تعرفت على السيد مهدي الحكيم في رمضان من عام 1985 بعد أن عدت إلى لندن من اسكتلنده، وكنت قبل هذا التأريخ أبحث عنه لما رسخ في ذهني وذاكرتي من صفاته الحميدة الكثيرة التي عُرف بها.

كنا نحن الشباب المعارضين للدكتاتورية في تلك الفترة نبحث عن رموز وطنية جامعة يتفق عليها العراقيون وقد وجدنا في السيد مهدي رمزا عراقيا مميزا يمكن أن يتفق عليه العراقيون بكل توجهاتهم الفكرية والدينية والسياسية، فهو من جهة سليل عائلة عراقية رائدة في مجالات عدة، وقد درس العلوم الدينية في حوزة النجف العريقة وعلى يدي والده المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم، ومن جهة أخرى فإنه تحلى بصفات شخصية نادرة نالت إعجاب الناس جميعا… فقد جمع السيد بين الأصالة والحداثة والعلوم الحديثة والقديمة وتميز بفكر نير وجرأة قل نظيرها في شرح النصوص الدينية وجعلها تتلاءم مع متطلبات العصر. وأهم ما تميز به السيد مهدي وكان ذلك واضحا للجميع هو التواضع والانفتاح على الجميع.

لم يكن مستغربا أن تجد في مجلسه المسيحي والصابئي وغير المتدين إلى جانب المتدين السني والشيعي والعربي والأجنبي فقد وجد الجميع في السيد مهدي ما كان يبحث عنه. كان مجلسه يعج بالمثقفين والشعراء والأدباء والأساتذة من عراقيين وعرب وأجانب، وكنت قد تعرفت على كثيرين منهم في مركز أهل البيت الذي أسسه السيد مهدي الحكيم في مطلع الثمانينيات، وأتذكر منهم الأستاذ في جامعة كامبريج الدكتور جون كوبر الذي تحول إلى الإسلام. كما تعرفت في المركز إلى العديد من الغربيين الذين تحولوا إلى الإسلام لما وجدوه في السيد مهدي من احتضان لهم وتعامل راق يوفق بين موروثاتهم الثقافية ومتبنياتهم الدينية الجديدة. كما كان يرتاد مركزه أعضاء في منظمة التعايش الديني ويعقدون جلساتهم ومؤتمراتهم فيه لما رأوه من أجواء محايدة.

كنت حريصا على حضور مجلس السيد مهدي كل يوم أحد بما في ذلك يوم الأحد السابع عشر من كانون الثاني 1988 وهو يوم استشهاده. ذهبت إلى المركز ولم أجد سوى قلة من الأشخاص كان بينهم السيد عبد الزهرة زوين الذي قال لي إن السيد مسافر وسيكون في المركز الأسبوع المقبل. وبعد فترة وجيزة وبينما كنت أقود سيارتي عائدا إلى المنزل، سمعت من إذاعة البي بي سي العالمية خبر اغتياله. لقد شكل اغتياله صدمة كبرى ليس فقط لمحبي السيد مهدي وهم كثر، بل للمعارضة العراقية وكل المهتمين بالشأن العراقي وحقوق الإنسان في العالم.

من العبارات التي سمعتها من السيد مهدي الحكيم ورسخت في ذاكرتي هي قوله إن صدام قد سهَّل مهمتنا في تعريته أمام الرأي العام العالمي لغبائه وكثرة أخطائه وجرائمه، وكان السيد مهدي يقارنه بيزيد بن معاوية الذي قال إنه لم يترك لأحد مجالا لأن يشك في سوئه وضلاله، على خلاف أبيه الذي كان يتعامل بذكاء مع الأحداث مما جعل له بعض المريدين.

كان السيد مهدي لا يتردد في الذهاب إلى أي مكان واللقاء بأي شخص لشرح القضية العراقية ولم يهتم لسلامته الشخصية كثيرا وكنا نحن محبيه نخشى عليه من الاغتيال وكنا دائما ننصحه بأخذ الحيطة والحذر في تحركاته لكنه اعتاد على الإقدام والاستعداد للتضحية وكان يقول إن صدام يريدنا أن نكون حذرين قلقين منه كي نقلص من نشاطاتنا خوفا منه ومن إرهابه لكن ذلك لن يحصل ولن نستسلم لهذا المجرم فأرواحنا ليست بأغلى ممن استشهدوا قبلنا.

كان يحمل هم العراقيين جميعا أينما ذهب ومن هنا جاء تصميم النظام على تغييبه جسديا متوهما أنه بهذه الجريمة الشنعاء سيتمكن من البقاء في السلطة ويفلت إلى الأبد من العقاب على ما ارتكبه من جرائم. لكن اغتيال السيد مهدي في عاصمة عربية نائية قد قدم دليلا قاطعا للعالم العربي، الذي كان وقتها يغط في نوم عميق حيال جرائم صدام بحق الشعب العراقي، بأن نظام صدام هو نظام إرهابي لا يتورع عن ارتكاب أي جريمة بحق من يختلف معه في الرأي وإن كان هذا عالما مسالما يسعى لخير البشرية كما كان السيد مهدي يفعل.

بإمكاني أن أقول المزيد عن مآثر السيد مهدي الحكيم وأفكاره النيرة وإنسانيته الفريدة وحبه لبني البشر جميعا ولكن اكتفي بهذا القدر وأترك المزيد لمناسبة أخرى.
 
حميد الكفائي