الأربعاء 17 ابريل 2013
 

يقترع الناخبون العراقيون هذا الأسبوع لاختيار أعضاء مجالس المحافظات وهي المجالس التشريعية التي تختار أعضاء الحكومات المحلية وتراقب عملها وتنظمه. 

هناك آلاف المرشحين الذين ينتمون إلى قوائم محلية ترعاها قوائم وطنية، أو ترتبط بـها مباشرة، وهؤلاء يتنافسون على مقاعد مجالس المحافظات التي يتفاوت عددها بين محافظة وأخرى اعتمادا على عدد السكان. أقل المحافظات سكانا هي محافظة المثنى التي يبلغ عدد مقاعد مجلس محافظتها ٢٦ مقعدا، بينما أكبرها هي بغداد ذات ٥٨ مقعدا والتي لم يهدأ سكانها حتى الآن بسبب استمرار تفجر المفخخات في أحيائها المختلفة.

المتابع للحملة الانتخابية يلاحظ أنه ليس هناك برامج انتخابية محددة ومعلنة للمرشحين أو القوائم، وإن وجدت فليس هناك من يهتم بها أو يروج لها، بل هناك شعارات عامة يطرحها المرشحون أو قوائمهم مثل “عزم وبناء” و”محافظتي أولا” و”نبنيها سوا” و”ما توفيقي إلا بالله” و”سوف نكمل المسيرة” و”نحو دولة مدنية وعدالة اجتماعية” وما إلى ذلك من دعاية تعوزها التفاصيل والدقة.

هناك طبعا قوائم محلية في كل محافظة لكن هناك أيضاً قوائم وطنية مثل قائمة “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء، نوري المالكي، المكونة من عدة قوائم فرعية منضوية تحتها، لكن عنوانها العام ورقمها موحد في كل أنحاء البلد. كتلة المواطن بزعامة رجل الدين الشاب عمار الحكيم هي الأخرى تحمل شعارا ورقماً واحداً في كل أنحاء العراق. أما القائمة العراقية فقد انقسمت محليا إلى قوائم عدة منها قائمة “إئتلاف العراقية الوطني الموحد” بقيادة رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي، وقائمة “العراقية العربية” بزعامة نائب رئيس الوزراء الدكتور صالح المطلك وقائمة “متحدون” بزعامة رئيس البرلمان أسامة النجيفي.

الملاحظ أن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء قد اتسع في هذه الانتخابات ليضم قوائم أخرى كانت ضمن قوائم منافسة له سابقاً مثل حزب الفضيلة الإسلامي ومنظمة بدر وتيار الإصلاح الوطني، بزعامة رئيس الوزراء الانتقالي إبراهيم الجعفري، الذي كان قد شكل تيارا منفصلا عام ٢٠٠٧، فُصل بسببه من حزب الدعوة الإسلامية، إلا أنه الآن عاد لينضوي تحت دولة القانون بعد أن اتضح الحجم الحقيقي لتأييده فبات بقاؤه منفرداً يشكل مخاطرة سياسية تعوزها الحكمة، خصوصا وأنه لم يحصل في الانتخابات البرلمانية السابقة إلا على مقعد واحد فقط.

إلا أن قائمة “كفاءات العراق”، التي كانت ضمن إئتلاف دولة القانون في الانتخابات البرلمانية السابقة، تدخل الانتخابات المحلية منفردة هذه المرة. من المرجح أنها اضطرت إلى ذلك بعد إقالة رئيس الوزراء زعيمها السابق، الناطق باسم الحكومة لأكثر من ست سنين، علي الدباغ، بعد ورود اسمه ضمن المشتبه بتورطهم في صفقة الأسلحة الروسية التي قيل إنها تضمنت عمولات لوسطاء بلغت ١٠٪ من قيمتها الإجمالية اتي تجاوزت ٤ مليارات دولار. لكن عضوي القائمة، النائبين إحسان العوادي وهيثم الجبوري، ما زالا ضمن قائمة دولة القانون البرلمانية رغم انفراد قائمتهما في الانتخابات المحلية، ويبدو إنهما الآن على خلاف مع الدباغ الذي قدم قبل فترة طعناً بعضوية الجبوري في البرلمان على رغم أنه هو الذي وقّع ترشيحه للمقعد كعضو بديل له إثر تعيينه وزيراً للدولة لبضعة أشهر.

المرشحون وقادة كتلهم تفننوا في الترويج لأنفسهم فقلما تجد صورة لمرشح دون أن يكون إلى جانبها صورة لزعيم القائمة أو أحد القادة السياسيين المعروفين الذين يؤيدونه. بعض المرشحين وضع صورة زوجته (أو زوجه) النائب في البرلمان أو المسؤول في الدولة كي يوحي بأنه يحظى بدعمه. والبعض الآخر وضع صورة أخيه أو أبيه الذي اغتيل في فترة سابقة كي يستفيد من تاريخ عائلته. وهناك أيضاً دعاية شخصية للمرشح في الملصقات والصور المعروضة مثل (بكالوريوس في القانون) و(انتخبوا البروفيسور فلان) و(ماجستير في كذا)! كما أفصح مرشحون عن كُناهم (أبو فلان وأم فلانة) أو أسمائهم الشائعة (غير الحقيقية) أو حتى أسماء أو مهن أقاربهم (ابن فلان صاحب محل كذا) لزيادة التوضيح والذهاب إلى أقصى مدى في إقناع الناخب بالتصويت لهم.

بعض الشعارات المكتوبة على الصور أو الملصقات مبهمة ولا تعني شيئاً، بل إن بعضها يجعل الناخب ينفر من المرشح. أحد الشعارات التي وضعت في ملصقات قائمة تيار الإصلاح إلى جانب صورة زعيمه، إبراهيم الجعفري، يقول (أوصيكم بالعراق!) ولا أحد يعلم ما المقصود من هذا الشعار وما هو نوع الوصية أو الرسالة التي يُراد إيصالُها إلى الناخب باستثناء الإيحاء أن الجعفري أكبر من الجميع بل وحتى من العراق لأنه يوصي أتباعه به!

قائمة الدكتور علاوي اشتكت من تعرض مرشحيها لمضايقات وصلت حد الاغتيال، لكن ذلك لم يمنعها من المشاركة في الانتخابات بقوة. إصرار جميع الاحزاب والقوائم والكتل على المشاركة في الانتخابات هو دليل على ثقتهم (أو أملهم) بأنها ستكون حرة ونزيهة، أو قريبة من ذلك، لكن هذا لن يمنع القوائم الخاسرة أو تلك التي كانت تتوقع فوزاً أكبر مما ستحصل عليه، من اتهام القوائم الفائزة بالتزوير، فقد حصل هذا في الانتخابات السابقة وسوف يحصل دون شك في هذه الانتخابات.

عادة ما تكون البرامج الانتخابية في الانتخابات المحلية في الدول الديمقراطية أكثر وضوحاً ودقة لأنها تتعلق باحتياجات وخدمات ومشاكل منطقة محددة هي في العادة صغيرة، لذلك فإن الحلول المطروحة لها تكون عادة دقيقة ومحسوبة التكاليف وواضحة التمويل، فلا يمكن إطلاق الوعود دون توضيح مصدر التمويل. إلا أنه، ورغم كل هذه السهولة، فإن البرامج المدروسة والمحددة غائبة تماماً في العراق.

عدم وجود برامج انتخابية محددة للقوائم سيضطر الناخبين إلى التصويت على أساس المعرفة الشخصية بالمرشحين، وقد يكون المرشح الذي يصوت له الناخب في الانتخابات المحلية ينتمي إلى قائمة يعارضها في الانتخابات البرلمانية، والسبب هو الخصال الشخصية التي يتمتع بها المرشح التي تجعله في نظره أفضل من مرشحي القوائم الأخرى. انتخابات كهذه لن تغير شيئاً بل ستبقي الأوضاع على ما هي عليه إن لم تزدها تفاقماً.