المدى- 20/5/2012
ما الفرق بين عائلتين إحداهما يعيلها شخص واحد والأخرى يعيلها شخصان؟ الجواب بسيط وهو أن دخل العائلة الثانية يعادل ضعف العائلة الأولى مما يعني أن قدراتها على الإنفاق على أبنائها وتعليمهم بشكل أفضل والعناية بصحتهم ورفع ثقافتهم ورفاهيتهم هي الأخرى تعادل ضعف قدرات العائلة الأولى. هذا على المستوى الفردي أما على مستوى البلد بشكل عام فإن مستوى الرقي والخدمات والإنتاج سيتضاعف أيضا وكذلك سرعة النمو والتطور لو تضاعف عدد العاملين والمشاركين في البناء.
 
 وإذا ما أضفنا إلى ذلك تزايد القدرات والكفاءات بسبب تراكم الخبرات المتأتية من العمل، فإن نسبة التطور والنمو وسرعتهما سوف تتزايدان بمرور الزمن وتساهمان في تحقيق المزيد من الرقي للبلد ورفع قدراته على تحقيق الرفاهية لشعبه والتنافس عالميا في الإنتاج والخدمات.
العملية الحسابية المذكورة أعلاه بسيطة لكن الذي يقف وراءها مبدأ أكبر وأعقد وأكثر أهمية وهو أن هناك حاجة لمشاركة جميع أفراد المجتمع، نساء ورجالا، كبارا وصغارا، في جهود البناء والإعمار لأن تعطيل الطاقات البشرية تحت أي حجة هو السبب الذي يعيق تقدم بلداننا في وقت يتقدم به الآخرون في أنحاء أخرى من العالم. في كثير من بلداننا العربية والإسلامية تبقى النساء، وهن بالتأكيد نصف المجتمع، وفي بلدان كثيرة، منها العراق، يشكلن أكثر من النصف، معطلات عن العمل والمساهمة في البناء بسبب العادات والتقاليد البالية الضارة والتفسير الشخصي أو المجتمعي الخاطئ للدين. لكن جوهر الدين لا يمنع عمل النساء وتفاعلهن في المجتمع ومساهمتهن في البناء بل يشجع عليه وإلا لما حث النبي على تعليم النساء (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة). إن أردنا لمجتمعاتنا أن تتطور فيجب إشراك كل أفراد المجتمع في العمل والبناء، فليس من العدل للطرفين، العاطلين والعاملين على حد سواء، أن يعتاش الأكثرية على جهود الأقلية في وقت يحتاج المرء إلى كل ما متوفر له من وقت لقضائه في العمل والتعلم والتطور.
 
عشت لفترة في أحد البلدان الإسلامية الفقيرة جدا ورأيت أن المرأة هناك لا تعمل إلا نادرا وإن عملت ففي حقول محددة كالتعليم النسائي مثلا أو الصحة النسائية، بينما يستقدم ذلك البلد مئات الآلاف من النساء من بلدان أخرى أكثر فقرا كي يعملن في الفنادق والمطاعم ومراكز التسوق وباقي مرافق الحياة. أمر غريب حقا. مجتمع فقير لكنه يحرم المرأة الوطنية من العمل ويقيد حريتها بينما يمنح كامل الحرية وفرص العمل القليلة المتاحة في البلد للنساء الأجنبيات. نساء البلد اللائي يعشن في فقر مدقع ومحتاجات إلى المال والمنتميات إلى عائلات فقيرة جدا يجلسن في بيوتهن بسبب التقاليد الضارة المتوارثة عن أزمان خلت بينما تؤدي الأعمال الضرورية أخريات من بلدان أخرى.
 
كثير من المسلمين في البلدان الغربية يعيشون فقراء وبمستوى معيشي أقل من الآخرين والسبب هو أن نساءهم لا تعمل، إما لأن الزوج لا يريد لزوجته أن تحتك بالمجتمع، بسبب هذا التقليد المجتمعي السيئ، أو لأن المرأة لا تحمل أي مهارة بسبب حرمانها من فرص التعليم والتدريب، مما يفرض عليها العمل في المنزل فقط. 
 
الفرد في المجتمعات المتطورة يلقى كل دعم من أجل أن يعمل ويتدرب على العمل منذ الصغر. أتذكر أن الشخص الذي كان يوصل الجريدة إلى منزلي صباحا كان طفلا ربما تجاوز العاشرة من عمره قليلا وكان أبوه يوصله بسيارة فاخرة لا يقدر على شرائها إلا الأغنياء مما يعني أن العائلة لم تكن بحاجة إلى التفاليس التي يأتي بها هذا الطفل من عمله في نقل الجرائد إلى المنازل لكن الهدف من كل ذلك هو أن يشعر الطفل بأنه هو شخصيا يكسب أموالا بجهوده. هذه الثقافة، ثقافة العمل والكسب المشروع منذ الصغر للرجال والنساء على حد سواء، ثقافة المساهمة والمشاركة، هي التي يجب أن ننشرها ونروج لها في مجتمعاتنا وليس ثقافة الاتكال والتعالي عن العمل السائدة حاليا. هذه الثقافة هي التي ستساهم حقا في تطوير بلداننا وترفع من مستوياتنا المعيشية والثقافية والصحية وتقلص العنف وتزيد الترابط بين أفراد المجتمع وتقلص الحاجة إلى الآخر والاتكال عليه. 
 
بلداننا بحاجة إلى البناء والتطور في أسرع وقت ممكن ومازلنا نعطل طاقات النساء ونمنعهن من المشاركة في البناء، ونثقف أبناءنا على الاتكال على آبائهم في الإنفاق وعدم الانخراط في بعض الأعمال، فستظل بلداننا ومجتمعاتنا وأجيالنا متخلفة ومتضررة. ليس هناك شيء يحدث دون تضحية وإن أردنا أن نتقدم فعلينا أن نضحي ببعض التقاليد الضارة التي برهنت الأزمان المتعاقبة والتجارب العملية على أنها سبب تأخّر مجتمعاتنا.