الأربعاء 20 مارس 2013  
 
منذ عام تقريباً والرئيس العراقي جلال طالباني غائب عن الساحة بسبب مرضه الذي لم يسمح له بأداء مهام منصبه المنصوص عليها في الدستور العراقي. 

مخطئ من يظن أن منصب الرئيس في العراق تشريفي، فالدستور واضح في إناطة العديد من الصلاحيات المهمة برئاسة الجمهورية، أحد أهمها أنه الركن الأول في السلطة التنفيذية المكونة من الرئيس ومجلس الوزراء حسب المادة ٦٦.

وتتجلى أهمية موقع الرئاسة من خلال المادة ٦٧ التي تصف شاغل المنصب بأنه “رمز وحدة الوطن ويمثل رمز وحدة البلاد ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور والمحافظة على استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه”.

أما المادة ٧٣ بفقراتها العشر فتحدد صلاحياته وهي في الحقيقة في غاية الأهمية، من إصدار العفو الخاص عن المحكومين، إلى المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، إلى المصادقة على القوانين التي يمررها مجلس النواب وإصدارها، ودعوة مجلس النواب إلى الانعقاد ومنح الأوسمة والنياشين وإصدار المراسيم الجمهورية والمصادقة على أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم المختصة.

وهو أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة للأغراض التشريفية، بينما يشغل رئيس الوزراء منصب القائد العام للقوات المسلحة. أما الفقرة العاشرة من المادة ٧٣ فتضيف له صلاحيات “أخرى” غير محددة لكنها تقول إنها واردة في الدستور.

المادة ٧٥ ثانياً تنص على أن يحل نائب الرئيس محل رئيس الجمهورية عند غيابه والفقرة ثالثا تنص على أن نائب الرئيس يحل محله عند خلو المنصب لأي سبب كان. لكنها تضيف “وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما من تاريخ الخلو”. والخلو هنا لا يعني الوفاة فقط، بل الاستقالة أو العجز عن أداء مهام المنصب بسبب المرض.

الرئيس طالباني الآن غير قادر على أداء أي من صلاحياته التي نص عليها الدستور وهي كما رأينا صلاحيات مهمة ومطلوبة في هذه المرحلة التي يواجه فيها العراق العديد من التحديات الخطيرة. بالتأكيد ليس هناك من يلوم الرئيس فهو رجل مريض وقد تجاوز الثمانين من عمره.

وعلى المستوى الشخصي، فقد ربطتني به علاقة خاصة منذ أيام المعارضة للنظام السابق ويتذكر زملائي في البي بي سي أنه زارني في مقر عملي أكثر من مرة.

وعندما شُكِّل مجلس الحكم، أصبح هو عضواً في المجلس ثم رئيساً له، بينما أصبحتُ أنا ناطقاً باسم المجلس وقد كنت إلى جانبه في العديد من الاجتماعات المهمة ورافقته في زيارات رسمية إلى عدد من الدول بينها إيران وتركيا. ويتذكر الأخوة الأكراد أنه قال ذات يوم معلقاً على أدائي المهني “ليس هناك من يشرح القضية الكردية للعالم أفضل من حميد الكفائي على رغم أنه ليس كرديا”…

لذلك فإنني حزين لغياب الرئيس لأسباب شخصية، باعتباره صديقاً، ولأسباب وطنية باعتباره مناضلاً عراقياً ناضل لعشرات السنين من أجل قيم الحرية والديمقراطية، سواء لكردستان أو للعراق ككل.

ولكن لم يعد مقبولاً، وطنياً أو عالمياً، أن يبقى منصب الرئيس العراقي شاغراً في وقت تمر فيه البلاد بأزمة سياسية خطيرة، مع كامل الاحترام لموقع نائب الرئيس السيد خضير الخزاعي وأدائه مهام الرئيس المناطة به والتي لم ينتقدها أحد حتى الآن. ولكن يبقى لموقع الرئيس، وليس النائب، أهميته وحضوره.

هناك الآن حاجة ماسة لأن يفكر السياسيون ببديل للرئيس طالباني كي يضطلع بمهام المنصب وكي يريح الرئيس من وخز الضمير الذي لا بد وأنه يشعر به وهو على فراش المرض بسبب عدم قدرته على لعب دوره المهم، وقد يساهم هذا الإجراء في شفائه وتخفيف أعباء المرض عنه.

العراق بحاجة إلى شخصية وطنية جامعة وعابرة للطوائف والقوميات ولها وزنها الوطني وتأريخها النضالي، وتتميز بقدرات سياسية وسلطة معنوية على الجميع، شخصية يشعر جميع العراقيين أنها منهم وليس جزءاً من طائفة أو قومية معينة، على رغم أنها لا بد وأن تأتي من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية. وليس من الضروري أن يكون الرئيس كردياً، فهذا أمر لم ينص عليه الدستور والاصرار عليه سيزيد البلاد فرقة. قد يكون الإتيان بشخص يحظى بثقة المناطق المضطربة حالياً مهماً في هذه المرحلة كي يساهم في تعزيز الاستقرار ويكون فعالاً في أداء مهامه ومنصفاً في أدائه باعتباره رئيسا لكل العراقيين وليس جزءاً منهم.