تعدد الزوجات ليس حلا يا سيادة الوزيرة
مجلة نون- العدد 39- آذار 2012

                                                        وزيرة شؤون المرأة، ابتهال الزيدي: تعدد الزوجات  أحد الحلول لمشاكل المرأة وأنا سأقبل به تحت ظروف معينة!!

ليس هناك إمرأة في الدنيا تحبذ أو تستسيغ أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة أو حتى أولى إن كانت تتمتع بحرية التفكير، لكنها قد تلجأ إلى لذلك بسبب ظروف حياتها الصعبة خصوصا في مجتمعاتنا التي تميز ضد المرأة. 

خيار المرأة الأول هو أن تكون زوجة وحيدة محترمة كاملة الحقوق، وفي خلاف ذلك تكون إمرأة مستقلة محترمة. تعدد الزوجات هو دليل على مرض المجتمع وهو غير مرحب به في أي مجتمع متحضر يقيم وزنا لحقوق الإنسان.

لا أريد الخوض في أسباب تعدد الزوجات فهذا موضوع شائك وهناك آراء متعددة فيه لا يتسع لها هذا المقال، لكنني أرى أنه ليس هناك ما يبرر هذه الظاهرة غير وجود خلل مجتمعي وثقافي  خطير وفشل الدولة في إصلاح هذا الخلل عبر تقديم التشريعات اللازمة لتنظيم الأسرة وكذلك عبر إيجاد الحلول لمشاكل المرأة كي لا تضطر إلى القبول أو حتى السعي لأن تكون ضرة لأخرى.

لم التقِ حتى العام 2003 بأي شخص متزوج من أكثر من واحدة. كانت الغالبية العظمى من الرجال في العراق تكتفي بزوجة واحدة حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي عندما تركت الحرب العراقية الإيرانية آلاف الأرامل اللائي اضطررن للزواج من متزوجين. وفي مطلع التسعينيات من القرن نفسه تفاقمت الظاهرة بعدما تغيرت بنية المجتمع الاقتصادية بسبب العقوبات الدولية المفروضة على العراق وأصبح تعدد الزوجات مألوفا بين القادرين على الإنفاق على عائلات كبيرة.

هناك كثيرون يبررون هذه الظاهرة دينيا لكن هذا التبرير يبقى عذرا واهيا مقابل السماح بظاهرة تضر بالعائلة والمجتمع. الدين لا يشجع على التعدد والآية صريحة (وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة … ولن تستطيعوا أن تعدلوا وإن حرصتم). نعم التعدد مسموح به دينيا وليس كل مسموح به مطلوب أو محبذ، فالطلاق هو الآخر مسموح به لكنه يبقى مكروها (أبغض الحلال عند الله الطلاق) كما يقول الحديث الشريف.

مناسبة هذا المقال هو ما طرحته وزيرة شئون المرأة من أن تعدد الزوجات يعتبر أحد الحلول لمشاكل المرأة وقالت إنها هي ستقبل به شخصيا تحت ظروف معينة. مثل هذا الطرح مستغرب في الحقيقة خصوصا وأنه يأتي من وزير في الحكومة معنية بالدرجة الأولى بشؤون المرأة وحل مشاكلها وصيانة حقوقها وتحقيق المزيد من المكاسب لها. والغريب في الأمر أننا لم نسمع أي ردود فعل من النساء العراقيات، فقد صمتت الحركة النسوية حول هذه التصريحات الخطيرة للسيدة وزيرة شئون المرأة التي وردت ضمن مقابلة لها على قناة الحرة قبل عدة أشهر.

السؤال الآخر هو ألم تجد السيدة الوزيرة من حلول للمرأة غير تلك التي ترضي غرائز الرجال؟ ألا يساعد المرأة مثلا أن تكمل تعليمها كي تتمكن من الحصول على زوج وحيد يليق بها؟ ألا يساعدها مثلا أن تتدرب وتحصل على مهنة تساعدها في الحصول على عمل يجعلها مستقلة في حياتها كي لا تضطر لأن تكون زوجة ثانية أو ثالثة؟ أليس من العدل أن تحصل الأرملة مثلا على راتب من الدولة يعينها على مصاعب الحياة كي لا تضطر إلى الزواج من متزوج؟

هناك الكثير من المشاريع التي يمكن وزارة المرأة أن تضطلع بها كي تساعد المرأة على نيل المزيد من الحقوق بدلا من أن تفقد الحقوق التي حصلت عليها سابقا… هل من المعقول أن تفقد المرأة في عصر العولمة وانتشار الاتصالات والإنترنت واتساع التعليم والثقافة والحقوق والحريات حقوقا كانت قد حصلت عليها قبل أكثر من نصف قرن من الزمن؟ وهل من المعقول أن تقترح السيدة وزيرة شؤون المرأة حلا لها لا ترتضيه أي إمرأة في الدنيا؟

 في عصر اكتسب فيه الرجل مزيدا من القوة والحقوق على حساب المرأة، هناك حاجة لأن تتدخل الدولة كي تحمي النساء من الاستغلال بدلا من أن تعرض حلولا تجعلها ضعيفة وتعرضها لمزيد من الاستغلال. التبرير الديني لتعدد الزوجات هو في الحقيقة هروب من المشكلة فالدين يشجع على الزواج الوحيد وهذا نص صريح في القرآن الكريم (وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة … ولن تستطيعوا أن تعدلوا وإن حرصتم).

الدين الإسلامي واسع وفيه متسع كبير لحقوق الإنسان التي حصلت عليها الشعوب خلال القرن الماضي وليس من العدل أن نحاول إلصاق عادات قديمة به واعتبارها متماشية مع العصر والقانون الدولي. هناك تجنٍٍ كبير على الإسلام عندما تلصق به بعض التجاوزات والعادات القديمة التي سمحت بها الأديان في بعض الفترات التأريخية. هناك من يبرر ختان الأناث على سبيل المثال ويعتبره فرضا دينيا، وهناك من يبرر دينيا منع المرأة من قيادة السيارة بينما الدين هو أكثر رحمة ونقاء وإنسانية من هذه العادات والممارسات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

حميد الكفائي