطاع أن يقدم نفسه للعراقيين والغربيين كسياسي وطني ليبرالي، مستخدماً لغة ديبلوماسية توفيقية، وما ساعده في ذلك إجادته اللغتين العربية والإنكليزية إجادة تامة.

ويمكن القول إن برهم صالح سياسي كردي طموح ولديه علاقات عراقية ودولية واسعة، لكنه لا يحظى بدعم كل أعضاء حزبه في مسعاه الحالي، ولا بين سياسيين كثيرين في بغداد يخشون علاقاته الدولية، وقد يكون صغر سنّه (٥٤ عاماً) عائقاً آخر يمنعه من تولي المنصب الأعلى في الدولة حالياً.

المرشحان الآخران اللذان دخلا السباق أخيراً هما الدكتور فؤاد معصوم والسيد عدنان المفتي، وكلاهما خَبُر المناصب القيادية منذ فترة طويلة. فقد ترأس معصوم حكومة السليمانية الأولى في التسعينات ثم المجلس الوطني العراقي الذي خلف مجلس الحكم عام ٢٠٠٤ وكان نائبه حينذاك رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي الذي تربطه به علاقة عمل قديمة، إذ كان معصوم المشرف على رسالة المالكي للماجستير من جامعة صلاح الدين قبل عقدين من الزمن.

كما أصبح معصوم رئيساً موقتاً للبرلمان عام ٢٠١٠ إذ أشرف على انتخاب رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي. أما عدنان المفتي فيترأس برلمان الإقليم منذ سنوات عدة وهو، مثل معصوم، شخصية هادئة ومقبولة عربياً على رغم أنه لم يتولَّ منصباً فيدرالياً حتى الآن، بل بقيت علاقاته محصورة في إقليم كردستان، وهذه إحدى نقاط ضعفه: فإن انتخب رئيساً، فسوف ينتقل إلى بغداد للمرة الأولى ليتعرف إلى سياسييها. 

التوافقات وليس المؤهلات أو الخبرات هي التي تقرر من هو الرئيس المقبل للعراق، وعلى رغم أن فؤاد معصوم هو المفضّل لدى العرب بسبب خبرته السياسية الطويلة، فإن المرشحين الآخرين لديهم أيضاً مؤيدوهم وقد يصبح أي منهم رئيسا للجمهورية، وهو منصب شرفي يتمتع بصلاحيات شكلية وإن كانت مهمة.

لكن ما قد يحسم الخلاف هو الاتفاق على مرشحي رئاسة الجمهورية والوزراء في سلة واحدة، فقد يقبل غالبية العرب بمرشح الكرد للرئاسة إن قبل الكرد بمرشح التحالف الوطني لرئاسة الوزراء، لكن الأخير لم يحسم حتى الآن وسوف يستغرق وقتاً وجهداً كبيرين بسبب الخلافات العميقة حوله بين الكتل السياسية. إن عودة الرئيس الطالباني معافى إلى العراق ستساعد من دون شك في حسم الموضوع لأحد رفاقه القدامى الذين يطمئن لإخلاصهم له ولحزبه، وأقربهم اليه في نظر كثيرين هو الدكتور نجم الدين كريم الذي أشرف على علاجه، إضافة إلى رفيق دربه المجرب الدكتور فؤاد معصوم.

http://alhayat.com/Opinion/Writers/3719462/الطالباني-إذ-يختار-خليفته-لرئاسة-العراق

  الصورة، مقر بي بي سي لندن ٢٠٠٢ (من اليمين) : فؤاد معصوم، حسن أبو العلا-مدير العلاقات- بي بي سي العربية، غيمون ماكليلان-مدير بي بي سي العربية، جلال طالباني، باقر معين-مدير بي بي سي الفارسية، حميد الكفائي-بي بي سي العربية