الحياة ٢٨ أيار ٢٠١٤ 

ما زالت الكتل البرلمانية العراقية تتحدث عن كتلة وهمية اسمها «التحالف الوطني» التي شُكلت بُعيد انتخابات عام ٢٠١٠. هذه «الكتلة» المفككة أصلاً لم تعد قائمة في الحقيقة ومكوناتها مختصِمة ولا توجد بينها مشتركات سياسية، بل هي غير قادرة على التفاهم في ما بينها، حالها حال «القائمة العراقية» السابقة التي تفككت رسمياً إلى مكونات جديدة.

الكتلة الأكبر في «التحالف الوطني» هي كتلة «دولة القانون» التي يقودها رئيس الوزراء نوري المالكي والتي حصلت على ٩٥ مقعداً في الانتخابات الاخيرة. الكتل الأخرى هي الأحرار (٣٤ مقعداً) التي تتبع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، والمواطن (٣١) التي يقودها رجل الدين الشيعي عمار الحكيم، والفضيلة (٦) التي تتبع رجل الدين الشيعي محمد اليعقوبي، والإصلاح (٦) بقيادة رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري. 

وإذا استثنينا «الفضيلة» و «الإصلاح» اللتين ستنضمان إلى «دولة القانون» أو تؤيدان موقفها بخصوص المرشح لرئاسة الوزراء، فإن الكتلتين الكبريين الأخريين، الأحرار والمواطن، لن تقبلا بزعامة «دولة القانون» للكتلة الشيعية بل ستضغطان باتجاه استبدال السيد المالكي بشخص آخر لم تتفقا عليه حتى الآن. المواطن لديها مرشحها لرئاسة الوزراء، وهو السيد باقر جبر الزبيدي، والأحرار لديها أكثر من مرشح كنائب رئيس البرلمان، قصي السهيل، ومحافظ ميسان علي دواي.

«دولة القانون» لن تقبل بإملاءات كتل صغيرة حول منصب رئاسة الوزراء وستصر على بقاء السيد نوري المالكي لولاية ثالثة. إن لجأت مكونات «التحالف الوطني» إلى التصويت لتحديد من هو المرشح لرئاسة الوزراء، وهو الخيار الديموقراطي الوحيد المعقول، فإن مرشح «دولة القانون»، وهو السيد المالكي، هو الذي سيفوز، ما يعني أن باقي المكونات لن تحصل على مبتغاها وهو رئاسة الوزراء. 

الحل الأمثل لهذه الكتلة التي نشأت في ظروف استثنائية قبل أربعة أعوام هو أن تُحل رسمياً لأنها مفككة عملياً، لتفسح المجال لتشكيل كتل أخرى أكثر انسجاماً. بإمكان دولة القانون أن تتحالف مع كتل من مكونات مجتمعية أخرى لتشكيل الحكومة بدلاً من الإصرار على البقاء في تحالف شكلي مبني على أسس طائفية. التحالفات الجديدة التي ستبنى على أسس سياسية، ستكون أكثر انسجاماً مع بعضها سواء بقيت في المعارضة أم شكلت الحكومة. 

القوى السنّية الفائزة في الانتخابات تسعى الى تشكيل كتلة جديدة على أنقاض «القائمة العراقية» التي تشظت إلى مكونات عدة. والكتلة السنية الجديدة المسماة «الاتحاد» مكونة من كتل «متحدون للإصلاح» بقيادة رئيس البرلمان، أسامة النجيفي، وهي إسلامية التوجه وحصلت على ٢٣ مقعداً، و «العربية» بقيادة صالح المطلك، وهي قومية التوجه وحصلت على١٠ مقاعد، وكتلة «الوفاء للأنبار» بقيادة المحافظ قاسم الفهداوي (٤)، وكتلة «ديالى هويتنا» (٤) وكتل أخرى مناطقية صغيرة. وهذه الكتل هي الأخرى مختلفة في كل شيء ولا يجمعها جامع سوى الهوية المذهبية.

التحالفات المذهبية تجاوزها الزمن ولم تعد محط اهتمام أو احترام المجتمع العراقي، والمطلوب في المرحلة المقبلة تحالفات سياسية قوية من كتل برلمانية أكثر انسجاماً كي تتمكن من العمل سواء في الحكومة أو في المعارضة.

يجب إعادة تشكيل الخريطة السياسية العراقية على أسس جديدة، وليس هناك أقدر من الكتلة الأكبر، دولة القانون، التي تمسك بالسلطة حالياً، على القيام بذلك. تشكيل الحكومة المقبلة يحتاج نظرياً إلى ١٦٥ مقعداً، وعملياً ربما إلى ١٨٠ أو أكثر كي تتمتع الحكومة بقاعدة برلمانية أوسع. وهذا يعني أن دولة القانون ستكون بحاجة إلى جمع ٨٥ مقعداً لدعمها في تشكيل الحكومة المقبلة، وهذا ليس صعباً لأن هناك الكثير من الكتل الأخرى، مثل العربية والاتحاد الوطني الكردستاني والتغيير والوفاء للأنبار والفضيلة والإصلاح والوفاء العراقي والعراق، بل وحتى الوطنية بقيادة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي (٢١ مقعداً)، لا تمانع من الائتلاف مع دولة القانون وفق شروط محددة لتشكيل تحالف جديد يقود الحكومة المقبلة. 

أما كتل الأحرار والمواطن ومتحدون والحزب الديموقراطي الكردستاني، فبإمكانها أن تشكل مع كتل أخرى صغيرة تحالفاً عابراً للطوائف والأعراق لقيادة المعارضة البرلمانية. إن مشاركة الكتل السياسية جميعها في الحكومة والمعارضة في آن قد أضرت كثيراً بالحكومة والمعارضة على حد سواء ويجب تجنب ذلك مستقبلاً.

مرشح دولة القانون سيشكل الحكومة المقبلة من دون شك، لأنه مرشح الكتلة الأكبر وليس من المعقول أن تفوز كتلة في الانتخابات بينما تشكل الحكومة كتلة أخرى غير فائزة. وإن حصل هذا في الانتخابات السابقة، على رغم أن الكتلة الفائزة آنذاك قد فازت بفارق مقعدين فقط، فيجب ألا يحصل مرة أخرى لأن عواقبه ستكون وخيمة. المصلحة الوطنية تقتضي أن يشكل الفائز الحكومة، أما الآخرون فبإمكانهم دعمه في القضايا التي يتفقون معه عليها ومعارضته برلمانياً في القضايا الأخرى.

هناك الآن فرصة تاريخية أمام رئيس الوزراء المقبل كي يقود حكومة قوية مكونة من حلفاء حقيقيين منسجمين سياسياً وقادرين على ضبط الوضع الأمني المتدهور في البلد وهو أهم تحدٍ يواجه الحكومة المقبلة. عليه ألا يخضع لأي ضغوط من أي جهة، خارجية كانت أو داخلية، فالمرحلة المقبلة تحتاج إلى حكومة متماسكة وممثلة لكل مناطق العراق عبر امتدادات جماهيرية وبرلمانية قوية، كي تمتلك تفويضاً جماهيرياً يمنحها شرعية تمثيل العراقيين جميعاً ولا تتردد في ضرب الفاسدين والخارجين على القانون، سواء كانوا في غرب البلاد أو وسطها أو جنوبها أو شمالها.

هل سينتهز الزعيم المقبل هذه الفرصة التاريخية ليحكم بلداً قوياً موحداً؟ لست متفائلاً لأن التوافقات ستفعل فعلها في تشكيل الحكومة المقبلة. المعارضون لن يقبلوا أن يبقوا في المعارضة لأنهم يشعرون أنهم سيخسرون مستقبلاً. ولكن هل يمكن حقاً أن تدير شؤون البلاد حكومة منقسمة ومتناحرة؟ لم تنجح مثل هذه الحكومة سابقاً ولن تنجح مستقبلاً. 

 http://alhayat.com/Opinion/Writers/2639717/العراق-بحاجة-إلى-تحالفات-سياسية-عابرة-للطوائف