الصفويون في المتحف البريطاني حميد الكفائي 

إيلاف 27/12/2006، الزمان 28/12/2006

أخبرتني الدكتورة لمياء الكيلاني، خبيرة الآثار العالمية، أثناء تطرقنا لموضوع خطاب الدكتور عدنان الدليمي في مؤتمر اسطنبول وذكره للصفويين وتحذيره منهم، أن المتحف البريطاني سوف يقيم أسبوعا خاصا للتعريف بآثار الصفويين العام المقبل.
 
طبعا لا أعرف السبب الذي جعل المتحف البريطاني يقدم على هذه الخطوة، هل هو بسبب الذكر المتكرر للصفويين في السياسة العراقية هذه الأيام وأنهم أصبحوا موضوعا آنيا رغم أن حكمهم انتهى منذ ما يقارب الأربعمئة عام، أم أنه (المتحف البريطاني) يريد إزعاج الدكتور عدنان الدليمي بهذا العمل! لكني مع ذلك اقترح على المتحف البريطاني دعوة الدكتور عدنان وغيره من المنزعجين من التاريخ لحضور هذا الأسبوع الثقافي كي يتعرفوا على الصفويين عن قرب بدلا من أن يخشوهم وهم في القبور.
 
ولا بد من الاعتراف أنني لا أعرف الكثير عن الصفويين، لكني بدأت اهتم بهم بعد الاهتمام الذي أولاه لهم بعض البرلمانيين العراقيين والسياسيين الجدد، وفي مقدمتهم الدكتور عدنان الدليمي، وهو بالمناسبة رئيس ثالث أكبر كتلة في البرلمان العراقي. فقد كنت قد سمعته يتحدث عن الشعوبيين في العام الماضي في مؤتمر “للوحدة الوطنية” دعا إليه الدكتور إياد علاوي في تشرين الأول من عام 2005. وعندها تعلمت شيئا عن الشعوبية، وهي ظاهرة تاريخية ظهرت إبان العصر العباسي وتشير إلى وجود مجاميع من الأعاجم المفتخرين بثقافتهم القومية في البلدان العربية، وقد انتهت هذه الظاهرة منذ ما يقارب الألف عام، أي أنه لا وجود للشعوبية في العراق اليوم لأنه ليس هناك أعاجم يعتزون بثقافتهم، إلا اللهم الأمريكان الذين يحاولون مغادرة العراق منذ مجيئهم إليه في ربيع عام 2003 ولكن دون جدوى بسبب “تعلق” العراقيين بهم وإصرارهم على إبقائهم بين ظهرانيهم.
 
وبعد أن تعرفت قليلا على الشعوبية، بقي علي أن أتعلم شيئا عن الصفويين حتى أتمكن أن أفهم مفردات السياسة العراقية المعاصرة، رغم أنني جبت المدن والقرى العراقية منذ سقوط النظام وحتى الصيف الماضي، واختلطت بالناس من كل الأجناس والأعمار والطبقات، لكنني وجدت أن اهتماماتهم مختلفة تماما عن اهتمامات من يدّعون تمثيلهم وهي تتعلق بحاجاتهم الأساسية من كهرباء وخدمات وتعليم وصحة ووظائف وأمن وليس لها علاقة من قريب أو بعيد بتاريخ الموجات البشرية التي دخلت العراق في فترات مختلفة في التاريخ القديم، ولا بأصول الناس العرقية ولا بالخلافات الفقهية بين المذاهب الإسلامية التي هي ليست جديدة بل متجذرة في أعماق التاريخ الإسلامي، فالاختلافات الاجتهادية والفقهية بدأت في العصر الإسلامي الأول وبعد وفاة الرسول مباشرة وتواصلت حتى يومنا هذا وسوف تستمر إلى نهاية التاريخ.
 
إنني بالتأكيد سأحضر فعاليات هذا الأسبوع الثقافي في المتحف البريطاني كي أتعلم المزيد عن الصفويين وتاريخهم. وحسب قول الدكتورة لمياء الكيلاني، وهي بالتأكيد مطلعة في هذا المجال، فإن الصفويين هم أتراك سُنة من أتباع إحدى الطرق الصوفية، وعندما أراد ملكهم إسماعيل الصفوي محاربة الأتراك العثمانيين فإنه وجد صعوبة في إقناعهم بمحاربة أبناء جلدتهم الأتراك وأبناء مذهبهم السنة، فوجد من الضروري التفريق بينهم وبين الأتراك العثمانيين دينيا، ومن هنا فإنه أقدم على اعتناق المذهب الجعفري وجعله المذهب الرسمي في إيران. أي أن المسألة كلها تتعلق بالصراعات التاريخية بين الأقوام التركية ولا علاقة لنا بها نحن العراقيين خصوصا في هذه الفترة.
 
كذلك سأحضر المحاضرات الخمس التي ستلقى في جامعة لندن، كلية الدراسات الأفريقية والشرقية، عن الشيعة في مطلع كانون الأول عام 2007، والتي أخبرتني عنها الدكتورة لمياء مشكورة، حتى أتعلم المزيد عن الشيعة والتشيع، وبالتأكيد سوف أتعلم عن السنة أيضا في هذه المحاضرات إذ لا يمكن أن يُذكر الشيعة دون ذكر السنة، فالطائفتان متلازمتان تاريخيا وفقهيا وبشريا وفي كل شيء، وهما جناحا هذه الأمة، ولن تطير إلا بهما.
 
ولابد من الاعتراف أنني أهملت دراسة التاريخ واهتممت بالسياسة فقط، وهذا خلل علي أن أصلحه في أسرع وقت. إلا أن مشكلتي في تعلم المصطلحات والرموز والحقب التاريخية التي مر بها العراق قد ازدادت تعقيدا بعد أن استمعت إلى خطاب الدكتور عدنان الدليمي أمام مؤتمر اسطنبول، الذي شمل تفصيلات تاريخية جديدة. اتضح لي أن علي أن أدرس ليس فقط الصفويين والشعوبيين، بل البويهيين والقرامطة أيضا، إذا أضافهما الدكتور الدليمي إلى قائمة المفردات التاريخية التي يتحدث بها في خطاباته.
 
كما تحدث أيضا عن تاريخ بغداد وقال إنها بغداد المنصور وهارون الرشيد وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة، وهو بالتأكيد لا يستطيع أن يذكر كل الشخصيات التاريخية البغدادية في “عجالة” خطاب في مؤتمر، بل قصرها على الشخصيات المهمة، والشخصيات التي ذكرها مهمة جدا دون شك، خصوصا الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت، الذي سمي باسمه حي الأعظمية ببغداد. وقد تعلمت الكثير عن حياته وعلمه وتواضعه وحبه لأهل بيت النبوة ومواقفه الشجاعة وعلاقته الحميمة بالإمام زيد بن علي من خلال مسلسل تلفزيوني مصري قيّم مثل فيه دور الإمام أبي حنيفة الممثل القدير محمود ياسين. وأتمنى أن تتولى إحدى القنوات التلفزيونية العراقية أن تعرض هذا المسلسل التلفزيوني الرائع في أقرب فرصة لما فيه من معان وعبر ومعلومات نحن أحوج ما نكون إلى تذكير أنفسنا بها. ولا يستهينن بعضكم بالمعلومات التي تعرضها المسلسلات التلفزيونية التاريخية، لأنها متقنة من هذه الناحية، رغم أنها تركز على جوانب معينة من حياة الشخصيات التاريخية وتغفل جوانب أخرى.
 
وفي هذا الإطار اعتقد أن عدم تناول السينما والتلفزيون لحياة لأئمة والخلفاء بسبب فتاوى تحرم تمثيل أدوارهم قد أضر كثيرا بالمعرفة بحياة هؤلاء والظروف التي رافقتها، إذ نحن نعيش في عصر يعتمد على الصورة أكثر من الكتاب والرسم أكثر من الخطاب. والغريب أن عامة الشيعة يقومون بتمثيل دور الإمام الحسين وأهل بيته في واقعة كربلاء كل عام في مناطق كثيرة من العالم ولم يعترض عليها الفقهاء، إلا أن منتجي الأفلام والمسلسلات لم يقدموا على إنتاج أي عمل تلفزيوني لشخصيات الأئمة، ربما عملا بالرأي الديني المذكور.
 
هناك شخصيات بغدادية أخرى علي أن أعرف المزيد عنها، بالإضافة إلى الشخصيات التي ذكرها الدكتور عدنان. أنا بالتأكيد أعرف كثيرا عن شخصية الإمام موسى الكاظم، الذي سمي باسمه حي الكاظمية المقابل لحي الأعظمية على الضفة الأخرى من نهر دجلة، وقد تعرفت على شخصيته ليس فقط من خلال الكتب بل من خلال أحاديث الخطباء عنه في المجالس، خصوصا المرحوم الشيخ أحمد الوائلي، الذي قل نظيره في غزارة معلوماته وإتقانه لتسلس الأحداث وموضوعية طرحه لأفكاره، وكما يقول المثل فإن المجالس مدارس نتعلم منها كل صنوف المعرفة، وفي مقدمتها التاريخ.
 
ويتميز الإمام الكاظم بموقع مهم بين أئمة الشيعة لأنه ضرب مثلا في الزهد والتواضع والصبر لكنه مع ذلك تعرض للسجن حتى مات في سجنه ببغداد، تماما كما حصل مع الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت من قبله. ويقصد الإمام الكاظم الزائرون من مختلف أنحاء العالم من السنة والشيعة، وقد أُطلق عليه لقب (باب الحوائج) لأن الكثيرين ممن قصدوه قد تحققت أمنياتهم وحاجاتهم بعد زيارتهم لمرقده في بغداد والدعاء فيه.
 
وبسبب قدسية المرقد وعلو مقام صاحبه واعتزاز الناس بذكراه فقد زينت القبة بالذهب بينما زخرف المسجد بأجمل الزخارف ووضعت في سقفه الداخلي وجدرانه أجمل النفائس الأثرية والجمالية. وحتى لا تتحول هذه المقالة إلى حديث عن الشخصيات الدينية البغدادية التي تحتاج إلى مساحة أوسع من مقال، نعود إلى التاريخ ولماذا أصبح مهما هذه الأيام عند بعض سياسيينا، بل لماذا يحمّل بعضهم شرائح المجتمع العراقي الحالية تبعات أخطاء أو اختلافات العصور المنصرمة التي انقضت ولا يعرف عنها أحد شيئا ولا يحتاج لأن يعرف.
 
لا أدري هل يفهم سياسيونا الحاليون أن مهمتهم هي جمع الناس وليس تفريقهم، وردم الهوة بينهم وليس تعميقها وإزالة الفروق الاجتماعية والاقتصادية وليس خلقها والبحث عن سبل لحل الخلافات وليس نبش التاريخ وإبراز خلافات الموتى كي تضاف إلى خلافاتنا الحالية…
 
أعتقد أن ما قاله الدكتور عدنان الدليمي في مؤتمر اسطنبول واعترافه، بل وافتخاره، بأنه طائفي هو إدانة للعملية الديمقراطية المنفلتة التي لا تميز بين حرية الرأي والتحريض على العنف الطائفي وبين العمل السياسي الوطني أو التخندق الطائفي والمناطقي، وأحسب أنه لن ينهض من كبوته هذه لأنه من حيث يشعر أو لا يشعر قد أدخل نفسه وحزبه في حرب مع شرائح المجتمع العراقي المختلفة بما فيها السنة. فالسنة هم أهل العراق دون شك كما إن الشيعة والأكراد والتركمان والآشوريين والكلدان والصابئة والأيزيديين والكرد الفيلية والشبك وباقي مكونات الشعب العراقي هم أيضا أهل العراق.
 
ولكون السنة من أهل العراق وبُناته ودعاة وحدته، فهم دون شك حريصون على التعايش مع أبنائه الآخرين وتعميق الوئام بين مكوناته ولا يرغبون في أن يدخلوا في معارك “لتصحيح التاريخ” مع أخوانهم وأبناء وطنهم مثلما يحلو لبعض “السياسيين” الذين يدّعون تمثيلهم أن يدخلوهم فيها. من الواضح أن ما قاله عدنان الدليمي ليس كلاما سياسيا ويدل على أن الرجل لا يمتلك مهارات سياسية أساسية تؤهله للبقاء في العمل السياسي، وأعتقد أنه خلق مشكلة سياسة لجبهة التوافق عليها أن تجد لها حلا سريعا لأن التغاضي عنها لن يحل المشكلة. لا يمكن شخصا أن يعترف علنا وأمام مؤتمر عالمي بأنه طائفي ويهاجم مكونات الشعب العراقي الأخرى ويدعو الأجانب إلى التدخل في شؤون العراق أن يبقى على رأس ثالث أكبر كتلة برلمانية في مجلس النواب دون أن تدفع هذه الكتلة ثمنا سياسيا كبيرا، ولو حدث هذا في أي بلد آخر لاضطر إلى الاستقالة أو أجبر عليها.
 
إن خير ما يمكن الاستشهاد به هنا هو القول البليغ الذي صدر مؤخرا عن الأستاذ سمير الصميدعي، سفير العراق في الولايات المتحدة، وهو أن “خير من يحمي سنة العراق هم شيعة العراق وخير من يحمي شيعة العراق هم سنة العراق”. أما الصفويون والشعوبيون والقرامطة والعلقميون وغيرهم فقد ذهبوا إلى ربهم قبل مئات السنين بحسناتهم وسيئاتهم وهو الذي سيقيّم عملهم ويحاسبهم أو يكافئهم، ونحن لسنا ملزمين في القرن الحادي والعشرين بما قالوه أو فعلوه.
حميد الكفائي

 

http://www.elaph.com/Web/Webform/SearchArticle.aspx?ArticleId=200154&sectionarchive=ElaphWriter

http://www.azzaman.com/azzaman/ftp/articles/2006/12/12-27/818.htm