تتصاعد الأصوات هنا وهناك هذه الأيام بقرب اندلاع حرب ضروس بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي، والعربي تحديداً. فالأحداث الساخنة التي تشهدها المنطقة يجري تفسيرها بناء على غريزة الاصطفاف الطائفي. وفقاً لهذا المنطق فإن حزب الله (الشيعي) يحارب في سوريا لصالح نظام بشار الأسد (العلوي- الشيعي)، وسكان محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين (السنة) انتفضوا ضد حكومة نوري المالكي (الشيعية) لأنهم يربطون بين ما يحصل في العراق وسوريا بل يعتبرون المواجهة واحدة في البلدين لأنها مع (خصومهم الشيعة) وهكذا… 

هذه هي الأصوات التي نسمعها تتصاعد هذه الأيام تفترض أن العرب والمسلمين لا يفهمون شيئاً في السياسة والمصالح والعلاقات الدولية التي تحرك بمجملها ما يجري في المنطقة.

 

الحرية مقابل الشمولية

الصراع في سوريا هو صراع بين شعب يريد الحرية والانفتاح، ونظام شمولي وراثي سيطر على مقاليد بلد بأكمله لأكثر من أربعين عاما. صحيح أن هناك قوى متطرفة تحاول اختطاف الثورة السورية، بعضها أجنبي، وهذه القوى قد أثرت سلباً على طموحات الشعب السوري التي كادت أن تتحقق لولا دخول القاعدة وحلفائها حلبة الصراع ما جعل العالم يتردد في دعمها على الرغم من تعاطفه مع الشعب السوري.

ومن جهة أخرى، فإن النظام السوري أجاد فن التحالفات منذ عهد الأسد الأب الذي أقام تحالفاً مع إيران الإسلامية وروسيا الاتحادية (الاتحاد السوفيتي سابقاً) اتضحت معالم قوته الآن بعد أن تعرض النظام لثورة شعبية تدعمها قوى إقليمية ودولية، فوقفت كل من إيران وروسيا معه بقوة، تسندانه سياسياً ودبلوماسياً وتدعمانه بالسلاح ووسائل القوة، والصديق يُعرف وقت الضيق كما يقول المثل.

النظام السوري ليس علوياً بالكامل، ولو كان كذلك لما تمكن من حكم سوريا على مدى ثلاثة وأربعين عاما وصمد خلال العامين المنصرمين أمام هجوم مناوئيه المسلح الشرس، ولكان قد ضعف إثر انشقاق الجيش الوطني قبل عامين عند تأسيس الجيش الحر. إنه نظام قومي غير ديني وتأييده لا يقتصر على الطائفة العلوية التي ينتمي إليها بشار الأسد، بل هناك شرائح أخرى من المجتمع السوري، بما فيها قسم من السنة، تقف معه. ومن المعروف أن العلويين غير الشيعة فهم طائفة لها عقيدتها المستقلة وتاريخها المنفصل.

إخوان سنة وشيعة

أما في العراق، فهناك عملية سياسية بنيت للأسف على المحاصصة القومية والطائفية منذ إنطلاقها عام ٢٠٠٣، وهذه المحاصصة أخلّت بالأيديولوجية القومية التي كانت تسير عليها الدولة العراقية منذ تأسيسها. وعلى الرغم من أن أطراف هذه المحاصصة متمسكون بها ومستفيدون منها، إلا أن شرائح معينة في المجتمع العراقي، ليست بالضرورة طائفية أو قومية أو مناطقية بل سياسية، لم تنسجم مع النظام الجديد بسبب الأخطاء التي ارتكبها الأمريكيون وعدم تمكن من جاء بعدهم من إصلاح تلك الأخطاء ومحاولة لم الشمل والتعامل مع الجميع على أساس عادل.

الاحتجاجات الجارية حالياً بدأت واستمرت لأسباب سياسية عقب اعتقال أحد أفراد حماية وزير المالية رافع العيساوي، وسوف تتوقف لأسباب سياسية أيضاً وليست مذهبية. المسألة، إذن، ليست صراعاً بين السنة والشيعة، وهذا لن يحصل مرة أخرى في العراق بعد أن اكتوى العراقيون به في الأعوام ٢٠٠٥ و٦ و٧ ولن يعودوا إليه على رغم محاولات المتطرفين جرهم إليه. السنة والشيعة في العراق متداخلون مع بعضهم وهناك أشقاء في عائلة واحدة ينتمي بعضهم إلى الشيعة والآخر إلى السنة وهم يعيشون في كل المحافظات العراقية وليس هناك محافظة واحدة خالية من التنوع المذهبي والديني، لذلك نسمع العراقيين يرددون دائما في تجمعاتهم شعار “أخوان سنة وشيعة… هذا البلد ما نبيعه”.

حزب الله لن يتخلى عن شريكه

حزب الله اللبناني هو شريك أساسي للنظام السوري في الوقوف ضد إسرائيل، وهذا هو السبب الأساسي لتأسيس الحزب عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. فليس من المنطقي أن يتخلى الحزب عن حليفه السوري أو راعيه الإيراني، فهذا ما لا يستطيع القيام به. كذلك فإن وجود عناصر خارجية تساند قوى المعارضة المسلحة في سوريا وتورط بعض قوى المعارضة في أعمال عنف ضد مقامات دينية شيعية في سوريا وفي قرى سورية يقطنها لبنانيون محاذية للحدود السورية-اللبنانية، قد برر تدخل الحزب في سوريا لجماهيره وللآخرين أيضا. فكيف يصمت وهو يرى أعداءه (تنظيم القاعدة وجبهة النصرة) يحققون الانتصارات على حلفائه في سوريا؟

مرة أخرى، المسألة ليست صراعاً بين السنة والشيعة كما يغامر البعض بتسميته، بل هو صراع سياسي على المصالح والمواقع، ويجب ألا يندفع البعض في الترويج لصراع طائفي متخيل لأن هذا الترويج سوف يحرق الجميع. لقد عاش الشيعة والسنة جنباً إلى جنب منذ ١٤٠٠ عام وهم الآن يعيشون ويعملون معا في كل الدول العربية والإسلامية، وهذا لن يغيره صراع سياسي في بلد أو خلاف سياسي في آخر.

حلف سياسي وليس طائفياً

روسيا وإيران تدعمان النظام السوري لأسباب سياسية واستراتيجية، والنظام السوري وقف مع إيران منذ نجاح الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ في وقت شح على إيران الصديق، والسبب لم يكن طائفياً، بل لأن إيران أعلنت أنها تؤيد موقف سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية ضد إسرائيل وقامت بإغلاق سفارة إسرائيل في طهران، وهذا الأخير هو الآخر موقف سياسي استراتيجي لإيران يهدف إلى كسب الشعوب والدول العربية والإسلامية إلى جانبها ضد عدوها اللدود الولايات المتحدة (الشيطان الأكبر) وحليفة الشاه.

لقد وقفت إيران الإسلامية (الشيعية) إلى جانب أرمينيا (المسيحية) ضد أذربيجان (الشيعية) في نزاع البلدين حول منطقة ناغورني كاراباخ، لأن حكومة إيران رأت أن مصلحتها تكمن في الوقوف مع أرمينيا وليس مع جارتها الشيعية المسلمة. السياسيون يستخدمون الدين لخدمة مصالحهم بينما المتشددون يسمحون لنوازعهم الشخصية وعواطفهم الجياشة المتأثرة بالمعتقدات الدينية والمذهبية بالتحكم بتصرفاتهم فيندفعون بعنف نحو أهدافهم دون حساب النتائج، على خلاف السياسيين الذين ينطلقون من المصالح فقط التي يعملون على تحقيقها بصبر وروية.

الجماعات الدينية المتطرفة تنشرح لاندلاع الصراع الطائفي والديني، لأنها لا تهتم للحياة في هذه الدنيا كما يفعل باقي بني البشر. أما باقي الناس فسوف تتضرر من الحرب مهما كان نوعها ودوافعها.