• الحياة اللندنية
    الجمعة, 20 نوفمبر 2009
    تشتد هذه الأيام حملة إعلامية ضد ما يسمى بالبعثيين في العراق ويقودها رئيس الوزراء ويشترك معه سياسيون آخرون، خصوصاً من الأحزاب الإسلامية التي استحوذت على السلطة خلال السنوات الخمس المنصرمة والخائفة من زوال قبضتها في الانتخابات المقبلة. وهذه الحملة الواسعة النطاق ليست إلا جزءاً من الدعاية للانتخابات المقبلة في 21 كانون الثاني (يناير)، إذ يعتقد مخططوها أنهم سيستفيدون من إخافة الناس من عودة البعث وبذلك يقومون بتعبئة الناس لمصلحتهم وإقصاء خصومهم، بالأخص «الحركة الوطنية العراقية» التي يقودها إياد علاوي وصالح المطلق، باعتبار أن الاثنين كانا في وقت ما ينتميان إلى حزب البعث، وهذا ليس سراً فهما يصرحان به والكل يعرفه.

    لكن المقصود إخفاؤه أن كلاً من علاوي والمطلق قد غادر البعث منذ أواسط السبعينات وقد عارضه علاوي علناً منذ ذلك الوقت وتعرض لعملية اغتيال بشعة في لندن، في وقت كان الكثير من القادة الحاليين يعيشون في العراق منسجمين مع البعث وخاضعين لسلطته. بينما انصرف المطلق منذ أواخر السبعينات للعمل التجاري وابتعد عن السياسة كلياً حتى سقوط النظام عام 2003 ما يعني أنه لم يكن على وفاق مع البعث وقياداته، وما نراه أحياناً من توجهات أو آراء له قد تبدو في ظاهرها منسجمة مع البعث إنما هي لأغراض انتخابية، خصوصاً وأن معظم مؤيديه من خلفية قومية أو بعثية.

    الحملة ضد البعثيين السابقين تعكس هلعاً بين الأحزاب الإسلامية التي أدركت أن الناخب لم يعد يثق بقدرتها على خدمته بعد أن اكتوى بسياساتها الإقصائية والفاشلة طوال السنوات الخمس الماضية. فالبعث انتهى وهو في الحكم وكثيرون من البعثيين يقولون إنه انتهى في 1979 عندما استولى صدام على السلطة مقصياً كل منافسيه البعثيين ومرتكباً أكبر جريمة بحق البعث بإعدامه لخيرة قياداته. وأول من عارض البعث هم البعثيون أنفسهم ومن هنا جاءت حملة التصفيات بحقهم. مواقف بعضهم تجاه ديكتاتورية صدام مشرفة وكلفت الكثير منهم حياتهم، ولا يمكن نسيان مواقف عبد الخالق السامرائي وعزت مصطفى وفليح حسن الجاسم ورياض إبراهيم حسين وشاذل طاقة والقائمة طويلة. لا يمكن أن يختزل حزب البعث بصدام وعزت الدوري وطه الجزراوي، رغم أن هؤلاء كانوا متحكمين به لفترة طويلة. ولو أننا أحصينا قيادات البعث التي رفضت أسلوب قيادة صدام – البكر الديكتاتوري وضحت بمواقعها وحريتها، لبلغ عددهم الآلاف.

    حكم البعث العراق 35 عاماً وانتمى له طوعاً أو قسراً أكثر من مليون عراقي، وقد يكون معظم أبناء الجيل الجديد من العراقيين قد انتمى اليه في فترة من حياته، ليس لأنه كان راغباً في ذلك بل لأنه أصبح إجراء عادياً منذ منتصف السبعينات لكل موظف وطالب ومنتسب للجيش والشرطة، وقلما تردد أحد في الانتماء إلى البعث إن طُلِب منه ذلك، وكثيرون ممن رفضوا الانتماء حرموا من بعض حقوقهم وقد صُنف بعضُهم أعداء للنظام. أما في فترة الخمسينات والستينات فكان البعث يُعتبر من الأحزاب التقدمية والتحررية ويحمل شعارات براقة ويدعو إلى الوحدة والحرية والاشتراكية، وقد انتمى إليه كثيرون على هذا الأساس، بينهم أشخاص أصبحوا لاحقاً قياديين في أحزاب إسلامية والأسماء معروفة.

    يتوهم بعض السياسيين الحاليين ممن عاشوا في الخارج فترة طويلة أنهم بمعاداتهم للبعثيين سيكسبون الشارع العراقي، والحقيقة أنهم يعبئون الناس ضدهم ولمصلحة خصومهم الذين أعلنوا أنهم لن يميزوا بين الناس على أسس سياسية. هناك فرق بين معاداة سياسات وقيادات النظام الدكتاتوري، الذين ارتكبوا جرائم بحق العراقيين جميعاً، وبين معاداة البعثيين الذين هم مواطنون عاديون انتموا إلى حزب سياسي حاكم، بعضهم إيماناً بأفكاره وبعضهم أضطراراً، ووقع كثيرون منهم ضحايا لتعسف قيادات البعث. استهداف البعثيين والتمييز ضدهم لن يؤدي إلا إلى التعاطف معهم، تماماً كما حصل مع حزب الدعوة أثناء حكم البعث. مئات العراقيين الذين التقيت بهم، حتى ممن لم ينتموا إلى البعث، عبّروا عن رفضهم للتمييز ضد البعثيين. فليس كل بعثي مجرماً أو مسيئاً، وهناك الكثير من قياديي البعث لم يرتكبوا أي جريمة أو إساءة لأحد، وهذا طاهر العاني الذي برأته المحكمة العليا من كل التهم الموجهة إليه وأطلق سراحه بينما كان عضواً في القيادة القطرية لثلاثة عقود.

    المشكلة في تفكير البعض، خصوصاً في الأحزاب الإسلامية الشيعية، أنهم يتهمون كل خصم لهم بأنه بعثي وطالما سمعت اتهامات لقياديين في أحزاب إسلامية من رفاق لهم بأنهم كانوا بعثيين لمجرد اختلافهم معهم في الرأي. ولن أنسى ذلك اليوم، مطلع عام 2004، عندما زارني إبراهيم الجعفري في مكتبي في مجلس الحكم وقال لي إنه يريد أن يكلمني «بأمر مهم». وعندما جلس وخلع «درعاً» كان يرتديه، حتى داخل مبنى مجلس الحكم، قال لي إنه سمع «بأنني كنت بعثياً»! قال هذا الكلام رغم أنه يعرفني معرفة شخصية لخمسة عشر عاماً خلت، إذ جمعَنا العمل المعارض مرات عديدة. الغريب أن الجعفري نفسه كان متهماً بالانتماء إلى البعث واضطر لنفي ذلك في مقابلة صحافية في جريدة «الزمان».

    لا أدري ما المشكلة في الانتماء إلى حزب البعث، ولماذا هذا التفكير «القبلي» بخصوص البعثيين، الذي يحمِّل كل منتمٍ للحزب، صغيراً كان أم كبيراً، جرائم النظام السابق؟ البعثيون ناس عاديون، معظمهم مخلصون ووطنيون، لكنهم ابتلوا بزعامات قادتهم إلى كوارث طالت العراق والمنطقة. التمييز ضد الناس، لأي سبب كان، سياسة فاشلة اتبعها النظام السابق وقادته إلى الهاوية، وقد طوى الساسة الأكراد كشحاً عن الماضي وصفحوا عن كل من تعاون مع النظام السابق وهناك قيادات كردية حالية كانت تعمل مع النظام السابق حتى سقوطه ولم يعتبر الأكراد ذلك عيباً. إن لم يفعل العراقيون العرب الشيء نفسه، فإن العراق سيبقى في دوامة الصراع السياسي لفترة طويلة. سياسة اجتثاث البعث كانت خاطئة لأنها ميزت ضد قسم من العراقيين وخلقت أجواء عدائية وما لم تنته كلياً وتزال آثارها ويعاد الاعتبار لكل من تضرر منها، فإن العراق لن يشهد استقراراً. لقد أصبح تشريع قانون يوقف التمييز ضد الناس لأسباب سياسية أمراً ضرورياً للسلم الاجتماعي وهو مهمة مقدسة تنتظر المخلصين في البرلمان المقبل.

     

    * كاتب عراقي

أرسل إلى صديق تعليق
تصغير الخط تكبير الخط

تعليقات

 

كلام منطقي

كاتب التعليق : Anonymous التاريخ : السبت, 11/21/2009 – 09:29.

،نعم هنالك الاف العوائل تستغيث جوعا وجورا بسبب انتماء ذيويهم الى حزب البعث ،في وقت لم يرتكبوا اية جرائم الا ان حكومة المالكي بدات تجرم الصالح مع الطالح فيما يخص اناس حتى وان كانوا ينتمون الى البعث اسما وشكلا فقط ، مالفرق اذا سياسية البعث القمعية بامر صدام كانت تقتل كل من يعارضه من قبل حزب الدعوة او الحزب الشيوعي او احزاب اخرى معارضة واليوم عاد حزب الدعوة يمارس تلك السياسة التي انتهجه البعث مع فوارق بسيطة ، هنالك موضوعية فيما طرحة السيد الكفائي

 

200 سنة

كاتب التعليق : Anonymous التاريخ : السبت, 11/21/2009 – 01:38.

وقفة احترام للمحكمة التي لم تغشى اخذ القرار عندما وجدت عضو قيادة قطرية بعثي(لطالما شعرت بالغثيان من هذه التسميات في ذلك الزمن الغابر، يعيش العراقيون اليوم اغبر منه)، بريئا. شكرا للكاتب على المنطق والتفكير العقلاني الذي قد ندرك جدواه بعد 200 سنة، الى ذلك الوقت، سنستمر بالاستجابة فقط لخوفنا والرغبة الجامحة للانتقام والمكابرة الفارغة، تتركنا خالدين مع البؤس

 

لا لعودة البعث للعراق لانه اخذ وقته واثبت فشله لدى العالم كله

كاتب التعليق : Anonymous التاريخ : الجمعة, 11/20/2009 – 20:50.

نعم علاوي والمتلق ينتمون لحزب البعث الارهابي ولا يستحقون ان يكونوا من حكام الشعب ويتلقون المساعدات المادية من دول خليجية وكذلك اسرائيل وامريكا ليتم تسلمهم الحكم من جديد واحكام القبضة الحديدية ضد رقاب المستضعفين من الشعب العراقي ولن يفلحوا في ذلك

 

اعادة النظر بقانون اجتثاث البعث مصلحة وطنية

كاتب التعليق : Anonymous التاريخ : الجمعة, 11/20/2009 – 09:09.

تم بعد الحرب العالمية الثانية اصدار مثل هذه القوانين في المانيا بشطريها لاجتثاث النازية ,ولم تكن الغاية هي التشفي او الانتقام من اعضاء الحزب النازي بل الفرز بين الخطيرين منهم والذين ارتكبوا جرائم ليقدموا للمحاكمة وبين الذين كانوا اعضاء عاديين اضطروا ربما للانتساب للحزب اضطرارا . وتم بعد فنرة قصيرة استيعاب هؤلاء من جديد في مؤسسات الدولة ومنها الامنية ايضا , وهذا تم على السواء في شطري المانيا , واستطاع الكثيرون منهم وبعد فترة قصيرة من الوصول الى مراكز عليا في الجيش والدولة ومنهم رئيس جمهورية المانيا الغربية السابق ( لوبكة ) .

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/78216