الفرق بيننا وبينهم 

المدى- 25 نيسان 2012

كتاب كثيرون دأبوا على المقارنة بين ما يحدث في بلاد الغرب وما يحدث في بلداننا حتى أصبحت تلك المقارنات، العقيمة في أكثر الأحيان، مادتهم الأساسية وهمهم الدائم. وبالطبع ليست هناك مشكلة في هذا الأمر لو كانت تلك المقارنات معمقة على شكل دراسات حقيقية تطرح حلولا جدية لمشاكلنا الكثيرة وتحاول استلهام الدروس والعبر من تجارب البلدان الأخرى الأكثر تقدما.

                                                                                   عائض القرني يسرق كتاب سلوى العضيدان: الفرق بينهما كلمة

إلا أن أكثرها يحاول المقارنة من أجل المقارنة وتبيان سوء الأوضاع وتدني كل شيء في بلادنا مقارنة بالبلدان المتقدمة التي تُقدَّم على أنها لا تعاني من أي مشكلة، بينما الحقيقة هي غير ذلك.

الكثير من هذه الكتابات لا تمس الجوهر وهدفها السخرية والانتقاص مما يحدث عندنا فحسب دون تقديم تصورات حول كيفية الوصول إلى الحالة المثالية المنشودة من النقطة التي نحن فيها. إنها لا تنظر بعمق إلى الأشياء بل ترى الظاهر منها فقط متناسية أن الظواهر الحضارية التي نراها في البلدان الغربية لم تتطور بين ليلة وضحاها بل جاءت نتيجة لتجارب طويلة تخللتها إخفاقات ومصاعب وبذلت فيها جهود مضنية اشترك فيها جميع شرائح ومؤسسات المجتمع على مدى عشرات بل مئات السنين.

 لقد توسع هذا النوع من الكتابات ليشمل حتى رجال الدين من أمثال الشيخ عائض القرني الذي كتب ذات يوم مقالا تحت عنوان (الفرق بيننا وبينهم نقطة) انتشر بين الناس كالنار في الهشيم وذلك لولعنا بهذه المقارنات البسيطة التي تسيء لنا في حقيقتها دون أن تقدم البدائل. وقد راح الشيخ يبحث عن نقاط الاختلاف بيننا وبينهم (ولا نعلم بالضبط من يقصد بـ “هم” و”نحن”) وما يمثلها من الكلمات العربية المتشابهة التي تختلف عن بعضها بنقطة واحدة فقط. وقد ذهب به الإسفاف والسطحية إلى كتابة كلمة “مضبوط” هكذا: “مزبوط” كي يشبهها بكلمة “مربوط” من أجل أن ينطبق عليها فرق النقطة!!!

                                                                                 عائض القرني: الفرق بين كتابه (لا تيأس) وكتاب سلوى العضيدان كلمة!

واتضح لاحقا أن كثيرا من كتابات سماحة الشيخ ليست كليا من بنات أفكاره بل جاء بها من كتاب آخرين من أمثال الكاتبة السعودية سلوى العضيدان حين سرق كاتبنا (الكبير) سماحة الشيخ (الجليل) كتابها (هكذا هزموا اليأس) ليقدمه للقراء تحت عنوان (لا تيأس) ولم ينسَ أن يترجم العنوان إلى الإنجليزية على الصفحة الأولى كي يدلل أنه كله من أفكاره وابتكاراته!! وقد اضطرت العضيدان لمقاضاته في المحاكم السعودية وكسبت الدعوى إذ حكمت المحكمة عليه بغرامة مالية قدرها 330 الف ريال، إلا أنه مع ذلك حقق أرباحا من كتابه المسروق بما لا يتناسب مع الغرامة التي فرضتها عليه المحكمة. وقد علق أحدهم على خبر الحكم عليه بقول يقلد فيه مقاله المعنون (الفرق بيننا وبينهم نقطة): “بعضهم يسرف في احترام حقوق المؤلف وبعضنا يسرق حقوق المؤلف والفرق بيننا وبينهم نقطة” في إشارة إلى الفرق بين (يسرف ويسرق)!

 أعود إلى صلب الموضوع وهو أن كثيرين منا دأبوا على (قوانة) المقارنة بين سلوكيات الغربيين والشرقيين، ليس من الكتّاب فحسب بل حتى من الناس العاديين وطالما نسمع تعليقات من أشخاص عاديين من قبيل (في كل دول العالم يحصل كذا وكذا إلا بلادنا) أو (هذا لا يحصل في كل دول العالم إلا بلادنا) وهكذا وكأن المتحدث قد زار بلدان العالم واطلع على ما يحدث فيها كي يجري مثل هذه المقارنات. والغريب أن هؤلاء يجيزون لأنفسهم الحديث بهذه الأمور مع علمهم أنهم غير مطلعين على تفاصيل الحياة في البلدان الأخرى.

 لا شك أن الدول المتقدمة لا تمر بما نمر به نحن من مشاكل وصعوبات والسبب ليس لأن أهلها عباقرة لا يخطئون بل لأنها تجاوزت العديد من مشاكلها الأساسية منذ زمن بعيد ووجدت لها الحلول الناجعة عبر مراحل تطبيق تخللتها معوقات وعثرات ونجاحات، ونحن الآن أمامنا ثلاثة خيارات فإما أن نبدأ من الصفر ونجرب كل الحلول الخاطئة حتى نصل إلى الحل الناجع، وكأن المشاكل جديدة كليا ولم تمر على الشعوب الأخرى، وهناك بيننا من يريد لنا أن نفعل ذلك رغم ما يتخلله ذلك من ثمن باهظ، أو أن نجرب الحلول التي جربها غيرنا كي نختصر الوقت والجهد ونستفيد من تجارب الآخرين، أو أن ندرس الحلول التي جربها غيرنا ونرى إن كانت ستلائمنا أم لا ونعدلها كي تتلاءم مع مشاكلنا وحاجاتنا. بالطبع ليس كل الحلول التي لاءمت الآخرين تصلح لمجتمعاتنا خصوصا تلك المتعلقة بالسلوك الاجتماعي.

مثلا، في بريطانيا، لا يحمل منتسبو الشرطة أي سلاح بل يسير الشرطي في الشوارع مجردا من أي سلاح باستثناء جهاز لاسلكي غير ظاهر للعيان. والسبب هو أن البريطانيين، كباقي الغربيين، يعتقدون أن منظر السلاح نفسه مقزز ويثير العنف عند الناس وإن هو أصبح مألوفا بينهم فإن استخدامه خارج القانون يصبح سهلا وربما مستساغا ويتحول إلى خيار قد يلجأ إليه البعض أحيانا، لذلك فهم يجنِّبون شعوبهم مثل هذه المناظر (المقززة). وقد أصبح حتى حمل الأدوات الجارحة كالسكين ممنوعا ويعاقب عليه القانون إلا إذا برهن حاملها أنه يحملها لأغراض (سلمية) كإعداد الطعام أو تقطيع الفواكه أثناء التنقل. إلا أنه، ومع زحف الإرهاب إلى بلدانهم، اضطروا مؤخرا للسماح للشرطة بحمل السلاح في بعض الأماكن الحساسة كالمطارات لأنهم وجدوا أن من الضروري أن يكون السلاح حاضرا أحيانا، فإن حصل هجوم إرهابي مفاجئ فإن الشرطة سترد عليه في حينه أو قد تضطر لشن ضربة استباقية على الخصم أحيانا كي تقلص الخسائر وتحمي المدنيين.

                                                                                                                                               لورانس العرب وعمر الشريف: الفرق بينهما شوارب

لكن تجربة تجريد الشرطة من السلاح لا تصلح حاليا لمجتمعاتنا التي تقرن الحكومة بالقوة والقوة بالسلاح وإن كان الشرطي لا يحمل سلاحا فمعنى ذلك أنه ضعيف ويمكن التجاوز عليه أو تجاهل أوامره. في مثل هذه الحالات من الصعب تقليد الآخرين ويجب أن ينشأ التطور تدريجيا في بلداننا كي يكون مفيدا ومجديا. ولكن، من ناحية أخرى، لا يمكننا أن نتجاهل تجارب الشعوب الأخرى كليا “ونعيد اكتشاف الجاذبية”، فهناك الكثير من التجارب التي تنطبق علينا وبإمكاننا أن نطبقها دون تغيير أو تعديل. بعض قادتنا يصرون على البدء من الصفر وتجريب الحلول التي يعتقدون أنها منزلة وملائمة لمجتمعاتنا وعندما تفشل فهم لا يحاولون تجريب حلول أخرى بل يلومون التطبيق لا النظرية وينسون أن النظرية التي لا يمكن تطبيقها جديرة بالإهمال والمغادرة إلى أخرى قابلة للتطبيق العملي.  

   حميد الكفائي