الرقيب المستقل 08-07-2004
نشرت جريدة (الرقيب المستقل) بعددها رقم (10) الصادر بتاريخ (20/3/2004) مقالة بعنوان (أما كفاك يا كفائي). ولدى قراءتي للمضامين الواردة فيها فقد وجدتها مشحونة بالتخرصات والمغالطات التي تتناقض مع ما يقتضيه العمل الصحفي من دقة في السرد, ورصانة في الطرح, ونزاهة في النقد. ولأني لصيق الصلة بالسيد حميد الكفائي واعرفه عن كثب, ولغرض تبيان الحقائق مجردة عن كل ميل او هوى …. ارتأيت التصدي متطوعا للرد على المقالة. واود في هذا الصدد ان اوضح ما يلي :

1- اطلق كاتب المقالة على السيد الكفائي بـ (مستر الكفائي) وكاني به لا يعلم بان الكفائي هو سليل ارومة علوية فاحت اطايبها للقاصي والداني وما زالت بصماتها مضيئة في تاريخ العراق, ولا يليق بالكاتب ان يخاطب سيدا هاشميا نذر عمره كله لقضية وطنه بمثل خطابه المتعسف هذا.
2- اخذ الكاتب على الكفائي هجرته الى انكلترا ولا اظن ان امرءا عاقلا يعد ذلك مثلبة عليه. ذاك لانه اختار ان يفلت من قبضة الاستبداد ليمارس دوره الاعلامي والفكري والنضالي بحرية وان يعري – بقلمه وصوته – وللعالم اجمع جرائم النظام السابق وانتهاكاته الكارثية بحق الشعب العراقي المظلوم. مقتفيا في ذلك خطى الكثيرين من المصلحين.
3- ادعى الكاتب زورا وبهتانا ان الكفائي قد صاهر الانكليز وانهم قد ارضعوه ديمقراطيتهم … وما درى هذا الكاتب ان السيد الكفائي لم يتزوج الا امراة خرجت من خباء العراق, وحملت نكهة العراق, وجاش صدرها بحب العراق واهله وقد اثرت هذه السيدة العراقية الفاضلة ان تعضد زوجها في تقحم الاعباء الوطنية. اما ( الديمقراطية ) فهي لم تكن حدثا طارئا! في حياة الكفائي بل عشقها منذ كان صبيا يافعا وضلت تشغل اجمل مساحة في وجدانه وفضاء روحه وستبقى هاجسه الاول حتى تتحقق باجلى صورها ويقطف الجميع ثمارها في ربوع وطنه. بل إن الدكتور هاشم حسن، رئيس تحرير الرقيب المستقل، قد قال بعد نشر ذلك المقال إنه وافق على نشر المقالة لأنه يعرف أن حميد الكفائي “من أكثر الناس إيمانا بالديمقراطية وإنه لن يتبرم من النقد”.
4- ان الكفائي لم يسم كل من انتسب الى وزارة الاعلام الملغاة بـ ( ابواق صدام ) كما نوه الكاتب. بل حصر هذا الوصف بفئة قليلة ممن ارتضت ان تبيع قلمها وضميرها ومقدراتها للطاغية تمجده وتلمع صورته وتسوغ جرائمه وحماقاته. ويشهد الله انني لمست – غير مرة – تعاطفه مع الكثير من الذين وصفهم الكاتب بـ ( ان بعضهم كان ياتي الى عمله وليس في جيبه اجرة عودته الى البيت) ووصف الكثيرين ممن عملوا في إعلام النظام السابق بأنهم ضحايا لهذا النظام لأنهم اضطهدوا كما اضطهد العراقيون الآخرون.
5- وبرأي الشخصي فإنه كان حريا بهؤلاء القلة الذين ساندوا صدام ان يلتمسوا لهم مصدر رزق آخر يوفر لهم لقمة مغمسة بالكرامة ويتأسوا باخوانهم الذين قال عنهم الكاتب انهم (قدموا ارواحهم قرابين على درب الكلمة الصادقة) بدلا من التعاطي مع النظام السابق والانسياق لاهوائه ورغباته. وكان الاجدى بهم ان يعملوا بمقولة الصحابي الجليل ابي ذر الغفاري (رض) “عجبت لرجل لا يجد قوت يومه أن لا يخرج إلى الناس شاهرا سيفه” وهي المقولة التي اوردها الكاتب نفسه في معرض التحريض على الحكومة الانت! قالية الحالية.
6-أطنب الكاتب في الاشادة بكفاءات بعض العاملين السابقين في سلك الاعلام ونعتهم (بالبلسم الشافي) ورغم علمي بأن الكفائي لم يبخس يوما احدا حقه ولم يطعن جزافا في كفاءته، الا انه كان يتمنى ان تنبري هذه الطاقات المتميزة للدفاع عن مظلومية الشعب العراقي والافصاح عن امانيه وتطلعاته لا ان تتماشى مع تيار النظام او تسكت عن مغامراته وسرقاته وتفاهته.
7- العراقيون اليوم يوجهون رسالة الى هؤلاء الاعلاميين بأن يقلبوا صفحة جديدة ويشحذوا اقلامهم دفاعا عن شعبهم اليوم وهو يئن ويتضور من ويلات العابثين بأمنه ومستقبله ورفاهيته، الذين همهم الوحيد ايقاف عجلة الحياة والعودة الى الوراء الى عهود الدكتاتورية والقهر والظلم والابادة الجماعية.
8- صور الاخ الكاتب في مقالته وكأن السيد الكفائي هو الذي اتخذ قرار طرد منتسبي وزارة الاعلام من وظائفهم. وهذا امر يجافي الحقيقة فالرجل كان ضد تحكم الدولة في وسائل الإعلام وليس مع تسريح الموظفين في أي مؤسسة، لذلك يجب التفريق بين ضرورة إلغاء وزارة الإعلام التي تقيد الإعلاميين بقيود ما أنزل الله بها من سلطان، وبين تسريح ال! ناس من وظائفها، والسيد الكفائي مع إطلاق الحريات وضد حرمان الموظفين من الوظائف، وهو يدعم بقوة كل الية تضمن ان يحظى كل منهم بوظيفة اخرى وكم الفيته مغتبطا وهو يرى حشودهم وهم يتسلمون بعض استحقاقاتهم او يظفرون بفرصة عمل في المؤسسات الاعلامية الجديدة التي لاشك انها امتصت جزءأ غير يسير من الطاقات الاعلامية المعطلة بل استقطبت الكفء منها. وفي النهاية فإن الكفائي لم يكن جزءا من سلطة الإئتلاف المؤقتة التي اتخذت قرار تسريح موظفي وزارة الإعلام من وظائفهم، لذلك فإن من الإجحاف أن يلام على شيء هو لم يكن طرفا فيه أصلا.
9- لقد كان الكاتب متعسفا جدا في وصفه لحميد الكفائي ومتجنيا عليه بشكل غير منطقي، بل وانتقده بشدة لكونه يجيد اللغة الإنجليزية التي قال إن “أصدقاءه في بلاد الضباب يحسدونه على إجادتها” فهل أصبحت الكفاءة مثلبة في هذا الزمن الردئ؟ أين الموضوعية في الكتابة يا أيها “الإعلامي الحيادي”؟ وهل كنت لتتمكن من أن تنتقد مسؤولا مهما صغرت مرتبته في زمن صدام حسين؟ فلنحمد الله على الحرية التي أنعم بها علينا ولا نتعسف في استغلالها لأننا قد نفقدها وحينئذ لا نلوم إلا أنفسنا.
علينا اليوم ان نغلب المصلحة العامة على الخاصة وعلينا ان نؤمن بأن زمن الاعلام الموجه المسير قد لفظ انفاسه وان العراق الديمقراطي الجديد لابد له من اعلام مستقل حر ينأى برؤاه عن اجندة الحكومة لاننا مللنا اعلاما يمجد الانظمة ليل نهار ويزور الحقائق ويغض الطرف عن الفظاعات والتجاوزات. وسئمنا الخبر الذي تبثه جهة محددة فلندع اذن المتلقي العراقي يلامس الحقائق ويكون القناعات بطريقته الخاصة ومنظوره الخاص.
واختم قولي ناصحا اخي الكاتب بأن لايلقي الكلام هكذا على عواهنه والا يكيل اللوم غير المبرر لاناس اصطفوا منذ زمن طويل مع اماني الشعب وشواغله وهمومه كسيدنا الكفائي. والله من وراء القصد.