المدى-5-6-2012
 
حتى لو كنتُ قد توافرتُ على دراسة القرآن والحديث والسُنّة وأصول الدين والمذاهب الخمسة، فليس من حقي أن أُفتي في أي مسألة دينية، لأنني ببساطة شديدة لم أدرس في مدرسة دينية ولم أتخرج على أيدي رجال دين متخصصين ومؤهلين ومجازين. وكذا الحال بالنسبة لأي متخصص في الحقول غير الدينية، حتى لو كان عالماً عظيم الشأن في الذرة أو الفضاء أو الفيزياء. في المقابل لا يحق لعالم الدين، بصفته هذه، أن يُفتي في أمور السياسة والاقتصاد، ببساطة لأن شغله الدين وليس السياسة أو الاقتصاد .. السياسيون والاقتصايون هم أهل السياسة والاقتصاد مثلما للطب أهله هم الاطباء وللهندسة أهلها هم المهندسون.
 
يخرب الطب إن تولاه المهندسون وتخرب الهندسة إن تولاها الأطباء ويخرب الدين إن أفتى فيه مَن ليس متخصصاً فيه من أمثالي .. وبالضرورة تخرب السياسة إن تدخّل فيها رجال الدين. هذا كلام ليس نظرياً، فالسياسة في أوروبا، على سبيل المثال، كانت متوحشة بصورة سافرة للغاية في العصور الوسطى بسبب هيمنة رجال الكنيسة على شؤون الحكم والسياسة. ولم تنته تلك الحقبة المظلمة الا بثورات عارمة أفضت الى الفصل بين الدين والسياسة، ما أتاح لأوروبا أن تنطلق في فضاء الحرية والتقدم العلمي والتكنولوجي والثقافي والاقتصادي العاصف، وفي الأثر مشى العالم كله، لكن جزءاً من هذا العالم مابرح يكابد التخلف، هو جزؤنا نحن العربي – الاسلامي الذي لم يزل فيه رجال دين يدسّون انوفهم في السياسة فيسيئون للدين والسياسة في آن. 
أول من أمس سمعنا عن فتوى من رجل دين يعيش في إيران .. نعم في إيران، يفتي بحرمة التصويت للعلمانيين في العراق! (العلمانيون هم الذين يفصلون بين الدين والسياسة وبينهم متدينون وآخرون غير متدينين).
 
لست أدري إن كان رجل الدين هذا قد اطلع على الدستور المعمول به حالياً في العراق .. انه دستور علماني بامتياز، وكل الذين يحكمون العراق الآن في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية أقسموا علناً على الولاء لهذا الدستور وتعهدوا بالالتزام به وعدم خرقه والحيدة عن أحكامه، ويتساوى في هذا المتدينون (أعضاء الأحزاب الاسلامية) والعلمانيون.
إذا كان التصويت للعلمانيين حراماً في نظر الدين (كما أفتى رجل الدين من إيران) فمن باب أولى أن يُحرّم العمل بالدستور نفسه (حظي بقبول معظم الشعب العراقي)، وأن يُحرّم وجود الإسلاميين في السلطة القائمة على هذا الدستور، استناداً الى قاعدة: ما بُنيَ على باطل فهو باطل!
 
تطبيق الفتوى المشار اليها سيعني إما خروج الإسلاميين بأجمعهم من السلطة أو انقلابهم على النظام القائم وتعليق العمل بالدستور وتشريع دستور جديد لا يتضمن أي مادة لا تلتزم بأحكام الدين والشريعة.
لا أظن ان الإسلاميين سيختارون الخروج من الحكم، فمن الجلي للغاية انهم يتشبثون بكرسيه باسنانهم وأظفارهم، ولا أتصور انهم سيُقدمون على حركة انقلابية، فهم يدركون انهم إن فعلوا هذا سيحفرون قبرهم بأيديهم.
الخيار السليم الا يتدخل رجال الدين، بصفتهم هذه، في السياسة، وان ينأى السياسيون بانفسهم عن الدين وشؤونه.