المدى – 17-11-2011

امتناع العراق عن التصويت على قرار الجامعة العربية تعليق عضوية سوريا قدم صورة لم نكن نريدها للعراق الجديد الذي يفترض أنه ديمقراطي ويقف ضد الأنظمة الاستبدادية في المنطقة وفي كل أنحاء العالم. صحيح أن المصالح تتفوق على المبادئ، وهذا مبدأ معمول به في كل بلدان العالم وأولها أمريكا التي تؤيد أنظمة في بلدان كثيرة لا تقيم وزنا للديمقراطية أو حقوق الإنسان، ولكن أين هي مصلحة العراق في دعم النظام السوري المتهرئ الذي يوشك على السقوط تحت ضربات الشعب السوري وضغوط المجتمع الدولي؟

لقد اتخذت الجامعة العربية هذا القرار بسبب أعمال القمع والقتل التي يمارسها النظام السوري منذ ثمانية أشهر ضد المدنيين السوريين المطالبين بحقوقهم العادلة في الحرية والديمقراطية. وقد صوتت كل الدول العربية، باستثناء دولتين هما لبنان واليمن اللتان صوتتا ضد القرار، لصالح القرار الذي حرم النظام السوري من أهم ورقة يقتات عليها منذ مجيئه إلى السلطة قبل واحد وأربعين عاما ألا وهي الورقة القومية وكون سوريا مهد الحركة القومية العربية وقلعة الصمود والتصدي والدولة الأولى المتصدية للقضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين. لن يستطيع النظام السوري بعد اليوم أن يتحدث باسم العرب أو نيابة عنهم فها هم العرب، شعوبا وحكاما، اصطفوا مع الشعب السوري ضد نظامه الذي يمارس القمع والقتل العلني منذ ثمانية أشهر، بعد أن كان يمارسهما سرا خلال واحد وأربعين عاما. صحيح أن النظام السوري أقل وحشية ودموية من النظام العراقي السابق، لكن النهج الدكتاتوري والإقصائي والتمسك بالسلطة بأي ثمن يوحد بين هذين النظامين.

إن كانت الجامعة العربية التي صمتت سنين طويلة على كل انتهاكات حقوق الإنسان التي جرت في العراق وباقي الدول العربية، قد يئست من إصلاح نظام بشار الأسد ووقفت أخيرا مع الشعب السوري، كما وقفت من قبل مع الشعب الليبي، فلماذا يبخل العراق الديمقراطي يا ترى على الشعب السوري بالدعم المعنوي؟ هذا إذا أهملنا ما ارتكبه النظام السوري من جرائم بحق الشعب العراقي خلال السنوات الثماني الماضية عندما سمح بمرور آلاف الإرهابيين عبر أراضيه وسهل مهمتهم التخريبية والتدميرية كي يقتلوا العراقيين الأبرياء في الأسواق والمساجد والأضرحة والحسينيات والطرقات. صحيح أننا لا نعرف طبيعة البديل المقبل للنظام السوري ولا نعرف موقفه من العراق، وقد يكون فعلا بديلا أصوليا وغير ديمقراطي، وقد لا يكون وديا مع العراق، كل هذا محتمل وإن كان مستبعدا، ولكن هل الوقوف مع النظام السوري في الشهر الأخير من خريفه يجعل البديل المقبل صديقا للعراق؟ وهل من الحكمة أو العدل أن نقف مع نظام نحن نعلم أنه يقمع شعبه ونراه يفعل ذلك يوميا ونلتقي بالسوريين الذين يروون لنا قصصا من القمع تشبه ما كان يفعله صدام بنا سابقا، رغم أنها لا يمكن أن تصل إلى بشاعة ما فعله صدام بالشعب العراقي، رغم وحشيتها.

الأسباب التي يسوقها المسؤولون العراقيون لتبرير قرارهم عدم تأييد قرار الجامعة العربية تشبه كثيرا التبريرات التي كنا نسمعها من الكثير من المسؤولين العرب حينما كانوا يقفون مع صدام ضد شعبه. كانوا يقولون لنا إن البديل لنظام صدام هو أسوأ من صدام لأنه سيكون تابعا لإيران وكنا نُصدَم فعلا من تلك التبريرات ونضعها في خانة الطائفية! وأحسب أن السوريين الآن ربما يفعلون الشيء نفسه في تفسيرهم لقرار العراق عدم تأييد تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، رغم أنني لا أعتقد أن قرار الحكومة العراقية قد اتخذ لأسباب طائفية خصوصا إذا عرفنا أن رأس النظام وباقي المتنفذين فيه لا ينتمون مذهبيا إلى الطوائف السائدة في العراق.

أتذكر أنني ذات مرة ألقيت كلمة في إحدى جلسات مؤتمر حزب العمال البريطاني وقد كان حاضرا فيها سفير الجامعة العربية في بريطانيا سابقا، علي محسن حميد. وقد عتبت في كلمتي على الدول العربية ممثلة بجامعتها أنها لم تساند الشعب العراقي في نضاله ضد الدكتاتورية وتطلعه إلى الديمقراطية حتى معنويا. وعندما انتهيت من كلمتي دعاني السفير حميد إلى الجلوس إلى جانبه ففعلت. وقد عبّر عن تعاطفه مع الشعب العراقي خصوصا بعد سردي لعدد من بشائع النظام السابق، وقال لي “أنتم تعتبون على الجامعة العربية لأنها لم تؤيدكم علنا لكنكم تنسون أن الجامعة قد أنشئت لخدمة الأنظمة وليس الشعوب، فكيف تتوقعون من الأنظمة العربية أن تساند الشعوب الثائرة ضدها؟”.

نعم الجامعة العربية لم تقف مع الشعوب سابقا لكنها الآن تغيرت لأن الكثير من الأنظمة المكونة لها سابقا لم تعد موجودة، وقد رأينا موقفها تجاه ليبيا الذي ساهم مساهمة فعالة في الإطاحة بنظام القذافي وها هي اليوم تقف إلى جانب الشعب السوري وهذا أمر يجب على كل الديمقراطيين والمؤمنين بحقوق الإنسان أن يؤيدوه، فما بالك بالعراقيين الذين هم أشقاء وجيران لسوريا. موقف العراق الحالي من النظام السوري لا يخدم مصلحة العراق على الأمد البعيد وقد أضاع العراق فرصة تأريخية للوقوف علنا مع مطالب الشعب السوري المشروعة، رغم أنني متأكد أن معظم العراقيين، حتى أعضاء الحكومة الحالية، يؤيدون نضال الشعب السوري من أجل الحرية والديمقراطية. ما زال هناك متسع من الوقت كي تغير الحكومة العراقية موقفها الحالي، خصوصا مع تزايد أعمال القمع والقتل التي يمارسها النظام السوري ضد شعبه، فهل تفعل؟

حميد الكفائي

http://almadapaper.net/news.php?action=view&id=53199