الحياة ٢٦ مارس-آذار ٢٠١٣

التاسع عشر من آذار (مارس) ذكرى الهجوم الأميركي على العراق  عام ٢٠٠٣، والتاسع من نيسان (أبريل)، من العام نفسه هو ذكرى سقوط النظام العراقي تحت ضربات الجيش الأميركي. وهاتان الذكريان تأتيتان على العراق كل عام بالتفجيرات 


عندما كانت القوات الأميركية موجودة على الأراضي العراقية، كان هناك مبرر، على رغم هشاشته وعدم مشروعيته، لقيام بعض أشكال الاحتجاج المسلح على احتلال القوات الأميركية العراق من دون تفويض رسمي من الأمم المتحدة. إلا أن الاحتلال انتهى رسمياً في حزيران (يونيو) عام ٢٠٠٤ وقد غادر آخر جندي أميركي العراق في أواخر عام ٢٠١١. ويفترض أن تمر هاتان المناسبتان بسلام على العراقيين لأن الحكم أصبح وطنياً، مهما كانت الاعتراضات على نوع الحكم وشخوصه أو طائفتهم ومنطقتهم. لكن الاحتجاجات في هاتين المناسبتين لم تتوقف، وكل عام تقطف التفجيرات المئات من أرواح العراقيين الأبرياء من العمال والمصلّين والحجاج.وأعمال العنف التي ينفذها الغاضبون على أميركا ومن أزعجهم سقوط النظام السابق لسبب من الأسباب، من الداخل والخارج. لكن المستهدف هم العراقيون الأبرياء في الأسواق والمساجد وأماكن العمل.

لم يعد خافياً أن هناك من يستهدف العراقيين الأبرياء في الأسواق والمصانع والمتاجر والمساجد، وليس لهؤلاء من حماية سوى الاجهزة الأمنية العراقية التي يعول عليها في اكتشاف المخططات الإرهابية وإحباطها.

ما الهدف من هذا الاستهداف للناس الأبرياء؟ لا شك في أنه زعزعة الاستقرار وإفساد الأجواء وإشاعة الرعب وتنغيص حياة الناس العاديين. ما الفائدة التي يجنيها مرتكبو هذه الجرائم من هذه الأفعال؟ لا شيء سوى الشعور بالنشوة عند إيذاء الآخر وإلحاق الهزيمة به. فالإرهابيون أناس يعانون عُقَداً وأزمات نفسية حادة تجعلهم في صراع مع المجتمع وتدفعهم نحو الانخراط في مجاميع مسلحة للتنفيس عن ضغوطهم النفسية، وهم للأسف يجدون في الدين متنفساً وتبريراً لارتكاب فظائعهم.

من هو الآخر الذي ينتشي الإرهابيون بإيذائه وقتله؟ العراقيون من مختلف المذاهب والتوجهات والأعمار والمشارب والمناطق، ولا يهم إن كانوا سنّة أو شيعة. فأبو مصعب الزرقاوي سعى لإراقة دماء السنّة «النائمين» كي «يستيقظوا» ويقتلوا الشيعة وباقي المجاميع التي تعيش بينهم.

كنا في السابق نعذر الأجهزة الأمنية العراقية باعتبارها كانت جديدة على العمل الأمني المعقد الذي يتطلب اكتشاف خلايا إرهابية متمرسة في العمل المسلح والقبض عليها قبل تنفيذ مخططاتها. إلا أن هذا العذر لم يعد قائماً بعد عشر سنوات من الصراع مع الإرهاب وبعد الاستثمارات الهائلة التي وضعتها الدولة في قطاع الأمن في السنوات الأخيرة.

لكن الأجهزة الأمنية، مع ذلك، ما زالت دون مستوى الطموح بمراحل عدة. والسبب هو نقص التدريب والمهنية، وغياب التماسك بين مؤسساتها وقطعاتها، لأنها جاءت من خلفيات مختلفة وعبر إجراءات لم تكن سليمة مئة في المئة، اضافة الى الاختراقات التي تعانيها بسبب وجود عناصر فاسدة تمرر معلومات وتسمح بمرور الإرهابيين عبر نقاط التفتيش مع معدّاتهم ومتفجراتهم.

وحتى الآن، لم تتمكن الحكومة من ايجاد آلية تتعرف من خلالها إلى المتواطئين مع الإرهاب الذين يسهّلون نفاذه إلى المدن والأسواق العراقية.

ومما يسهل عمل الجماعات الإرهابية في العراق ويشجعها على ارتكاب أفظع الجرائم هو الاختلافات السياسية الحادة التي تعصف بالعراق منذ عام ونصف عام على الأقل. فعندما تكون الجبهة السياسية منقسمة وقواها متناحرة، فإنها تفتح باباً للجماعات المسلحة، عن قصد أو من دونه.

الأزمة السياسية ما زالت تستعر، بل ازدادت تعقيداً مع إلغاء الحكومة الانتخابات المحلية في كل من محافظتي الأنبار والموصل لأسباب أمنية كما تقول، باعتبار أن هذه المحافظات تشهد احتجاجات واسعة النطاق منذ ثلاثة أشهر على الأقل. ويرى متخذو قرار التأجيل أن هذه الأجواء لا يمكن أن تسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة وخالية من العنف أو التهديد به.

لكن معارضي القرار، من الأحزاب والشخصيات السياسية المنظِمة لهذه الاحتجاجات، يعتقدون أن قرار التأجيل يهدف إلى حرمانهم من التأييد الذي يحظون به حالياً والذي ولّدته هذه الاحتجاجات والأخطاء التي ارتكبتها الحكومة في اعتقال الكثير من الاشخاص من دون مذكرات اعتقال قضائية، وغيرها من الأخطاء.

انسحاب وزراء التيار الصدري من الحكومة أخيراً، احتجاجاً على قرار التأجيل وتضامناً مع أحزاب المنطقة، قد ولّد هو الآخر أزمة جديدة لأنه حرم الحكومة التأييد الذي يمدّها بقوة الاستمرار. ومع انسحاب وزراء التحالف الكردستاني، فإن وضع الحكومة أصبح صعباً. لكن بقاء جبهة الحوار الوطني بقيادة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك ضمن الحكومة يعزز موقفها، لأنه يمنحها الشرعية اللازمة للاستمرار.

من ناحية أخرى، فإن رئيس الوزراء، السيد نوري المالكي، ما زال يتمتع بشعبية في الوسط والجنوب وقد أعيد انتخابه قبل أيام أميناً عاماً لحزب الدعوة الإسلامية، ما يعني أنه يتمتع بشعبية كبيرة داخل الحزب والكتلة التي يقودها. كتلة التحالف الوطني الحاكمة لم تفكر حتى الآن باستبداله كما تطالب أحزاب المعارضة، وليس من المرجح أن تقدم على مثل هذه الخطوة مستقبلاً في ظل الأجواء السياسية والطائفية المتوترة حالياً.

غياب الرئيس جلال طالباني عن الساحة قد جرّد الكتل السياسية من لاعب قادر على جمعها على طاولة واحدة للتباحث والتفاوض حول القضايا المختلف عليها. وليس مرجحاً أن يعود الرئيس طالباني إلى لعب أي دور في القريب العاجل بسبب مرضه، ما يعني أن الأزمة ليست على أبواب الحل.

المشجع في هذه الأزمة السياسية أنها ما زالت ضمن الأطر الدستورية والسياسية ولم تخرج إلى الاصطدام المسلح، على رغم وجود بعض الحالات المتفرقة التي سقط فيها قتلى في الفلوجة والموصل.

هناك حاجة ملحّة وعاجلة لأن تقوم الحكومة بمبادرة سياسية جريئة، سواء مباشرة أو عبر وسطاء، لجمع كل الأطراف في اجتماع شامل لبحث كل القضايا المختلف عليها كي يتوصل المجتمعون إلى حل، ولو موقتاً، لخلافاتهم. والحل لا بد من أن يتركز على أمرين هما اللجوء إلى انتخابات مبكرة أو السماح للحكومة بالاستمرار حتى نهاية ولايتها الحالية في آذار المقبل. كل الحلول الأخرى لن تجدي نفعاً ولن تكون مقبولة لكل الأطراف.

مطالب المعارضة باستبدال المالكي غير عملية، لأنه زعيم حزب كبير وكتلة كبيرة في البرلمان ومسألة بقائه من عدمها يقررها حزبه وكتلته فقط وليس الأحزاب أو الكتل الأخرى.

 http://alhayat.com/OpinionsDetails/496591