لم يشهد الشعب العراقي في تأريخه الحديث تلاحما ووحدة في المواقف كتلك التي شهدها بعد سيطرة الجماعات الإرهابية على الموصل. فلم يتردد حزب أو كتلة أو منظمة أو جمعية أو جماعة في إدانة الإرهاب ودعم الجيش العراقي في معركته مع المجاميع الإرهابية التي لا تريد غير إشاعة القتل والخراب والكراهية في العراق. 

 

نعم هناك من أعمت الأحقاد أبصارهم وصارت مواقفهم تنسجم مع داعش (على طريقة اقتلوني ومالكا) لكن هؤلاء قلة ولا يعتد بهم وبمواقفهم.

 

صدمة الموصل أيقظتنا حقا، مسلمين ومسيحين وأيزيديين وصابئة، شيعة وسنة، عربا وأكرادا وتركمان، إسلاميين وعلمانيين. أيقظتنا أن أعداء الحياة لا يفرقون بيننا. 

 

إنهم يستهدفوننا جميعا لذلك علينا أن نتوحد كي نهزمهم ونحن قادرون فعلا على إلحاق الهزيمة بهم. فهم قلة ونحن كثرة وهم حمقى ونحن عقلاء وهم يبتغون إشاعة الكراهية والموت والخراب والظلم والتخلف ونحن نبتغي إشاعة الحب والحياة والبناء والعدل والتقدم. الفروق بيننا وبينهم كثيرة وأساسية ولا يمكن إزالتها إلا بإقتلاعهم من جذورهم لأنهم أعداء الحياة، بينما الاختلافات بيننا قليلة وطبيعية ويمكن التعايش معها دون صعوبة.

 

 

 

الإرهابيون يعيشون في عالم خاص بهم. فهم متشنجون ورافضون لأي نوع من التعايش مع الآخر. هم يعتقدون أنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة ومن يختلف معهم لا يستحق الحياة. إنها عقيدة مدمرة تنم عن مرض نفسي خطير يُقدَم للعالم على أنه دين وشريعة، والدين منهم ومن أمراضهم براء.

 

ليس هناك دين في العالم يدعو إلى القتل وإلغاء الآخر. القرآن صريح في قبوله واحترامه للآخر وتلك الآيات القرآنية واضحة وبينة لأولي الألباب.

 

دعونا من تفسيرات ما حصل في الموصل من هزيمة، ومهما كانت التفسيرات والتبريرات، فهناك حقيقة واحدة وهي إن الإرهاب ليس صديقا لأي منا، وإن الإرهابيين لن يرحموا أيا منا. وكل الذين سكتوا أو تغاضوا أو تواطئوا مع الجماعات الإرهابية إنما هم يدينون أنفسهم ويخونون وطنهم وضمائرهم ودينهم ومذهبهم، أيا كان الدين أو المذهب الذي يتبعونه. الموت أثناء الدفاع عن النفس او الوطن شرف لكل إنسان. ولا سعادة ترتجى من عيش في ذل وخنوع.

 

 

 

لا وقت للوم أو العتاب. إنه وقت العزم والحزم والاستعداد والوحدة ومواجهة التحدي. إنها معركتنا جميعا من أجل البقاء. وفي هذه المعركة دعونا نكون منصفين حتى مع خصومنا. فمن تاب وارعوى، وغادر الأحقاد والكراهية ولم تتلطخ يداه بدماء الأبرياء، فأهلا به في أحضان الوطن الذي هو وطن الجميع باستثناء الذين يردون خرابه ودماره.

 

كما يجب أن ننتبه أيضا إلى أن المعركة ليست بين المكونات العراقية المتعايشة منذ مئات السنين، بل هي بين فريقين لا ثالث لهما. فريق التخلف والتعصب والدمار والموت وفريق التقدم والانفتاح والبناء والحياة. وفي هذه المعركة، علينا أن نستخدم الأسلحة الحقيقية  كي ننجح في إلحاق الهزيمة بالعدو، والطائفية هي سلاح يستخدمه خصومُنا ضدنا  لذلك يجب ألا يكون لها مكان بين أسلحة المعركة.