الحياة: ٢٥ آذار ٢٠١٤

على رغم أن التنافس الانتخابي في العراق لم يتوقف خلال السنوات السابقة، بل تشعب واتخذ مناحي عديدة، بعضها غير تقليدي، إلا أن حمى التنافس تصاعدت خلال الأشهر القليلة الماضية لتصل إلى حد تعطيل الموازنة العامة لعام ٢٠١٤.

مفوضية الانتخابات حددت الأول من نيسان (أبريل) لبداية الحملة الانتخابية، معلنة أن أي دعاية انتخابية تسبق هذا الموعد تعتبر مخالفة للقانون. إلا أن الحملة الانتخابية الفعلية قد بدأت قبل أشهر مع ظهور اللافتات والبوسترات الانتخابية في العاصمة بغداد وباقي المدن. لقد وجد القانونيون ثغرة يمكن أن ينفذ منها السياسيون كي يبدأوا حملاتهم قبل الموعد المقرر وهي أن اللافتات التي لا تدعو إلى التصويت ولا تحمل رقم القائمة أو المرشح لا تعتبر مخالفة للقانون. وهذا التفسير استفاد منه الجميع، فأينما تولي وجهك تجد اللافتات والملصقات وصور المرشحين التي تحمل شعارات محددة أو دعوة للمشاركة في الانتخابات وما إلى ذلك. كما زحفت الدعاية الانتخابية إلى الإنترنت منذ أشهر باعتبار أن هذا الحيز لا يخضع للقوانين العراقية.

الانتخابات العراقية المقبلة ستكون مفصلية من دون شك، وستكون حاسمة في تقرير مستقبل الديموقراطية في العراق، فهي الأولى التي تُجرى من دون وجود عسكري أجنبي. فإن التزم المتنافسون بقواعد اللعبة الديموقراطية وامتثلوا لنتائج الانتخابات، حتى وإن كانت في غير صالحهم، عندئذ يمكن القول إن الديموقراطية العراقية بخير.

الحرب الإعلامية بين المتنافسين الرئيسين قد بدأت على أشدِّها قبل أسابيع عندما شن رئيس الوزراء نوري المالكي هجوماً على رئيس البرلمان، أسامة النجيفي، بسبب عدم إدراجه قانون الموازنة في جدول أعمال البرلمان ما تسبب في خلق أزمة فعلية للحكومة والبلد ككل.

النجيفي هو الآخر لم يبقَ مكتوفَ الأيدي إزاء هجوم المالكي عليه واعتباره ممانعةَ البرلمان في إقرار الموازنة عملاً مخالفاً للدستور. فقد رد على اتهام رئيس الوزراء في مؤتمر صحافي عقده في مبنى البرلمان قائلاً إن مجلس النواب هو من يمنح الشرعية للحكومة ولا يحق لأحد أن يتهمه بفقدان الشرعية.

لم تنتهِ الحرب بين الطرفين عند هذا الحد، بل كانت تلك البداية. فقد تلى النجيفي هجومه على المالكي بمنعه قناة «العراقية»، الممولة من الدولة، من دخول البرلمان متهماً إياها بالانحياز لرئيس الوزراء. إلا أن إجراءه هذا قد دفع القناة إلى شن حملة عليه في برامجها ونشراتها الإخبارية شارك فيها خصومه جميعاً إضافة إلى الإعلاميين وباقي نواب البرلمان الذين استنكروا الإجراء.

لقد وضع النجيفي نفسه وكتلته في مأزق حقيقي. فقد قدم لقناة «العراقية» مبرراً لمهاجمته في تغطياتها الإخبارية وبرامجها السياسية التي استضافت معارضي النجيفي ومنتقدي قرار منعها من دخول البرلمان، وما أكثر هؤلاء لأن الإجراء ليس صحيحاً وفق مبادئ حرية وسائل الإعلام في العمل.

لقد خسر النجيفي الحرب لأنه لم يختَر الأدوات المناسبة لها، فمَنعُه قناة «العراقية» من دخول البرلمان قد جلب عليه الانتقادات من معظم السياسيين والإعلاميين، وكان عليه أن يكتفي بتوجيه الاتهام للقناة بالانحياز بدلاً من منعها.

أما عدم إدراج الموازنة ضمن جدول أعمال البرلمان فقد جلب على النجيفي انتقادات واسعة من مختلف الكتل السياسية وجماهير الشعب المتضررة من هذا الإجراء الذي تسبب في إيقاف الإنفاق على المشاريع الاستثمارية الذي يشكل 40 في المئة من الموازنة العامة ويهدف في الأساس إلى تنمية البنى الأساسية للاقتصاد وتقليص البطالة وتحسين الخدمات. إن تعطيل إقرار الموازنة، بغض النظر عمن تسبب به، قد أضر بالنجيفي انتخابياً وسياسياً لأنه المسؤول الأول عن إدراج القوانين على جدول أعمال البرلمان.

صحيح أنه يخضع لضغوط من الساسة الأكراد الذين يعارضون إدراج الموازنة حتى تقر التخصيصات التي يطالبون بها والتي لم تأخذ في الحسبان إيرادات النفط من الإقليم التي يختلفون عليها مع المركز، إلا أن اللوم السياسي قد وجه لرئيس البرلمان دون غيره.

 لقد برر النجيفي عدم إدراجه الموزانة ضمن جدول الأعمال بأن النائب الثاني لرئيس البرلمان، عارف طيفور، الذي ينتمي إلى كتلة التحالف الكردستاني، قد رفض إدراجها وأن العادة جرت في رئاسة البرلمان الثلاثية على أن يكون هناك اتفاق بين الرئيس ونائبيه، الكردي والشيعي، على المواد المدرجة في جدول الأعمال، على رغم أن نظام الهيئة الرئاسية قد انتهى العمل به دستورياً منذ انتهاء الدورة السابقة. كما أنحى باللائمة على الحكومة لتأخرها في تقديم الموازنة إلى البرلمان. 

إن كانت الحكومة قد أخَّرت الموازنة، ربما بسبب تعاقب عدة أشخاص على منصب وزير المالية بعد استقالة رافع العيساوي منه العام الماضي، فإن الأجدى بالبرلمان أن يسارع إلى المصادقة عليها لأن مزيداً من التأخير يلحق ضرراً أكبر بالمصلحة العامة. 

موازنة العراق تعتمد بنسبة تقارب الـ٩٥ في المئة على صادرات النفط التي تقدر بثلاثة ملايين وأربعمئة ألف برميل يومياً، تأتي منها أربعمئة ألف برميل من إقليم كردستان. لكن حكومة الإقليم تقول إنها لم تصدر النفط من حقولها بهذا القدر ما أثار مشكلة بين المركز والإقليم لم تحل حتى الآن. 

تأخر إقرار الموازنة لا يؤثر على الموازنة التشغيلية التي تقدر بـ60 في المئة من الموازنة العامة لأن القانون العراقي يجيز للحكومة إنفاق ما نسبته واحد من ١٢ من الميزانية التشغيلية للعام السابق في كل شهر في حالة عدم إقرار الموازنة، لكن توقف مشاريع الاستثمار يجعل البلد معتمداً بشكل أساسي على ريع النفط. 

كان الأَولى برئاسة مجلس النواب أن تُقِر الموازنة وتدّعي الفضل في تحقيق الإنجازات الناتجة منها بدلاً من إيقافها وتبادل الاتهامات مع الحكومة على الفشل الذي تسبب به تأخرها.

لم يكن التناحر السياسي بهذه الحدة في أي وقت مضى، ولم يؤدِ إلى تعطيل الموازنة التي يعتمد عليها اقتصاد البلد وقوت مواطنيه وتماسك مجتمعه ومؤسساته. فماذا سيقول معطلو الموازنة لناخبيهم الشهر المقبل وهل سيقبل الناخبون بأي تبرير لتعطيل حياتهم وزيادة معاناتهم؟

http://alhayat.com/Opinion/Writers/1339347/التناحر-السياسي-إذ-يعطل-موازنة-العراق