الحياة، ١١ يوليو/ تموز ٢٠١٤ 

أزمة تشكيل الحكومة تحل مرة ثالثة على العراق في وقت يمر فيه بأزمة أخرى هي الأخطر حتى الآن في نظر كثيرين، فالجماعات المسلحة تسيطر على ثاني أكبر محافظة عراقية، بالإضافة إلى مدن أخرى مهمة، وتهدد مدنا ومحافظات أخرى.

الكتل البرلمانية لاتزال مختلفة اختلافاً حاداً على مرشحي الرئاسات الثلاث، الجمهورية والوزراء والنواب. لكن الخلاف الأكبر هو حول رئاسة الوزراء. ائتلاف دولة القانون الذي يقوده نوري المالكي فاز بأكثر المقاعد مقارنة بالكتل الأخرى (٩٥مقعداً) بينما حصد المالكي شخصياً أعلى الأصوات في بغداد (٧٢١ ألفاً). لكن هذا وحده لا يكفي لأن هناك معارضة شديدة من الكتل الأخرى. التحالف الكردستاني واتحاد القوى الوطنية والأحرار والمواطن والوطنية تعارض التمديد للمالكي على رغم اعترافها أن رئيس الوزراء يجب أن يأتي من الائتلاف الذي يقوده. المالكي يرفض التخلي عما يراه حقه الانتخابي.

رئاسة الجمهورية معروضة على الأكراد في محاولة لثنيهم عن إعلان الدولة الذي يطمح إليه رئيس الإقليم مسعود البارزاني، وقد يثير هذا الموضوع خلافاً حاداً بين الكتل الكردية المختلفة على توقيت إعلان الاستقلال. فإن مضوا جميعاً إلى الاستقلال فإن منصب الرئيس سيكون هو الآخر محل خلاف بين الكتل النيابية العربية. 

رئيس البرلمان السابق، أسامة النجيفي، أعلن أنه لن يرشح لرئاسة البرلمان، «استجابة لضغوط خارجية». لكن رئاسة البرلمان ليست زعامة وطنية كرئاسة الحكومة التي تضطلع بقيادة البلاد وتمثيل العراق وطنياً ودولياً. إنها إدارة مؤسسة مهمة تمثل الشعب العراقي، لكنها ليست جهة موحِّدة للعراقيين وليس مطلوباً منها أن تكون كذلك.

أما الحكومة فيجب أن تكون موحَّدة لأنها جهة تنفيذية لا تتحمل الاختلاف في المواقف، وأي تباين فيها يقود إلى ضعف الدولة وعدم استقرارها كما يحصل في العراق منذ عشر سنوات. من لا ينسجم مع الحكومة يجب ألا يشترك فيها بل يعارض من داخل البرلمان أو خارجه، وهذا ما جرت عليه الأعراف السياسية.

بقاء المالكي في السلطة أمر خلافي بين الكتل السياسية والعراقيين عموماً، لكن مغادرته إياها هو الآخر أمر خلافي خصوصا بعد فوزه في الانتخابات. مؤيدوه يعتبرون مغادرته الآن انتصاراً لقوى الإرهاب وتجاوزاً لصناديق الاقتراع التي تفوَّق فيها على منافسيه جميعاً وحصل على أصوات أكثر من السابق. لكن التفوق في الانتخابات لا يكفي وحده لقيادة العراق كما تشير التجارب السابقة. إياد علاوي حقق تفوقاً في الانتخابات السابقة لكنه لم يحصل على رئاسة الوزراء. مع ذلك، لم يخسر موقعه كزعيم وطني له أتباعه ومريدوه، وسيبقى المالكي زعيماً وطنياً حتى وإن تنازل عن رئاسة الوزراء لأحد أعضاء ائتلافه أو حزبه.

الشخص المرجح لخلافة المالكي هو الدكتور حيدر العبادي، وزير الاتصالات الأسبق والقيادي في حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه المالكي. والعبادي يحظى باحترام جميع الكتل السياسية العراقية ولم يعرف عنه التطرف أو الآراء المتشنجة. كما يتمتع بثقافة واسعة ومعرفة تفصيلية في الشؤون السياسية مقارنة بمنافسيه الآخرين، إذ عاش ودرس وعمل في بريطانيا لربع قرن ولديه رؤية واضحة حول ضرورات الدولة العصرية التي لا تتناقض في رأيه مع الإسلام السياسي.

لكن العبادي لا يبدو مكترثاً للزعامة السياسية ولم يسعَ لأي منصب على رغم أنه جاء في المرتبة الثانية بعد المالكي في انتخابات قيادة حزب الدعوة. وقد يكون زهده السياسي أحد الأسباب التي جعلت اسمه لا يتردد كثيراً بين المتنافسين على رئاسة الوزراء. 

البديل الآخر هو الدكتور طارق نجم، الذي شغل مدير مكتب رئيس الوزراء منذ ٢٠٠٦ حتى ٢٠١١. تمكن نجم من بناء علاقات طيبة مع معظم السياسيين العراقيين واستعان به رئيس الوزراء للتفاوض مع الكتل السياسية المختلفة عند الأزمات. وقد اكتسب خبرة من تجربته في الإدارة خلال السنوات الثماني الماضية، وشعبية داخل حزب الدعوة مكنته من الارتقاء إلى قيادة الحزب. قد يكون نجم المفضل لدى المالكي لأنه سيواصل سياساته ولن يتنصل منها باعتباره كان جزءاً منها.

علي الأديب هو الآخر مرشح قوي، فهو أحد زعماء حزب الدعوة التاريخيين، وكان مرشحاً للمنصب عام ٢٠٠٦ إثر تخلي إبراهيم الجعفري عنه لكنه تخلى عنه لأسباب شخصية. هل سيقبل به الآخرون بعد تجربته المثيرة للجدل في وزارة التعليم العالي التي أكسبته خصوماً كثيرين بعد «تطهيره» الوزارة من المحسوبين على النظام السابق؟ يبدو لي أن الجواب كلا.

هناك بدلاء محتملون آخرون للمالكي منهم الدكتور خلف عبد الصمد، محافظ البصرة السابق الذي فاز في الانتخابات الأخيرة بأعلى الأصوات في المحافظة (١٢٠ ألفاً) ويعتبر من المعتدلين المقبولين لدى الكتل الأخرى. وهناك عدنان الأسدي، الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية وزميل المالكي في الخلية الجهادية لحزب الدعوة أيام المعارضة، وقد فاز هو الآخر بأعلى الأصوات في محافظة المثنى. خبرة الأسدي في مجال الأمن تؤهله للمنصب لأن التحدي الأكبر الذي يواجه العراق اليوم هو إقرار الأمن.

هل سيتخلى المالكي، الفائز في الانتخابات، عن منصبه في وقت يواجه فيه العراق تحديات كبرى وتخضع أجزاء مهمة منه لسيطرة الجماعات المسلحة؟ سيكون الأمر صعباً جداً عليه وعلى حزبه وائتلافه ومؤيديه، لكن الأصعب أن تتشكل حكومة برئاسته بوجود معارضة شديدة من الكتل الأخرى.

قد يكمن الحل في تكليف مرشح آخر لتشكيل حكومة جديدة على أن تبدأ عملها مطلع العام المقبل بينما يستمر المالكي حتى نهاية العام لإكمال ولايته الثانية التي بدأت نهاية عام ٢٠١٠. عندها سيحصل على الوقت الكافي لاستعادة الأجزاء التي يسيطر عليها الإرهابيون حالياً، ولا يغادر السلطة مهزوماً. الحل الآخر هو تشكيل حكومة غالبية سياسية برئاسة المالكي لكنها ستواجه عراقيل جمة مع تصميم خصومه على إسقاطها كما هدد بذلك النجيفي، ما يعني استمرار الأزمات والمصاعب لأربع سنوات أخرى. العراق يواجه تحديات خطيرة تهدد بتفككه بينما يواصل سياسيوه عراكهم على المناصب متجاهلين كل هذه الأخطار التي ستودي بهم جميعاً.

http://alhayat.com/Opinion/Writers/3523069/العراقيون-إذ-يصارعون-أزمتين-في-آن