الأربعاء 12 يونيو 2013  

لا شك أن تدهور الأمن في العراق مرتبط بالوضع السياسي المتأزم في البلد منذ مغادرة القوات الامريكية أواخر عام ٢٠١١، وهذا ما أكد عليه مسئولون كثيرون، بينهم مسئولون أمنيون رفيعو المستوى. 

إلا أن هذا القول عائم، وربما غامض بعض الشيء، وهو يحتاج إلى شيء من التفكيك أو التحليل، إذ لا يكفي إطلاقه هكذا دون تحديد من المسئول المباشر عن تدهور الأمن، وهل هناك علاقة حقيقية بين الأزمة السياسية الحالية والفشل الأمني الذي يتكرر يومياً في مدن العراق المختلفة؟ ولماذا توجد أزمات سياسية في بلدان أخرى لكنها غير مقرونة بتدهور أمني؟

سياسون مسلحون!
هل يعني أن الأحزاب السياسية العراقية تلجأ إلى محاربة بعضها في الشوارع والمساجد إن لم تتمكن من الاتفاق في الرأي أو الحصول على المكاسب التي تعتقد أنها تستحقها أو تليق بها فتنبري عندئذ لقتل من تعتقد أنهم مؤيدو خصومها من الناس العاديين؟ أم أن هناك بين منتسبي الأجهزة الأمنية من هم مرتبطون بالأحزاب السياسية وهم ينفذون أوامر تأتيهم من قادتهم السياسيين لزعزعة الوضع الأمني كوسيلة للضغط على خصومهم؟ أم أن هؤلاء المنتسبين “المسيسين” المفترضين يتصرفون حسب ما يمليه عليهم “واجبهم” السياسي أو “الوطني” أو ربما يفعلون ذلك بدافع “الضمير” دون أمر من أحد؟

أم أن هناك تنسيقاً أو تواطؤاً بين الجماعات المسلحة وبعض الأحزاب بحيث أن الأخيرة تستعين بالسابقة لزعزعة الأمن وقت ما يروق لها ذلك، ومتى ما لاءمها سياسياً؟ أم أن الجماعات المسلحة تستغل الخلافات السياسية بين الأحزاب لتكثف نشاطاتها الإرهابية كي توقِع بينها وتوهمها أن الذي يماس العنف هو الطرف الآخر؟ أم أن هناك مجاميع مسلحة أجنبية ومحلية في العراق وهي تعمل وفق أجنداتها الخاصة، وبمعزل عن أي من المشاركين في العملية السياسية، وأنها تنجح في تحقيق أهدافها بسبب ضعف الأجهزة الأمنية وتدني خبرتها في اتباع أساليب حديثة لمكافحة الجريمة ومنع وقوع الأحداث؟

تفخيخ سياسي!
ليس من المعقول أو المتخيل أن تلجأ أحزاب تصف نفسها بأنها سياسية وتسعى لخدمة البلد وتحرص على تقدمه وسلامة شعبه إلى تفخيخ السيارات واستهداف الأسواق والمساجد أو تسهيل أعمال العنف وتشجيع الانتحاريين على تفجير أنفسهم في التجمعات البشرية، سواء كانت الأسواق أو المساجد والأضرحة أو مراكز الشرطة وثكنات الجيش أو الفنادق والمطاعم. من يفعل هذا لا يمكن تسميته سياسيا مطلقاً بل هو مجرم يجب أن يحاسب، وفق القوانين الجنائية وتنزل به ومن يتعاون معه أقسى العقوبات.

كما إن التواطؤ مع المجاميع الإرهابية أو التنسيق معها وتسهيل عملها في ضرب المدنيين أو العسكريين وتعطيل مصالح الناس وعرقلة حياتهم هو الآخر عمل إجرامي شنيع لا يقل فظاعة عن ممارسة الإرهاب مباشرة، ولا يدخل مطلقاً ضمن النشاطات السياسية المشروعة. 

من يلجأ إلى قتل الناس العاديين من أجل تحقيق مكاسب سياسية هو مجرم لا يستحق أن يبقى طليقاً يمارس العمل السياسي أو التجاري وهو عدو خطير ليس فقط للعراقيين وإنما للبشرية جمعاء وهو خطر على الحياة بشكل عام. يجب أن يُشخَّص مثل هؤلاء، إن وجدوا، ويقدموا إلى القضاء مع الأدلة المتوفرة ضدهم كي ينالوا جزاءهم العادل، وليس هناك بين الناس العاديين من يأسف عليهم، أو يتعاطف معهم لأسباب قومية أو سياسية أو طائفية.

ضرورة تنحية الفاشل 
وإذا ما استثنينا تورط الأحزاب السياسية الحقيقية في أعمال الإرهاب في العراق، وهذا رأي معقول كما أسلفنا إذ لا يمكن السياسي أن يمارس العنف ضد أبناء شعبه ومؤسسات بلده، على الرغم من أنه يمكن أن يمارسه في ظروف استثنائية في سبيل وطنه أو شعبه وليس ضدهما، فإنه لم يبقَ أمامنا سوى أن نضع اللوم على أداء الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التي تفشل في أداء واجباتها الأساسية ومواكبة العصر في أساليب محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة. مثل هذا اللوم معقول ومقبول ويجب ألا يتبرم منه أحد، بل عليه أن يسارع لمراجعة مسيرته واكتشاف أخطائه، ثم التنحي عن موقع المسئولية إن لم يكن قادراً على أدائها بشكل صحيح.

آن الأوان أن يتغير مسئولو الأجهزة الأمنية العراقية المقصرون ويتحملوا مسئولياتهم على ما يجري في العراق من جرائم. 

لا يمكن بقاء هؤلاء في مناصبهم وقد برهنوا مراراً وتكراراً أنهم غير قادرين على حفظ الأمن ومحاربة الإرهاب وحماية حياة الناس وممتلكاتها. لم تعد التبريرات التي يقدمونها للناس كل يوم مقبولة أو مستساغة، وقد آن الأوان حقاً أن يتقاعدوا، وهذا هو أقل عقاب يوجه لهم. 

كما يجب في الوقت نفسه تكثيف التدريب وزيادة الحوافز للمبدعين واتباع الوسائل والأدوات الحديثة في حفظ الأمن والتي ثبتت كفاءتها في بلدان أخرى.

يجب استبدال المسئول الفاشل فور اتضاح فشله، وإلا فإن بقاءه كارثة وطنية وإنسانية والإبقاء عليه فشل يضع مرتكبه يوماً تحت طائلة القانون.