الآراء المسيئة للأكراد تستدعي موقفاً شيعياً 
الحياة ٢٨ آب/أغسطس ٢٠١٢
 
      لماذا لم يستنكر عمار الحكيم أو عادل عبد المهدي  تصريحات جلال الصغير المسيئة للأكراد؟
ليس معلوماً ما الذي قصده الشيخ جلال الصغير، إمام مسجد براثا في بغداد، عندما قال في محاضرة أخيرة له إن الإمام المهدي سيحارب الأكراد عندما يظهر آخر الزمان، لكن المعلوم أنه جعل الأضواء تعود إليه مرة أخرى بعدما اختفى كلياً من المسرح السياسي إثر فشله في الحصول على مقعد نيابي في الانتخابات الأخيرة، وهي الانتخابات الأولى التي يدخل فيها البعد الشخصي طرفاً في النجاح أو الفشل بعد تعديل لوائح الانتخابات.
 
الغريب في تصريحه الأخير، الذي جاء ضمن «محاضرة» أُعد لها إعداداً جيداً واستُخدمت فيها أدوات الإيضاح الحديثة، عن الإمام الثاني عشر (الغائب منذ أكثر من ألف عام والذي سيظهر آخر الزمان وفق معتقدات الشيعة)، أنه استهدف الأكراد وهم حلفاء تاريخيون لحزب المجلس الأعلى الإسلامي الذي ينتمي إليه.
 فهل هذا موقف سياسي جديد للمجلس، الذي اقترب في الآونة الأخيرة من موقف الحكومة في خلافها مع إقليم كردستان والقائمة العراقية والتيار الصدري، أم رأي «ديني» للشيخ الصغير وحده ولا يمثل رأي المجلس؟
 
لا شك في أن هذا «الرأي» الغريب أحرج الأحزاب الشيعية جميعاً، ورجال الدين الشيعة تحديداً، إلا أنه، ومع كل هذا الإحراج، لم يصدر حتى الآن أي بيان من جهة دينية او سياسية يوضح فيه الموقف الصحيح تجاه ما قاله الشيخ عن الأكراد، سواء بصيغة الاستنكار أو الاختلاف او مجرد التوضيح، باستثناء موقف حزب الفضيلة الإسلامي الذي أعلنه النائب عمار طعمة والذي قال ما معناه إن ظهور الإمام المهدي خير للجميع ولا يمكن أن يكون معادياً لشعب من الشعوب.
 
من الواضح أن معظم الشيعة، سياسيين كانوا أم رجال دين، لم يحملوا رأي الشيخ الصغير على محمل الجد ولم يعيروا له أي أهمية، بل سخروا منه وأهملوه متوهمين أن ذلك يكفي، لكن عليهم أن يعرفوا أن الأكراد حملوه على محمل الجد وقد يغيِّر هذا من تفكيرهم ومواقفهم في المستقبل إن لم يعلِن من يمثل الطائفة الشيعية رأيه الصريح بهذا الكلام المسيء للأكراد ولفكرة المهدي المنتظر التي يؤمن بها الشيعة وتتناقض مع ما قاله الصغير.
 
فالإمام المهدي وفق العقيدة الشيعية يخرج آخر الزمان «كي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً»، فكيف يمكن أن يحارب شعباً بأكمله يضم معظم المذاهب الإسلامية بمن فيها الشيعة.
                                                كيف عرف جلال الصغير أن المهدي المنتظر سوف يحارب الأكراد؟

وبغض النظر عن الرأي الديني في المسألة، وهو بالتأكيد لا يمكن أن ينسجم مع ما قاله الصغير، فالرأي السياسي يحتم على المرء ألا يطلق تصريحات ضد شعب من الشعوب أو مكون من المكونات، لأنه عندئذ سيجلب عليه غضب أتباعه قبل غيرهم. لكن الشيخ تخلى، على ما يبدو، عن طموحاته السياسية بعد فشله في الانتخابات الماضية، ولم يعد يكترث لآراء الناس حوله.
 
أو أنه ربما أراد أن يحرج حزبه، المجلس الأعلى، الذي رشحه في الانتخابات الماضية عن دائرة انتخابية كردية (دهوك) لم يكن متوقعاً أن يفوز فيها، لأن الناخبين هناك يصوّتون في العادة للأحزاب الكردية.
 
وقد يكون الصغير اعتبر ذلك تخلياً عنه من الحزب الذي لم يرشحه لأي مقعد تعويضي يُعطى في العادة لغير الفائزين، وهو إجراء تنفرد به الديموقراطية العراقية، إذ جرت العادة ألا يدخل البرلمان من لم يفُز في الانتخابات. ولا أدري كيف يرشح الشيخ الصغير عن دائرة كردية وهو يحمل مثل هذه الأفكار عن الشعب الكردي؟ وهل كان في إمكانه أن يصرح بمثل هذا الرأي «الديني» لو أن الأكراد صوّتوا له وفاز في الانتخابات؟
 
قد تشعر الحكومة أنها غير معنية بتصريحات الشيخ الصغير، وهو بالتأكيد لا يمثلها لأنه لا يحمل أي صفة رسمية، لكنه كان في الدورة البرلمانية السابقة رئيساً لكتلة الائتلاف الوطني البرلمانية الشيعية الحاكمة، وهذا يجعل كثيرين يعتقدون أن آراءه هذه تمثل الشيعة جميعاً. لكن تأثيرات هذه الآراء في الوئام الاجتماعي، خصوصاً أنها تصدر عن سياسي معروف ورجل دين يلقي خطبة جمعة كل أسبوع في مسجد هو الأكبر بين مساجد بغداد، ستؤثر في أداء الحكومة التي ستضطر للتعامل مع آثارها على المجتمع.
 
لذلك فإن هناك حاجة الى موقف رسمي حكومي في مثل هذه الأمور، لأنها خرجت عن نطاق الرأي الشخصي. ورأي رجل الدين، حتى وإن كان شخصياً، يؤثر، سلباً أو إيجاباً، في أتباع الطائفة والدين اللذين ينتمي إليهما، تماماً كما يؤثر رأي السياسي المنتمي إلى حزب معين في حزبه. والشيخ الصغير رجل دين وسياسي في الوقت نفسه، وآراؤه تؤثر في الطائفة والحزب اللذين ينتمي إليهما، ومن هنا لا يمكن اعتبار المسألة شخصية لأنها تتعلق بشريحة كبيرة من العراقيين.
 
في الستينات من القرن الماضي، أفتى مرجع الشيعة الأكبر، السيد محسن الحكيم، بحرمة محاربة الجيش العراقي للأكراد لأنهم شعب مظلوم له حقوق قومية. وقد دفعت تلك الفتوى الكثير من الشيعة لأن يرفضوا الانخراط في وحدات الجيش التي تقاتل الميليشيات الكردية الثائرة على الحكومة المركزية، ما ترك آثاراً إيجابية في نفوس الأكراد الذين شعروا أن هناك من يدافع عنهم في المجتمع العراقي العربي وأن موقف الحكومة المركزية منهم لا يمثل كل العرب.
 
اليوم يطلق الصغير هذا الرأي غير المسؤول ليعكس كل المكاسب التي حققها غيره في مجال الوئام والتماسك الاجتماعي في العراق. والغريب أنه ينتمي إلى المجلس الأعلى الإسلامي الذي يترأسه حفيد الإمام الحكيم الذي يحظى باحترام كبير بين الأكراد بسبب موقفه المؤيد لحقوقهم القومية.
 
الاحتماء بالدين لتمرير آراء سياسية متطرفة أمر في غاية الخطورة، ويتطلب موقفاً حازماً من المرجعية الدينية التي لم تتردد في السابق في إعلان موقفها من القضايا المهمة التي تهم الطائفة. ورأي الشيخ الصغير يضر بالطائفة الشيعية عموماً ويحرج الشيعة الأكراد على وجه التحديد، ويزعزع تماسك الشعب العراقي، ما يتطلب موقفاً واضحاً وعاجلاً من المرجعيات الدينية والحكومة العراقية وبالتأكيد من السيد عمار الحكيم. وعدم صدور موقف حتى الآن يعد إهمالاً غير مبرر من شأنه أن يلحق أضراراً كبيرة بوحدة العراق وتماسك شعبه.
 
حميد الكفائي