الأوربيون يتساءلون: «دمقرطة الإسلام أم أسلمة الديموقراطية» ؟
 
الحياة ٢٩ مايو ٢٠١٢

عندما يتحدث الأوروبيون عن الحضارة العربية وإنجازات العرب فأول ما يتذكرونه هو حضارة العرب في الأندلس ومدنها الكبرى الثلاث: إشبيلية وغرناطة وقرطبة. والحقيقة هي إن كان للعرب ما يفخرون به فهو بالتأكيد حضارة الأندلس التي تركت بالغ الأثر عند الأوروبيين في مجالات عدة، أولها تسامح العرب وعدم إجبارهم الأوروبيين الذين حكموهم على اعتناق الإسلام، ويأتي بعده التقدم العمراني والاقتصادي الذي أحدثوه أثناء حكمهم وما زالت آثاره باقية.

 
لهذا فإن الإسبان ما زالوا يكنّون احتراماً للتراث العربي في بلادهم، فلم يحاولوا طمس الآثار العربية ولم يغيروا الأسماء العربية للمدن والمناطق والأنهر بل ما زال نهر (الوادي الكبير) يتدفق وسط إشبيلية وقصر الحمراء شامخاً في أعلى بقعة في غرناطة، ومسجد قرطبة العملاق من أهم معالم المدينة، ويتدفق على هذه المناطق ملايين السياح سنوياً من مختلف بقاع العالم جالبين معهم أموالاً طائلة.
 
وعندما فكر الأوروبيون في بحث أحوال المنطقة العربية الملتهبة منذ أواخر 2010 والتي لا تبعد عن سواحلهم الجنوبية سوى مسافات قصيرة، لم يجدوا مكاناً أكثر قرباً للعالم العربي وأبلغ وقعاً عليه من إشبيلية، المدينة الأندلسية الفائقة الجمال التي كانت من أهم مراكز حضارة العرب في الأندلس، فعقدوا فيها مؤتمراً في الفترة 10-11 أيار (مايو) تحت عنوان: «علاقات الاتحاد الأوروبي مع منطقة جنوب المتوسط بعد عام على الربيع العربي». كان الهدف تحليل ظاهرة الثورات العربية واحتمالات المستقبل والشكل الذي يمكن أن تكون عليه علاقات الاتحاد مع هذه المنطقة الهائجة المتغيرة.
 
افتتح المؤتمر نائب الأمين العام للاتحاد الأوروبي للشؤون المتوسطية، السفير يجيت ألبوغان، الذي كان متفائلاً بقدرة أوروبا على التعامل معها بإيجابية، مستفيدة من تجربتها الناجحة في أوروبا الشرقية التي اجتاحتها موجة مماثلة قبل أكثر من عقدين. قال ألبوغان، وهو ديبلوماسي تركي مخضرم عمل سفيراً لبلاده في دول عدة قبل أن يعين في منصبه الحالي، إن تجمع دول الاتحاد الأوروبي وجنوب المتوسط، الذي يضم 43 دولة، منها 27 أوروبية، سيكون قوة لخير الجميع ودول جنوب المتوسط تحديداً، إذ إن هناك عشرين مليون وظيفة ستنشأ في المنطقة بحلول عام 2020. وقال إن الاتحاد الأوروبي ملزم بإقامة علاقات خاصة مع جيرانه الجنوبيين، وفق المادة 8 لدستوره. وأشار إلى التحديات التي تواجه المنطقة وأولها الأمن ثم العلاقات الاقتصادية ثم حقوق الإنسان ثم الديموقراطية والمجتمع المدني، لكنه اعتبر «الأمن والسلامة» أهمها.
 
يفسر الأوروبيون هذا الهيجان في العالم العربي أنه يعود إلى البطالة إذ تشير التقديرات إلى وجود حوالى 100 مليون إنسان في سن العمل في هذه المنطقة، ولا يجد معظم هؤلاء الوظائف المناسبة اللائقة بالحياة العصرية، وهم يعتقدون أن الديموقراطية هي الحل الأمثل لمشاكل المنطقة على الأمد البعيد لأنها ستقود إلى استقرار نسبي. واقترح بعض المشاركين أن يكافئ الاتحاد الأوروبي البلدان التي تسير باتجاه ديموقراطية حقيقية بينما يحجب المساعدات ويقلص التعاون مع الدول غير الديموقراطية. وقد اعترف أحد الباحثين بأن العرب يعتقدون أننا «نكيل بمكيالين» (أو منافقون وفق تعبيره) «وهم ليسوا مخطئين، فهذه حقيقة». بينما قال باحث آخر إن الوحدة العربية ربما تحقق مصلحة لأنها تُحدِث تكاملاً في المنطقة وهذا يقود إلى الاستقرار.
 
أما الباحثون العرب الثلاثة المدعوون إلى المؤتمر، وكاتب السطور أحدهم، فلم يترددوا في نقد السياسات الأوروبية تجاه المنطقة، وخصوصاً عدم تشجيعها للديموقراطية الحقيقية. الدكتور العربي الجعيدي، الأستاذ في جامعة الملك محمد الخامس في المغرب، قال إن الاتحاد الأوروبي فضّل تعزيز الاستقرار على تعزيز الديموقراطية. بينما قال إن الأحزاب الإسلامية التي أفرزها «الربيع العربي» لا تمتلك أي سياسة اقتصادية، وإنها تتحدث عن كل شيء إلا الاقتصاد، فهو غائب كلياً عن أجندتها.
 
وقد عبر رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في إسبانيا، فرانسيسكو فونسيكا موريلو عن قلقه لما ستؤول إليه الأوضاع في ليبيا التي قال إنها تنذر بالتحول إلى دولة فاشلة. ولهذا الرأي ما يبرره على رغم تمتع ليبيا بثروات نفطية كبيرة تكفي لأن يعيش سكانها القليلون في رفاهية وازدهار. فهناك مجموعات مسلحة متطرفة ومجموعات موالية لنظام القذافي وقبائل متناحرة قد تتسبب نزاعاتها في إشعال حرب أهلية، ما يقود إلى تقسيم البلد أو تحوله إلى ما يشبه الصومال، أو هذه على الأقل المخاوف التي تقلق كثيرين من الأوروبيين.
 
واختتم موريلو حديثه بالقول إن الأحزاب الإسلامية غير ديموقراطية، ثم طرح تساؤلاً: «هل يجب أسلمة الديموقراطية أم دمقرطة الإسلام»؟ وأجاب أن الأخير أفضل لأن الأول مستحيل. لكن البروفيسور أحمد إدريس، أستاذ القانون ورئيس مركز الدراسات المتوسطية والدولية في تونس، اعترض على هذا الرأي قائلاً إنه حكم مسبق على الأحزاب الإسلامية التي قال إنها ديموقراطية في تونس وهي لا تستخدم الدين في سياساتها ولا تسعى إلى فرضه على الشعب. وأضاف أن أكبر الأحزاب وهو النهضة حزب معتدل وديموقراطي ويتقبل النقد والرأي الآخر. وأشار إلى أن الدستور التونسي الجديد ينص على أن الإسلام هو «دين البلد» وليس «دين الدولة» في إشارة إلى عدم فرض الدين على الدولة على رغم كونه دين البلد.
 
أما إليزابيث يوهانسون، الباحثة في معهد برشلونة للدراسات الدولية، فقد تحدثت عن ضعف نشاطات مؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية وعدم سعيها لتحقيق الديموقراطية. وقالت إن الحكومات تلعب دور «حارس البوابة» وهي تتحكم بمنظمات المجتمع المدني وتفرض عليها التسجيل الذي يجعلها خاضعة للرقابة ويعطي الحكومات حق عدم السماح لبعضها بالعمل. واعتبرت يوهانسون أن «صندوق الديموقراطية الأوروبي» المعتزم إنشاؤه قد يساعد منظمات المجتمع المدني والاحزاب الديموقراطية على تحقيق قدر من الاستقلالية لكنه ليس حلاً شافياً لأن هناك ملاحقة واضطهاداً لمؤسسات المجتمع المدني في مصر وتونس حالياً، لكن الاتحاد الأوروبي لم يتدخل لحمايتها.
 
الأوروبيون حائرون على ما يبدو حول كيفية التعامل مع الحكومات التي انتجها «الربيع العربي»، فهم من جهة يفضّلون الأنظمة الديموقراطية لأنها تعبر عن رغبة الشعوب، لكنهم في الوقت نفسه يشعرون أن الديموقراطية قد لا تأتي بالاستقرار إلى المنطقة لأنها أتت، أو قد تأتي مستقبلاً، بأحزاب دينية متشددة تقيد الحريات وتتقيد بالأيديولوجية على حساب المصلحة ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة الذي يؤدي بدوره إلى تدفق المهاجرين إلى أوروبا. على رغم ذلك فهم مضطرون للقبول بأي حكومة تفرزها نتائج الانتخابات فهذه هي الديموقراطية التي ألزموا بها أنفسهم. لكنهم متيقنون من شيء واحد على الأقل وهو أن دعم الأنظمة الديكتاتورية لم يعد متاحاً في منطقة تشهد تغيراً بنيوياً جذرياً.
 
 حميد الكفائي