• الحياة اللندنية
    الأحد, 22 أغسطس 2010
    الرئيس العراقي جلال طالباني يعزو تأخُّر تشكيلِ الحكومة إلى «انقسام الشيعة» وعدم تمكنهم من تقديم مرشحهم لرئاسة الوزراء، وهذا في رأيه السبب الأساس الذي أدى إلى عرقلة تشكيل الحكومة العراقية.

    والرئيس جلال طالباني مناضل كردي يساري معروف قاد حركة اشتراكية كردية في سبعينات القرن الماضي، تفرعت عن الحركة القومية الكردية التي كان يقودها الزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى بارزاني، للمطالبة بالحقوق القومية للشعب الكردي في شمال العراق.

    وقد اكتسب بمرور الزمن احتراماً وشعبية كبيرين بين العراقيين، عرباً وكرداً، وطالما أسبغت حركته، الاتحاد الوطني الكردستاني، على نفسها طابعاً عالمياً لتصبح عضواً في منظمة الاشتراكية العالمية ويصبح هو زعيماً يسارياً عالمياً لقي قبولاً في الأوساط العراقية والعربية والعالمية بسبب أفكاره الليبرالية المنفتحة، ولسمعته الوطنية والدولية، اُختير رئيساً للعراق عام 2005 وجُدِّدت ولايتُه عام 2006. رفض طالباني كل أصناف التمييز والتصنيف العرقي والديني والطائفي في حركته، التي ضمت أكراداً سنّة وشيعة وعلويين وأيزيديين ومسيحيين، وكان لديه حلفاء من العراقيين العرب والإيرانيين والأتراك وغيرهم.

    إلا أن المستغرب في مواقفه الأخيرة هو الإصرار على تصنيف العراقيين العرب على أسس طائفية، على رغم أنه يرفض ذلك للأكراد الذين هم من مذاهب وأديان مختلفة كما حال العرب.

    الحركة القومية الكردية الأم، بقيادة السيد مسعود بارزاني، هي الأخرى عابرة للأديان والطوائف وتضم أعضاء وقياديين من كل الأطياف الكردية.

    والناشطون الكرد جميعاً يتحدثون عن أمة كردية واحدة ترفض التفرقة الطائفية على رغم الفوارق الثقافية واللغوية بين أفرادها. العرب في العراق لا يطالبون بأكثر من أن يعاملوا كأمة واحدة أيضاً.

    معظم العراقيين، حتى الإسلاميين غير المتحزبين، يرفضون أن يُصَنَّفوا طائفياً، خصوصاً في عصر يتحدث فيه الجميع عن إقامة دولة حديثة في العراق أساسها المواطنة والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان بصرف النظر عن المعتقدات الدينية أو الأصول العرقية للمواطنين.

    قد يظن السيد طالباني وبعض القادة الكرد أن التصنيف الطائفي للعراقيين العرب، كسنّة وشيعة، يخدم هدفاً سياسياً محدداً في الوقت الحاضر، لكنه بالتأكيد سيضر بالعلاقات العربية الكردية على الأمد البعيد.

    حركة التحرر الكردية، ومنذ إنطلاقها أواسط القرن العشرين، اكتسبت مشروعيتها من بعدها الإنساني التحرري وأصبح لها أصدقاء كثر بين العرب الليبراليين واليساريين والوطنيين وحتى القوميين.

    كان الكثير من الكرد يستغربون التأييد الذي أبداه العراقيون العرب لحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه، ولم يبقَ في العراق من لا يؤمن بهذا الحق إلا متعصبون قلة، والكرة الآن في الملعب الكردي، لكن التوجه الأخير لبعض قادة الكرد بتصنيف العرب على أسس طائفية يثير الإحباط وخيبة الأمل في نفوس كثيرين منهم وقد يؤثر في مواقفهم.

    الحركة القومية الكردية لا تزال في منتصف الطريق ولم تحقق أهدافها كلياً، وهي بحاجة إلى دعم الجماهير العراقية العريضة وليس بعض القادة الزائلين.

    الوطنيون والليبراليون العرب، وهم في العراق، ينتظرون من القادة الكرد دعماً وتأييداً لمواقفهم الوطنية وتوجهاتهم التحررية التي تخدم قضاياهم المشتركة وتبني بلداً عصرياً يعامل أبناءه بعدالة وكرامة، لكن ما يحصل حالياً هو غير ذلك.

    كان واضحاً من نتائج الانتخابات الأخيرة، أن غالبية العراقيين رفضت الطائفية والتصنيف المذهبي والمناطقي لذلك ضعُفت القوائم الأحادية – الطائفية، إذ تقلصت مقاعد الائتلاف الشيعي من 130 إلى 70، بينما تقلصت مقاعد جبهة التوافق السنية من 44 إلى 6، وبرزت قوائم وطنية قوية تتبنى النهج العلماني كالقائمة العراقية التي ازداد عدد مقاعدها من 25 إلى 91. بل حتى قائمة رئيس الوزراء نوري المالكي، التي كانت جزءاً من قائمة الائتلاف الشيعية، حرصت على إبراز صورة غير طائفية لنفسها وانضوت مكوناتها الإسلاموية الشيعية تحت مظلة «دولة القانون» وتبنت خطابات وطنية غير إسلامية، وسعت لأن يكون في صفوفها سياسيون من طوائف أخرى، والسبب هو أن قادتها أدركوا أن الشارع العراقي ما عاد يهتم للتصنيفات الدينية والطائفية بل تركزت اهتماماته على شؤونه الحياتية من أمن وخدمات ووظائف وتعليم وصحة ورفاهية وحرية، فهذه هي الأمور التي يجب أن تضطلع بها الحكومة وتتصدى لتوفيرها وتحسينها وحمايتها.

    وعلى رغم هذه الصورة الوطنية التي أبرزتها الكتلة في الانتخابات، فإن زعيمها وبعض قيادييها عادوا أخيراً للحديث عن «أحقية المكون الشيعي بتولي منصب رئاسة الوزراء» ووصفوا القائمة العراقية بأنها «قائمة سنية»! وهو وصف تعسفي لا ينطبق عليها مطلقاً لأن ثلث نوابها شيعة إضافة إلى زعيمها الدكتور إياد علاوي، كما أن ملايين الشيعة والسنة والأكراد والمسيحيين والتركمان في طول العراق وعرضه صوتوا لها.

    ومع ضعف التوجه الطائفي بين المواطنين، تصاعدت وتيرة الخطاب الطائفي عند بعض القادة السياسيين بعد الانتخابات، والهدف واضح وهو الاحتفاظ بالمناصب التي وصلوا إليها من طريق الطائفية السياسية.

    وإن كان التصعيد الطائفي متوقعاً من قادة إسلامويين وصلوا إلى السلطة من طريق الاصطفاف الطائفي، فما هو السبب الذي يدفع قادة علمانيين ذوي تاريخ طويل في مصارعة التعصب القومي والديني، كالرئيس طالباني، إلى اللجوء إلى التصنيفات الطائفية؟

    لماذا يصر سياسيون عراقيون على تصنيف الناس سنّة وشيعة في وقت يتجه فيه العالم نحو التوحد على أسس إنسانية واقتصادية؟

    أوروبا تتوحد تحت راية الاتحاد الأوروبي، وأميركا الشمالية تحت راية نافتا، وأميركا الجنوبية تحت راية ميركوسور، ودول جنوب شرق آسيا تحت راية آسيان، والدول الصناعية تحت راية الجي 8، والدول الأفريقية تحت راية الاتحاد الأفريقي.

    إن كان العالم يتجه نحو التلاحم والتوحد الذي تذوب فيه الهويات الفرعية، لماذا يُراد للعراقيين أن يتفرقوا طوائف وطرائق؟

    معظم العراقيين يرفضون التصنيف الطائفي، مع اعتزازهم بالانتماء لطوائفهم الدينية المختلفة، حتى إن مجرد السؤال عن طائفة الشخص يعتبر أمراً معيباً يُلام عليه السائل. لماذا إذاً، يصنفهم طالباني، وهو رمز وحدة الوطن وسيادة البلاد بحسب نص الدستور، على أسس طائفية؟

    لا يا سيادة الرئيس، العراقيون ليســـوا ســـنّة وشيعة، إنهم مواطنون يطمحون للعيش في دولة ديموقراطية عصرية تحترم الإنسان ولا تهمها طوائف مواطنيها وأعراقهم وألوانهم وأجناسهم وتوجهاتهم السياسية والدينية. دولة معيارها الأول والأخير هو مقدار عطاء المواطن للمجتمع والتزامه بالقانون وهم يعولون على التزامكم الوطني بهذه الثوابت لتحقيق هذا الطموح.

أرسل إلى صديق تعليق
تصغير الخط تكبير الخط

تعليقات

 

العراقيون يرفضون أن يُصَنفوا طائفياً يا سيادة الرئيس

كاتب التعليق : نافع الفرطوسي التاريخ : الأحد, 08/22/2010 – 09:35.
عدوى!
اعتقد سيدي الكاتب ان فيروس (الطائفية)صار بمثابة العدوى تنتقل كالنهار في الهشيم،ففي حين كنا نسمع ببعض التوصيفات في لبنان ولم نكن نحسها أو نشعر بها في العراق خلال السبعينيات،أضحت الآن أمراً واقعاً للأسف الشديد في عراق اليوم ،العراق الجديد الذي كان يتعين بناؤه على أسس جديدة وثوابت وطنية تجمع اللحمة وتوحد الصف، فإذا بالمناضل العريق رئيس جمهوريتنا ينادي بهذا التوصيف وقبله رئيس الحكومة السيد المالكي..فكيف بصغار المسؤولين وعوام الناس؟.!
اعتقد ان على المثقفين والكتاب المتنورين ان يجدوا حلولا ويوضحوا للناس مخاطر هذه الصبغة الطائفية ويكفينا ماحاق ببلدنا من ويلات جرائها…والله الموفق.

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/174352