الحياة، ١٦ أبريل/ نيسان ٢٠١٤   

المفارقات العراقية كثيرة، آخرها تزايد عدد المرشحين في الانتخابات يرافقه تنامي عدم اكتراث الناخبين بالتصويت الذي يخشى مراقبون من أن يقود إلى إعراض واسع النطاق عن التصويت في الانتخابات المقررة في الثلاثين من نيسان (ابريل) الجاري. فبدلاً من أن يتقلص عدد الأحزاب والمرشحين مع تقدم التجربة الديموقراطية ونضوجها، ازداد العدد بشكل لافت، ومن يتجول في مدن العراق يصاب بالذهول لكثرة الصور والملصقات الانتخابية التي لا تخلو منها أي بقعة أو زاوية مهما كانت نائية. 

يتكون البرلمان العراقي المقبل من ٣٢٨ مقعداً، يتنافس عليها ٢٧٧ كياناً سياسياً و٩٠٤٠ مرشحاً، وفق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. ووفق هذه الإحصاءات، فإن المقعد النيابي الواحد يتنافس عليه ٢٨ مرشحاً، وهذا رقم قياسي بالنسبة الى الدول الأخرى التي عادة ما يتنافس على المقعد الواحد فيها مرشحان أو ثلاثة. 

مجلس العموم البريطاني مثلاً يتكون من ٦٥٠ مقعداً، ويتنافس على كل مقعد فيه ثلاثة مرشحين من الاحزاب الثلاثة الرئيسة، وأحياناً أربعة إن كان هناك حزب محلي في المنطقة، أو كانت هناك قضية محلية يريد البعض إثارتها. وفي بعض الأحيان، يرشح البعض أنفسهم لمجرد السخرية كما حصل حينما أسس الموسيقي البريطاني اللورد سوتش حزباً ساخراً باسم «حزب الغول الهائج المجنون الرسمي»! ولم يحصل مرشحو هذا الحزب إلا على أصوات قليلة، على رغم أنه أرغم الحزب الديموقراطي الاجتماعي على حل نفسه عام ١٩٩٠ عندما فاقه في عدد الأصوات. وإذا ما تجاهلنا المرشحين غير الجديين، فإن عدد المرشحين الكلي لا يتجاوز الألفي مرشح، مع التذكير بأن عدد سكّان بريطانيا يقترب من ضعف سكّان العراق.

ازداد عدد المرشحين عن الدورة السابقة من ستة إلى تسعة آلاف مرشح. وقد يكون السبب هو الشعور السائد لدى الرأي العام بأن هناك حاجة للتغيير بعد الفشل الذي أصاب المؤسسة السياسية العراقية خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب التناحر السياسي ومحاولات إفشال الآخر، إضافة إلى التدهور الخطير في الأمن، ما حفّز كثيرين على الترشح واستغلال ما يعتقدونه فراغاً سياسياً. كثيرون من غير السياسيين رشحوا أنفسهم في هذه الانتخابات كالأكاديميين والمهنيين وأعضاء النقابات والاتحادات المهنية التي يفترض أنها محايدة، والرياضيين والفنانين وبعض الصحافيين الذين كانوا إلى عهد قريب يدّعون الحيادية والمهنية، إلى جانب كثير من السياسيين الفاشلين في الانتخابات السابقة. وكما حصل سابقاً، فإن المرشحين، ومن ورائهم الأحزاب والقوائم، استخدموا كل الأسلحة المتاحة أمامهم، وفي مقدمها سلاح الدين. فقلما تخلو الشعارات الانتخابية من العبارات الدينية والآيات القرآنية والأحاديث النبوية، في وقت تغيب فيه البرامج الحقيقية كلياً، خصوصاً الاقتصادية منها. المرجعية الدينية الشيعية في هذه الأثناء أكدت وقوفها على الحياد، ما عدا مرجعية الشيخ اليعقوبي التي تؤيد حزب الفضيلة.

أحد المرشحين مثلاً كتب على ملصقه الانتخابي أنه رشح نفسه «بأمر من الرسول»!، بينما وزعت إحدى المرشحات السافرات ملصقاً انتخابياً تبدو فيه بالحجاب الإسلامي! كما انتشر مصلق يبدو فيه المرشح، الحليق في العادة، ملتحياً للإيحاء بالتدين. مرشحون آخرون أخضعوا صورهم لتعديلات كي يبدوا أجمل وأفضل مما هم عليه في الحقيقة. آخرون استخدموا ألقابهم العلمية مثل «الدكتور» أو «المهندس» أو «الأستاذ الدكتور» أو «الدكتور الشيخ» أو «الشيخ المهندس»، بل حتى «المحلل السياسي»! كما أدرج المرشحون الشهادات التي حصلوا عليها في دعاياتهم الانتخابية (دكتوراه في كذا وماجستير في كذا). بعضهم ابتدع له ألقاباً كبيرة مثل «حامي ثروة العراق»! الغريب أن أحد الفنانين «التقدميين» استخدم لقب «الشيخ» في دعايته الانتخابية في محاولة لاستقطاب أصوات ذوي التفكير القبلي. بينما اصدر أحد شيوخ العشائر ملصقين يحمل أحدهما لقب «الشيخ»، بينما يخلو الآخر منه! ما يعني أنه يوزع ملصقات مختلفة في مناطق مختلفة وفق توقعاته لتصورات الناخبين، وهذا هو حال مرشحين كثيرين على ما يبدو.

وفي وقت تنشغل محافظات العراق بالانتخابات، يبدو الوضع في محافظة الأنبار المنكوبة مختلفاً تماماً، فلا مظاهر انتخابية ولا ملصقات ولا صور، بل معارك وقتلى وقصف وتفجيرات وحصار. ويبدو الوضع فيها خطيراً مع سيطرة المسلحين على مدينة الفلوجة وتحكمهم بأحد السدود المهمة على نهر الفرات وقطعهم المياه عن مناطق الوسط والجنوب واحتمال استخدام السد لتهديد المدنيين في المحافظة. 

يبدو أن هناك ما يشبه إعادة الهيكلة في الساحة السياسية بدأت بتشكل قوائم جديدة مثل «ائتلاف العراق» و «التيار المدني»، صاحَبَه تشظي القائمة العراقية إلى مكوناتها السابقة وأهمها قوائم «متحدون» بقيادة رئيس البرلمان أسامة النجيفي و «العربية» بقيادة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك و «الوطنية» بقيادة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي، بينما بقيت قوائم «دولة القانون» بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي و «المواطن» بقيادة السيد عمار الحكيم و «الأحرار» التي تتبع السيد مقتدى الصدر، و «التحالف الكردستاني» الذي يضم الحزبين الكرديين التاريخيين، الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، و «التغيير» بقيادة نوشروان مصطفى، متماسكة نسبياً.

ومع صعوبة التنبؤ بنتائج الانتخابات، إلا أن كثيرين يتوقعون أن تحصل قوائم «دولة القانون» و «المواطن» و «الأحرار» و «متحدون» و «الوطنية» على أكثر المقاعد في الجانب العربي، ربما مع تفوق «دولة القانون» على القوائم الأخرى كونها تشغل رئاسة الوزراء، بينما ستبقى قائمتا «التحالف الكردستاني» و «التغيير» مهيمنتين على المشهد الكردي. سيسعى رئيس الوزراء إلى البقاء في منصبه، على رغم أن هذا يبدو صعباً بسبب رفض القوائم الرئيسة التجديد له لولاية ثالثة، ما يعني أن البحث عن رئيس وزراء جديد يحظى بثقة الغالبية السياسية سيطول ويتشعب. ومع عدم إقرار البرلمان لموازنة عام ٢٠١٤، فإن العراق سيشهد صعوبات في مجالات كثيرة.

http://alhayat.com/Opinion/Writers/1821495/الانتخابات-العراقية–تشرذم-أم-إعادة-هيكلة؟