مجلة الهدى

هناك حملة تستعر في العراق ضد البرلمان منذ فترة من الزمن حتى اقترن البرلمانيون في أذهان معظم الناس بالفساد والبطر والكسل والامتيازات غير العادلة. وإن كان هناك حق في أن البرلمانيين، كما هو حال الناس جميعا، يسعون لخدمة مصالحهم الخاصة، إلا أن التوجه العام ضد البرلمان ليس في صالح العراق وهو يقود إلى الاعتقاد بأن الديمقراطية لا تصلح للعراق وأن الحل البديل هو الديكتاتورية.

ليس من العدل أن نطلق هذه الصفات على البرلمانيين جميعا، لأن هناك منهم من يسعى بجد لخدمة العراق، وإن كانت هناك منافع مادية فهي في الحقيقة جانبية رغم ضرورتها لاستمرار البرلماني في عمله في خدمة الشعب. العراق ليس بلدا فقيرا كي يُلاحَق فيه ممثلو الشعب على امتيازات ضرورية لعملهم ولائقة بمكانتهم وضرورية لتحصينهم ضد الفساد وحمايتهم من الإرهاب الذي يجتاح بلدنا دون أن يلوح في الأفق بصيص أمل على إمكانية القضاء عليه.

نعم لقد أخطأ البرلمانيون في الموافقة على قانون يميز بين المواطنين، لكنه خطأ قابل للإصلاح والتعديل ولا يستدعي أن نهاجم مؤسسة البرلمان التي نعوِّل عليها في إرساء دعائم نظام ديمقراطي يحفظ مصالح الناس وكراماتهم وحرياتهم الأساسية في مجتمع مدني عصري. البرلمان يتغير كل أربع سنوات، ونحن من يغيره بأصواتنا في الانتخابات، لذلك لا خوف منه وإن كانت هناك أخطاء فهي زائلة لا محالة. الاستثناء الذي وضعه النواب في القانون كي يبدأ معاشهم بنسبة ٢٥٪  من آخر راتب يتقاضونه إضافة إلى ٢.٥٪ عن كل سنة خدمة، خطأ يلامون عليه لكنه ليس آخر المطاف لأن بالإمكان إصلاحه وتعديله كي يبدأ من الصفر كباقي المواطنين.

هذا الامتياز لن ينفع إلا ذوي الخدمة القصيرة من النواب والمسؤولين، وهم قلة، أما المسؤولون الذين خدموا طويلا في الدولة في مواقع أخرى فلن يحصلوا على أي امتياز لأن القانون لا يجيز أن يحصل المتقاعد على أكثر من ٨٠٪ أي ما يعادل ٣٢ سنة خدمة. الكثيريون من أعضاء مجلس النواب والمسؤولين في الدولة لديهم مثل هذه الخدمة أو أكثر مما يعني أنهم لن يستفيدوا من هذه الاستثناء. ليس في صالحنا أن نعادي مؤسسة البرلمان ونرميها بكافة التهم ونلومها على كل ما حصل لنا من معاناة وفشل لأن مشكلتنا أعمق من أن تلام عليها مؤسسة أو جهة واحدة بل هي تحتاج إلى تضافر جهودنا جميعا. 

لدينا مشاكل أخرى أخطر وأهم وأكبر وأولها الإرهاب الذي يعطل حياتنا ويقتل الأبرياء ويخيف الناس ويجعلهم يفكرون في يومهم بدلا من التفكير بالمستقبل. لدينا مشكلة الفساد الذي يعطل الحياة ويفسدها ويمكِّن أسوأ الناس في المجتمع من أن يصبحوا أثرياء على حساب الشرفاء والمخلصين. ولدينا مشكلة الكهرباء المزمنة والتي لم تفلح ١٨ مليار دولار أنفقت عليها خلال عشرة أعوام من توفيرها للجميع دون الحاجة إلى الاستعانة بالمولدات. ولدينا مشكلة البطالة التي تحتاج إلى حلول عاجلة كي يتمكن شبابنا من العمل وبناء حياة كريمة تليق بهم. ولدينا مشكلة الخدمات الصحية المتدنية، فمستشفياتنا تعاني من نقص حاد في الأطباء الذين بدأوا يغادرون العراق بسبب الإرهاب والابتزاز وإنخفاض رواتبهم ونقص الأجهزة الحديثة التي يحتاجونها في عملهم ونقص الموارد وفرص التطور المتاحة لهم. 

لدينا مشكلة الطرق والازدحامات ونقص الجسور ومواقف السيارات ولدينا مشكلة البيئة ونقص الحدائق والأشجار والمساحات الخضراء في المدن التي ترفدنا بالأوكسجين ولدينا مشكلة المباني المتهرئة التي تملأ مدننا والتي تحتاج إلى إصلاح وترميم وإعادة بناء، ولدينا مشكلة السكن الخانقة فلا زال كثيرون من أهلنا يعيشون في العراء أو العشوائيات أو أماكن ضيقة لا تصلح للعيش البشري. إحدى النساء (واسمها إيمان محمد حسب تقرير قناة سكاي نيوز عربية) تعيش مع أطفالها في زورق في شط العرب لأنها لم تجد بقعة تأويها على اليابسة! 

منذ سنوات وتركيزنا ينصب على البرلمان وكأن مشاكلنا بدأت وانتهت هناك وكأن المبالغ التي ننفقها على رواتب البرلمانيين ستحل مشاكلنا لو جردناهم منها وهي في الحقيقة لا تتجاوز خمسين مليون دولار سنويا كحد أقصى، بينما تهدر المليارات في مجالات عديدة بسبب الفساد وسوء الإدارة. البرلمان ضمانة ضد التفرد بالسلطة وليس في مصلحة أحد إضعافه حتى لو كان هناك أخطاء.

الانتخابات على الأبواب وبإمكاننا أن نغير وننتخب نوابا أكفاء بدلا من الأشخاص الذين نعتقد أنهم غير قادرين على أداء مهامهم كما نريدهم أن يفعلوا. قصة رواتب البرلمانيين والمسؤولين والدرجات الخاصة تشكل جزءا يسيرا من الميزانية العامة وهي لا تستحق كل هذا الاهتمام الذي يوليه الناس لها. أعداء الديمقراطية في الداخل والخارج انخرطوا منذ البداية في محاولة تجريد النظام الجديد من كل محاسنه وإظهاره بأنه نظام فاسد يقوده سراق وأنانيون لا تهمهم مصالح الناس. وهدف هؤلاء ليس الإصلاح أو الحرص على العراق بل العودة بنا إلى أيام الدكتاتورية والقهر والإذلال والإنغلاق، ولكن هيهات. 

العراق لن يعود إلى الوراء وسوف يتقدم شاءوا أم أبوا، وهناك اتجاه واحد يسير به وهو إلى الأمام. عهد الدكتاتورية انتهى والانتخابات وحدها هي التي تأتي بقادتنا مستقبلا. نعم، قادتنا الحاليون والمقبلون ليسوا معصومين من الخطأ لكننا قادرون على تصحيح مساراتهم عبر مؤسساتنا الديمقراطية. هناك مثل إنجليزي يقول: (يجب عدم رمي الطفل مع الماء القذر) وهذا ما علينا أن نحذر منه.