المدى- 30 نيسان 2012
طالما ترددت حين أبعث لأصدقائي بعض المواد المنشورة في مواقع الإنترنت المحترمة، ليس لكون المادة التي سأرسلها قد تكون معروفة للمتلقي المقصود فحسب بل لأن المادة نفسها ربما وصلته قبلي من شخص آخر ،وهذه فعلا إشكالية كبيرة، فمن منا يريد أن يلاحق أصدقاءه بمواد منشورة ومكررة! لذلك أحاول التأكد دائما أن المادة التي أرسلها منشورة حديثا، ربما في اليوم الذي أرسلها فيه، وأن المقصود قد لا يكون قد تسلمها من غيري قبلي فإن كان لدي أدنى شك في ذلك ترددت في إرسالها إلا للمقربين من الأصدقاء الذين أعرف أنهم سيعذرونني إن كانت غير ذي فائدة.
 
الذي يحصل هذه الأيام أن كثيرا من الأصدقاء يعثرون على مادة تكون منشورة ومعادة مرات عديدة لكنهم مع ذلك يرسلونها إلى أصدقائهم دون تردد ودون أن يدركوا أن بعض هذه المواد ربما تكون قد وصلت من آخرين مرات عديدة وأن المرسل ربما يكون الشخص العاشر أو العشرين الذي يرسلها وأن ذلك قد يتسبب في إزعاج أولئك الأصدقاء وإضاعة وقتهم. ومن الغريب أيضا أن بعض المواد المتداولة تصلك مرات عديدة ولكن بين فترات متباعدة، كل سنتين أو ثلاث تأتيك أربع أو خمس مرات! ومن الطريف أن أحد الأصدقاء تلقى مادة كتبها هو شخصيا في مقال نشر في جريدة إلكترونية منتشرة عربيا، إلا أن مادته تلك عادت إليه مرات عدة مرسلة من آخرين ولكن بعد أن اختصرها أحدهم وأزال اسمه منها!
 
بعض الشباب يطّلع على مادة جديدة بالنسبة له لكنها بدائية بالنسبة لآخرين فيرسلها عبر الإيميل أو يعيد نشرها على الفيس بوك، ولأن مجموعة أصدقاء الفرد متنوعة في هذه الوسيلة الإعلامية الفاعلة، فإنك تتسلم أشياء كنت قد تعلمتها منذ الصغر لكن ذلك الصديق الشاب قد اطلع عليها لتوه فسارع بإرسالها إليك ظانا أنك لم تسمع بها من قبل. ولكثرة ما يتكرر من هذه الأمور هذه الأيام فإن المرء يشعر أحيانا بأنه يضيع نفسه ووقته عندما يفتح الفيس بوك أو إيميله الشخصي، خصوصا عندما يجده (يحفل) بالبدائي والقديم والمكرر والتافه. وطالما فكرت مليا بمغادرة الفيس بوك وتويتر وإغلاق عناويني الإلكترونية المعروفة كي ارتاح فعلا من هذه المنغّصات.
 
أحد (الأصدقاء) يحاصرني بمقالاته المطولة فيرسلها لي (مشكورا) ثلاث أو أربع مرات في كل مرة يصدر له مقال، ومن عناوين مختلفة ،فمرة من اسمه الشخصي وأخرى من مؤسسة وهمية تابعة له وثالثة ورابعة من عناوين بأسماء أخرى. ولا أدري ما الهدف من ذلك فإرسالها مرة واحدة يكفي ولا أنكر أنني أقرأ ما يرسله لأن فيه مادة تستحق القراءة ولكن الذي يضايقني أنه يرسله مرات عدة وكأنه يشعر بأن أصدقاءه لا يقرأون المادة إلا بعد أن يلح عليهم إلحاحا (مع الاعتذار لعادل إمام).
 
صديق آخر بدأ سلسة من الدروس في الأخلاق عبر الفيس بوك ولم يوقفها إلا بعد أن أرسلت إليه رسالة خاصة نصحته فيها بعدم الخوض في مثل هذه الأمور وطلبت منه ألا ينصّب نفسه قيما أخلاقيا على الآخرين وقد استجاب مشكورا. أما المواعظ الأخلاقية والدينية فأصبحت مادة كل من لا مادة له ،فالطبيب والمهندس والصحفي والخبير العلمي والموظف والمزارع والتلميذ في الصف الثالث المتوسط، كلهم أصبحوا وعاظا ورجال دين يقدمون النصائح لكل من يجدون في طريقهم مهما كانت درجة علمه وتعلمه وخبرته في الحياة، ولا أدري ما الذي أبقوه لرجال الدين المتخصصين إن كانوا يلحّون على الآخرين بمواعظهم وإرشاداتهم الدينية (الصحيح منها والخاطئ). 
 
أتذكر قصة طريفة تُنقل عن المرحوم السيد مهدي الحكيم (لم أسمعها منه شخصيا) أنه زار أحد الحكام العرب برفقة صديق له فشرح له مظالم الشعب العراقي في ظل نظام صدام حسين ،فاستمع له ذلك الزعيم بإنصات وتركيز عميقين وعندما انتهى من كلامه رد عليه بخطبة بليغة تتضمن محاضرة في الدين وأنهاها بالدعاء من الله العلي القدير أن يفرج عن الشعب العراقي هذه الغمة ويمكِّنه من حكم نفسه بنفسه ويخلصه من الظلم الذي وقع عليه. وبعد أن انتهى الزعيم العربي من خطبته، التفت السيد الحكيم إلى صاحبه قائلا: دعنا نذهب يا أخي فلا فائدة من الحديث مع (جلالة الملك/فخامة الرئيس)! فقال له صاحبه لماذا يا سيدنا؟ فرد عليه: لقد تقمص شخصيتي وأصبح رجل دين بدلا من شخصيته الحقيقية كحاكم عربي لديه القدرة على التأثير في الأحداث. فإن كان هو يدعو لنا الله بالفرج، وهو القادر على مساعدتنا، فما الذي أفعله أنا؟ فضحكوا جميعا ولكن في الوقت نفسه، لقّن السيد مهدي الحكيم ذلك الزعيم درسا. وهكذا كان المرحوم مهدي الحكيم دائما فصحبته لا تمل وحديثه بلسم للجراح والأمثلة التي يضربها لا تنسى.
 
التخصص مطلوب ليس لفائدته وجدواه للشخص فحسب بل لأنه يوفر الوقت والجهد على الآخرين. والتواصل وإيصال المعلومات للأصدقاء مطلوب أيضا ولكن يجب الحذر عند اختيار المعلومة والشخص المقصود وإلا ستكون النتائج عكسية. فإن كان كل من عرف سطراَ في هذا العلم أو ذاك قد نصب نفسه مرشدا على الناس وأرسل لهم العظات والمعلومات بالسهولة المتوفرة حاليا فإننا سنخسر الوقت ونخسر بعضنا البعض أيضا، خصوصا وأن وسائل التواصل قد سهلت إيصال المعلومة (مهما كان نوعها) ومهمة الاتصال بالآخرين. فرأفة بوقت الآخرين أيها الإنترنتيون، فلا تظنوا أن الآخرين بحاجة إلى كل ما تعثرون عليه من مواد قديمة ومكررة وبسيطة، مهما بدت قيمة في نظركم، ورجائي أن تفكروا كثيرا وتنتظروا قليلا قبل أن تضغطوا على زر الإرسال.