المدى: 9 نيسان 2012
العودة إلى العراق حق لكل أبنائه وليس لأحد حق منعها أو إعاقتها وعلى من تولوا مسؤولية إدارة البلد أن يعملوا بجد ومثابرة لتسهيل عودة العراقيين الذين غادروا البلاد في ظروف صعبة، سواء كان ذلك أيام النظام السابق بسبب الاضطهاد السياسي أم أنه حدث بعد التغيير بسبب الفوضى وانعدام الأمن اللذين صاحبا سقوط النظام وما أعقبه من احتلال. عراقيون كثيرون يرغبون في العودة والعمل في العراق والمساهمة في نهضته، إلا أنهم لا يستطيعون إلى ذلك سبيلا لأسباب كثيرة منها الإجراءات المتعبة، والتعجيزية أحيانا، التي يضطرون لاتباعها وانعدام أبسط الحوافز التي تشجعهم على العودة. 
 
الكثير من البلدان النامية تستقدم خبراء أجانب في المجالات كافة كي يساعدوها على بناء مؤسساتها والنهوض ببنيتها الأساسية وتقدم لهم رواتب مغرية وحوافز إضافية كي تشجعهم على المجيء والبقاء. العراق ليس بحاجة إلى ذلك فلديه آلاف الكفاءات العراقية القادرة على النهوض به وهذه كلها موجودة في الخارج ومستعدة للعودة إن توفرت الظروف الملائمة. هناك آلاف الأطباء والأساتذة والمهندسين الذين عملوا في الدول المتقدمة لسنين طويلة واكتسبوا خبرة متميزة يمكن أن تساهم مساهمة فعالة في رفع مستوى العراق في مجالات عديدة وخلال فترة قصيرة وهم مستعدون للعودة والخدمة لو أن السلطات العراقية سهلت مجيئهم ووفرت لهم الحد الأدنى من مقومات العيش والعمل. هناك حاجة ماسة لهؤلاء في مستشفيات وجامعات ومؤسسات العراق ومرافقه العامة لذلك فإن تسهيل إجراءات عودتهم مسؤولية وطنية وأخلاقية بل ودينية لمن لديه إيمان حقيقي بخدمة الإنسان العراقي. حاليا ليس هناك أي من هذه التسهيلات بل الذي نراه ونسمعه هو العكس، فكل الذين حاولوا العودة اصطدموا بجدار الروتين والبيروقراطية وممانعة بعض المسؤولين لعودتهم فعادوا أدراجهم محبطين. 
 
حضرت في العام الماضي لقاء عقده المفتش العام لوزارة الصحة الدكتور عادل محسن في لندن وقد تحدث فيه عن المعاناة في مستشفيات العراق بسبب نقص الأطباء الاختصاصيين وباقي الخبرات الأخرى القادرة على استخدام الأجهزة الطبية الحديثة ،وقد حث أثناء حديثه كل الأطباء في الخارج على العودة والمساهمة في رفع المعاناة عن أبناء بلدهم، وعندها قام له أحد الأطباء المتخصصين وقال له إنه عاد إلى العراق وحاول التقدم للعمل في أحد المستشفيات وبعد معاملة دامت ستة أشهر لم يفلح بالعودة بل قيل له إن الإجراءات سوف تطول وعليه الانتظار حتى يتصلوا به ولم يتصل أحد رغم أنه حاول مرات عدة متابعة الموضوع، وحيال هذه الحالة، لم يستطع الدكتور محسن أن يقدم له وعدا بتسهيل معاملته لأنه لم يكن قادرا على ذلك. 
وفي مجال التعليم الجامعي هناك أيضا عقبات لها أول وليس لها آخر تتعلق بتوثيق ومعادلة وقبول الشهادات الصادرة من خارج العراق، حتى وإن كانت من جامعات عالمية مرموقة، وهناك إجراءات لا هدف منها سوى إعاقة عودة أهل الكفاءات. مثلا لا تقبل الشهادة العليا إلا إذا كانت في نفس موضوع شهادة البكالوريوس! ولا تقبل أي شهادة إن كانت قد استحصلت عبر الدوام الجزئي! ولا أدري من قال إن الدارس بدوام جزئي يختلف عن الدارس بدوام كامل! أنا أدرِّس في الجامعات البريطانية منذ ثلاث سنوات ولا أعرف مَن مِن الطلاب يدرس بدوام جزئي ومن منهم بدوام كامل فهذه مسألة تعود للطالب ولا دخل للجامعة فيها ولا فرق في التدريس أو المناهج مطلقا والفرق الوحيد هو أن الذي يدرس بدوام كامل، والذي عادة ما يكون شابا مدعوما ماليا ومتفرغا للدراسة، ينهي دراسته قبل زميله الدارس بدوام جزئي.
 
شخصيا، حصلت على معظم مؤهلاتي عبر الدراسة بدوام جزئي لأنني كنت مضطرا للعمل طول الوقت وغير قادر على التفرغ كليا للدراسة وهذا هو حال كل من يدرس بدوام جزئي. وكل مسؤول تلتقي به وتكلمه عن هذا الأمر يقول لك إن إجراءات التوظيف وإعادة الكفاءات معقدة وهذه مشاكل ورثناها من النظام السابق! ولا أدري متى يتمكن هؤلاء من حل المشاكل التي ورثوها عن النظام السابق كي يتفرغوا للمشاكل التي استحدثوها هم أنفسهم عبر قلة خبرتهم. والغريب أنهم يعفون أنفسهم من مسؤولية حلها وبالتالي المساهمة في خدمة بلدهم وتسهيل أمور الناس الذين أوصلوهم إلى مناصبهم، فهل يا ترى ينتظرون مجيء قوى غيبية لتحلها نيابة عنهم؟ 
 
وفي الوقت نفسه فإن على أصحاب الكفاءات أيضا تقع مسؤولية مواصلة بذل الجهد من أجل العودة حتى وإن اصطدموا بعراقيل الروتين والبيروقراطية، وإن هم واجهوا مسؤولين يخشون من عودتهم ومنافستهم لهم على المواقع والوظائف، وما أكثر هؤلاء هذه الأيام، فإن هناك أيضا عراقيين آخرين بحاجة إلى علومهم وخبراتهم ويتوقعون منهم أن يساهموا في رفع معاناتهم وتطوير مستوياتهم المعيشية والعلمية والحياتية، وهؤلاء هم الأغلبية التي تستحق التضحية من أجلها والصبر على الإجراءات ومتابعتها حتى النهاية
ختاما، عليهم أن يعلموا أن بإمكان الذين يجدون من يعرقل عودتهم أن يقاضوه في المحاكم الإدارية أو العادية لأن مثل هذه الأعمال تدخل في أبواب إيذاء الناس والتمييز ضدهم وهذه مخالفات تستحق العقاب في بلدان كثيرة. في البلدان الغربية مثلا، هناك من يقاضي رؤساءه في العمل لأنهم أخروا ترفيعه أو لم يعاملوه حسب القانون إن هو شعر بأن ذلك قد حصل بسبب التمييز على أساس العرق أو الجنس أو العمر أو الدين. وكثيرون منهم كسبوا دعاوى في المحاكم وأعيدت إليهم حقوقهم المغتصبة.