المدى- 29 شباط-2012
قال السيد إبراهيم الجعفري يوم الاثنين إن “العراق يتطلع إلى أن تكون القمة العربية التي ستعقد في بغداد حقيقية وليست شكلية، لأنها تخلصت من الكثير من التوتر الذي مُنيت به في مؤتمرات سابقة حيث العنتريات التي رسمها معمر القذافي وعلي عبد الله صالح”. وزعيم كتلة التحالف يتخيل بأن بلادنا لن تتجشم عناء استضافة امثال الزعيمين السابقين، ولا سماع خطابات كانت تجعل قمة العرب “شكلية وغير حقيقية”.
ويحق للجعفري رئيس وزرائنا السابق ، ان يعلن رفضه لـ”عنتريات” القذافي وصالح، فالجعفري يتميز بلون نادر من العبارات والمعاني يصعب ان يقلده احد. انه الماركة المسجلة للعملية السياسية بحق، حتى انني مع عدد من الأصدقاء، نحفظ له عن ظهر قلب “مقولات” كاملة بينما لا نحفظ اي عبارة مكتملة لأي من المشاهير الآخرين لعمليتنا السياسية.
 
وفي الحقيقة فإن القذافي ورغم انه لا يباري براعة الجعفري في صوغ العبارات، الا انه كان يجعل 400 مليون عربي يحدقون في الشاشة اثناء خطاباته، لانها كانت ممتعة بصراحتها غير المعهودة، وغرابتها وشذوذها، بل ان جو القمة كان متشنجا على الدوام ووجوه القادة كئيبة متوجسة من شرور الخلافات، الا ان هذه الاجواء سرعان ما كانت تتغير حين يبدأ القذافي بالكلام، فتبدأ الابتسامات العريضة بالارتسام على وجوه امراء الخليج ورؤساء شمال افريقيا وحتى حسني مبارك.
 
ولذلك فإنني وعلى العكس من الجعفري، اشعر ان القمة العربية التي يفترض ان تعقد في بغداد وتكبدنا عشرات المفخخات من الآن حتى مغادرة الزعماء العرب بلادنا على وجه السرعة وهم يركبون مروحيات مصفحة ستكلف الخزينة الملايين.. هذه القمة لن تحظى بنسب مشاهدة كالتي كان يتيحها وجود القذافي في الاعوام السابقة.
وحتى لا تكون القمة باردة وباهتة وبلا ملح ولا يشاهدها احد مع غياب القذافي.. فإن امام اللجنة المنظمة أن تستضيف مجموعة من سياسيينا مشهود لهم في صياغة الجمل الغريبة والشاذة و الملأى بالألغاز، وربما يسوغ لي ان أرشح عددا من النواب الذين يملؤون الفضائيات كل يوم كبديل يضفي على القمة نكهة خاصة، ولا بأس ان يمنح كل واحد منهم 30 دقيقة يحاول فيها ترطيب أجواء التوتر والملل.
وأعود إلى الجعفري وأمنياته فالرجل يسعى لأن يخوض معنا بين الفترة والأخرى في حديث يقدم به بعض النصائح والمقاربات المتفلسفة لمشاكل العرب والعجم.
 
ولقد سألته صحفية مرة عن شعوره حين يغادر السلطة بعد فترة وجيزة أمضاها رئيسا للحكومة فقال الجعفري “نؤكد على انجاز المحسوس النوعي في إطار التمييز التفاعلي بين عمر الحكومة وعمر الحكم” فخرست الصحفية ولم تنبس ببنت شفة. اما حين مات 1000 عراقي غرقا في حادثة جسر الأئمة المأساوية نتيجة سوء إدارتنا لحركة الناس، فقد ظهر علينا بتصريح نادر آخر ورد فيه “ان شهداء جسر الائمة اثبتوا ان في وسع المرء ان يضحي حتى في لحظة انغماسه الوجودي” حسبما يردد صديقنا احمد الهاشم الذي اجرى معه مقابلة صحفية يومذاك. وقد علق الجعفري على انسحاب العراقية الاخير من الحكومة بالقول “اتمنى ان يكون غيابها انقطاعا لا قطيعة، وان تفرق بين حكومة التحالف وتحالف الحكومة” وقس على هذا باقي “الالغاز” التي يلتذ بنسجها على وقع كل الملل والرتابة المحيطين بعمليتنا السياسية.
 
انني اتخيل الجعفري هذه اللحظة وهو سعيد بالقمة العربية، وينهمك في صياغة اخطر خطاباته على الاطلاق، بأمل ان يمنحه الزعماء 30 دقيقة “لإفهامهم” اولويات الأمة خلال العقد القادم، كي يبرهن لهم ان العراق كما يقول “نموذج ديمقراطي رشيد تهتدي به دول الربيع العربي” رغم اننا وسط “فلسفات” العملية السياسية نعاني انقطاع الكهرباء وانتشار 20 الف سيطرة تفتش الشعب 5 مرات يوميا، وميزانية مليارية تهدر بدهاء وحكمة زعمائنا، وفقرا وبطالة وقمامة تغرقنا ببؤس شديد سيشهد عليه كل عرب الربيع العربي في قمة آذار.
انتظروا قمة تخلو من “عنتريات” القذافي، و”تهدي” العرب الى نموذج ستبرع في صياغته “فلسفات” ابراهيم الجعفري النادرة وغير المعهودة والمتفردة.